Page 23 - باب القيم بين النسبيّ والمطلق:العمل
P. 23
اﻟﺳﯾﺎﺳــــﻲ ﻓﻲ اﻟدوﻟـــــــﺔ ﻛﻧظﺎم ﯾﺟب أن ﯾﻧﺟﺢ ﻓﻲ ﺗذﻟﯾل ھذه اﻟﺻﻌوﺑﺎت وﻓ ّﺿﮭﺎ.
إ ّن ﺗﺣﻘﯾﻖ ﻋداﻟﺔ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﯾﻔرض ﻋﻠﻰ اﻟدول ﺣﺳب اﻟﻛﺎﺗب ﻋﻘﻠﻧﺔ ﺗﻠك اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ،أي ،ﺗﻧﺎوﻟﮭﺎ
وﻓﻖ ﻣﻧطﻖ اﻟﻣﺷروﻋﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗز ُن ﺗﻠك اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﺑﺷﻛل ﻋﺎدل وﺑﻌﻘل ﺣﺳﺎﺑ ّﻲ دﻗﯾﻖ ﺣﺗﻰ ﺗﻧﺟﺢ
داﺋﻣﺎ وﻟو ﺑﺷﻛل ﻣﻘﺑول وﻟﯾس ﻣﺛﺎﻟ ّﻲ ﻓﻲ ﺗﺣﻘﯾﻖ اﻟﻌداﻟﺔ اﻟﻣرﺟ ّوة .وھﻛذا ﻓﺎﻟدوﻟﺔ واﻟﻧظم
اﻟﺳﯾﺎﺳﯾّﺔ واﻟﻣواطﻧون ،ﻛﻠﮭم ﺷرﻛﺎء ﺑﺷﻛل ﻣﺗﻔﺎوت ﻓﻲ إﻗﺎﻣﺔ ھذه اﻟﻣﻌﺎدﻟﺔ اﻟﻌﺻﯾّﺔ /اﻟﻣﻣﻛﻧﺔ،
واﻟﺗﻲ ﯾﺟب أن ﺗﻛون ﻣﺗﺣ ّرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟزﻣﺎن واﻟﻣﻛﺎن ﺑﺣﺳب اﻟواﻗﻊ اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ واﻹﺟﺗﻣﺎﻋ ّﻲ
وﻣﻘﺗﺿﯾﺎت اﻟظروف اﻹﻗﺗﺻﺎدﯾّﺔ اﻟﻣﺗﻐﯾّرة .ﯾﻘول" :إن اﻟﻣواطن ھو ﺑﺎديء اﻷﻣر ﻋﺿو ﻓﻲ
ﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌﻣل ،وأ ّول ﻣﺎ ﯾُطﺎﻟب ﺑﮫ ھو ﺟزء ﻋﺎدل ﻣن اﻹﻧﺗﺎج اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،وﻻ ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن
ﻧﺣ ّدد ﻧﮭﺎﺋﯾّﺎ ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺗﻣﺛل ذﻟك اﻹﻧﺻﺎف إذ أن اﻟﺛروة واﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ ووﺿﻊ اﻟﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻟﺧﺎرﺟﻲ
وﺗﻘﺎﻟﯾدھﺎ اﻟﺧﺎ ّﺻﺔ ،وﻛﺎﻣل أﺳﻠوب ﻋﯾﺷﮭﺎ ﻋﻧﺎﺻر ﺗﺗدﺧل ﻓﻲ اﻟﺗﺣدﯾد اﻟﻣﻠﻣوس ﻟذﻟك
اﻹﻧﺻﺎاف ،وﻟﻠﺣﻛوﻣﺔ ﯾرﺟﻊ ﺣﺳﺎب ﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻣﻘﺑوﻻ".
ھﻛذا ،ﯾﻣﺛل اﻟﻌﻘل اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ ﻟﻠدوﻟﺔ ﺑﻣﺎ ھو ﻋﻘل ﺣﺳﺎﺑ ّﻲ ،زﯾﺎدة ﻋﻠﻰ ﻋواﻣل
اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ اﻟﻔردﯾﺔ ﻟﻣواطﻧﯾﮭﺎ ،ﺷروط اﻟﺗﻧظﯾم اﻟﻣﻣﻛن ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﻣﻌﺎدﻟﺔ اﻟﻣﻧﺷودة ﺑﯾن اﻟﻌداﻟﺔ و
اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ .و ﻻ ﯾﻣﻛن ﻷي ﻧظﺎم ﺟﺎﺋر ﻏﯾر ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗﺣﻘﯾﻖ ھذه اﻟﻣوازﻧﺔ أن ﯾﻧﺟﺢ ﻛﻣﺎ ﻻ
ﯾﻣﻛن ﻷ ّي ﻣواطﻧﺔ ﻏﯾر واﻋﯾﺔ ﺑﺄدوارھﺎ اﻹﯾﺗﯾﻘﯾﺔ أن ﺗﻐﻧم ھذه اﻟﻣوازﻧﺔ " .ﻓوﺣدة اﻟﻣﺟﻣوﻋﺔ
و ﺗﻣﺳﻛﮭﺎ ﻻ ﯾﺻﻣدان ﻋﻠﻰ طول اﻟﻣدى أﻣﺎم ﻧظﺎم ﻗﺎﺋم ﻋﻠﻰ ﺿﯾم ﺻﺎرخ و أﻣﺎم ﻓوارق
ﻣﺟﺣﻔﺔ ﻓﻲ اﻟدﺧل و أﻣﺎم ﺗﻔﺎوت ﻣﺷ ّط ﺑﯾن ﻣﺳﺗوى ﻋﯾش ﻣﺧﺗﻠف اﻟﻔﺋﺎت".
*** اﻟﻣﻛﺎﺳب
ھﻛذا إذن ﻻ ﺗﻣﺛل ﻣﻘﺎرﺑﺔ "إﯾرﯾك ﻓﺎﯾل" ﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ و اﻟﻌداﻟﺔ ﻣﺟرد ﺗوﺻﯾف ﻟﺗرﻛﯾب
ﻋﻼﻗﺔ ﻋﺻ ّﯾﺔ ﺑﯾن ھﺎﺗﯾن اﻟﻘﯾﻣﺗﯾن اﻟﻠﺗﯾن ﯾﻔﺗرﺿﮭﻣﺎ ﻣﺟﺎل اﻟﻌﻣل ﻛﻣﺎ ﻧﻌﯾﺷﮫ واﻗﻌﯾﺎ ،ﺑل ﺗﻌﺑّر
ﻋن ﺗﻛﺎﻣل ﺿروري ﻓﻲ ﻏﯾﺎﺑﮫ ﯾﺗﺣ ّول اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﻌﻣل إﻟﻰ ﻣﺟرد إﺳﺗﺣﺿﺎر ﻟﻣﺷﺎﻋر
اﻟﺣﺳرة ﻋﻠﻰ ﻗﯾﻣﻧﺎ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﯾّﺔ واﻟﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﯾﺔ اﻟﺗﻲ ذ ّوﺑﺗﮭﺎ ﻗﯾم اﻹﻗﺗﺻﺎد اﻟرأﺳﻣﺎﻟﻲ .أو
ﻣﺟ ّرد ﺗﺛﻣﯾن وإﻋﻼء ﻟﻘدرة اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺗﻘﻧﯾّﺔ واﻹﻗﺗﺻﺎدﯾّﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻛم ﻓﻲ ﻋواﻣل اﻹﻧﺗﺎج
واﻟﺗﺑﺎدل .وﻟذﻟك ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﺗﺛﻣﯾن ھذه اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻣﺗﻌ ّددة ﻟﻌ ّل أھﻣﮭﺎ :ﺗﻛﺎﻣل اﻹﯾﺗﯾﻘﻲ
ﺑﺎﻟواﻗﻌ ّﻲ ﻓﻲ إطﺎرھﺎ ،وھو اﻟﺗﻛﺎﻣل اﻟذي ﯾﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺗﻧﺎول أزﻣﺔ اﻟﻌﻣل واﻟﻘﯾم ﻛﻣﺎ ﻧﻌﯾﺷﮭﺎ ﻓﻌﻠﯾّﺎ
وﻛﻣﺎ ﯾﺟب أن ﻧﺗﻣﺛل ﻟﮭﺎ اﻟﺣﻠول اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ اﻟواﻗﻌ ّﯾﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ ،ذﻟك أ ّن ﺣل ﻣﻌﺿﻠﺔ
اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻌداﻟﺔ واﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ﻻﯾﺳﺗوﺟب ﻣﺟ ّرد اﻟﺗﻔﻛﯾر ﻓﻲ اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋن اﻟﺗوﺟﮫ اﻟرأﺳﻣﺎﻟﻲ
اﻟذي ﯾﺑدو رﻏم ﺑؤﺳﮫ ﻻزال ﺳﯾﺳود ﻟوﻗت ﻟﯾس ﺑﺎﻟﻘﺻﯾر .ﻛﻣﺎ أن ھذه اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺟدﯾرة
ﺑﺎﻟﺗﺛﻣﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻷﻧﺗروﺑوﻟوﺟﻲ وذﻟك ﻟﻣﺎ ﺗؤ ّﻛده ﻣن إﺧﺗﻼﻓﺎت ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى اﻟﺗﺻ ّرف
اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻟﻸﻧظﻣﺔ ﻓﻲ اﺗﺟﺎه ﺧﻠﻖ اﻟﻣﻌﺎدﻟﺔ ﺑﯾن اﻟﻌداﻟﺔ واﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ﻛ ّل ﺑﺣﺳب طﺑﯾﻌﺔ ﻣﺟﺗﻣﻌﮫ
وﻣﻘﺗﺿﯾﺎﺗﮫ ،ﻛ ّل ﺑﺣﺳب اﻟظروف اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﻌواﻣل اﻟﺧﺻوﺻﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣ ّدده .ﻛﻣﺎ ﯾﻣﻛــــــن
-ص-21