Page 20 - باب القيم بين النسبيّ والمطلق:العمل
P. 20
اﻟﻣﺛﺎل ﯾُﻌﺗﺑر اﻟﻼﺗﺳﺎوي ﺑﯾن ﻣﮭن ﻣن إﺧﺗﺻﺎﺻﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋﺎدﻻ ﻷ ّن ذﻟك ﻣﻘﺑول ﻣن طـــرف
اﻟﺟﻣﯾﻊ ،ﻓﻼ ﯾﻣﻛن اﻹﻋﺗراض ﻋﻠﻰ أﺟر ﻋﺎﻣل ﯾﺗﻘﺎﺿﻰ أﻗ ّل ﻣن أﺟر ﻣو ّظف ﺳﺎم أو إطﺎر
ﻣﺷرف ﻓﻲ ﻣؤ ّﺳﺳﺔ .وﻣن ھﻧﺎ ﯾﺗﺿﺢ اﻟﺗﺄﻛﯾد ﻋﻠﻰ ﺿرورة ﻋدم اﻟﺧﻠط ﺑﯾن اﻟﻌداﻟﺔ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ
أواﻹﻧﺻﺎف واﻟﻣﺳﺎواة" .وﻟذﻟك ﻧﻘرأ ﻟﮭذا اﻟﻣﻔﻛر ﻣﺑدأﯾن أﺳﺎﺳﯾﯾن ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ ﻧ ّﺻﮫ ﻟﺗﺣﻘﯾﻖ
اﻟﻌداﻟﺔ .أﺣدھﻣﺎ ﯾﺗﻣﺛّل ﻓﻲ ﺿرورة اﻟﻣﺳﺎواة ﺑﯾن اﻟﺟﻣﯾﻊ داﺧل اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟواﺣد ﻓﻲ اﻟﺗﻣﺗّﻊ
ﺑﺎﻟﺣ ّرﯾﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾّﺔ ،وﺛﺎﻧﯾﮭﻣﺎ ﯾﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺿرورة أن ﺗﻛون اﻟﺗﻔﺎوﺗﺎت اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ واﻹﻗﺗﺻﺎدﯾّﺔ
ﺑﯾن اﻷﻓراد واﻟﻣﺟﺎﻻت ﻣﻧظﻣﺔ وﺧﺎدﻣﺔ ﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ﻛل ﻓرد ﺿﻣن اﻟﻣﺟﺎل اﻟﻣﻣﯾّز اﻟذي ﯾﺣﺗﻠّﮫ.
ﻓﯾﻘول" :ﯾﺟب أن ﯾﻛون ﻟﻛل ﺷﺧص ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎم اﻷ ّول ﺣ ّﻖ ﻣﻌﺎدل ﻟﻠﻧظﺎم اﻷﻛﺛر اﻧﺗﺷﺎرا
ﻟﻠﺣ ّرﯾﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺳﺎوى ﻓﯾﮭﺎ اﻟﺟﻣﯾﻊ ،ﻧظﺎم ﯾﻛون ﻣﺗواﻓﻘﺎ ﻣﻊ ﻧﻔس اﻟﻧظﺎم اﻟذي
ﻟﻶﺧرﯾن .وﯾﺟب ﻋﻠﻰ أﺷﻛﺎل اﻟﺗﻔﺎوت اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻹﻗﺗﺻﺎدي أن ﺗﻛون ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎم اﻟﺛﺎﻧﻲ
ﻣﻧظﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﯾﺟﻌﻠﻧﺎ ﻗﺎدرﯾن ﻋﻠﻰ أن ﻧﻧﺗظر ﻣﻧﮭﺎ أن ﺗﻛون ﻓﻲ آن واﺣد ﻟﺻﺎﻟﺢ ﻛل ﻓرد
وأن ﺗﻛون ﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﻣواﻗﻊ ووظﺎﺋف ﻣﻔﺗوﺣﺔ ﻟﻠﺟﻣﯾﻊ" .ﻓﮭذه اﻟﻣﺑﺎديء ﯾﺟب أن ﺗُطﺑّﻖ ﻓﻲ
ﺗﻧظﯾم اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ وﻛﯾﻔﯾّﺔ ﺗوزﯾﻊ اﻟﻣﻧﺎﻓﻊ اﻹﻗﺗﺻﺎدﯾّﺔ ﺑﯾن أﻓراد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻠﯾﺑراﻟﻲ،
ﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌﻣل .وھﻛذا ﻓﺎﻟﻌداﻟﺔ ﻟﯾﺳت ﻣﺳﺎواة ﯾﺗﻣﺎﺛل ﻓﯾﮭﺎ اﻟﺟﻣﯾﻊ ﺑﻧﻔس اﻟﻘدر واﻟﺻﻔﺔ ،ﺑل ھﻲ
ﻋداﻟﺔ اﻹﺧﺗﻼف طﺑﻘﺎ ﻟﻧوﻋﯾّﺔ اﻷﻧﺷطﺔ وﺗﻔﺎوت اﻟﻣﮭﺎرات واﻟﻛﻔﺎءات ،وطﺑﯾﻌﺔ اﻟوظﺎﺋف
واﻟﻣﮭﺎم اﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻔﺗرﺿﮭﺎ اﻟﺑُﻧﻰ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋ ّﯾﺔ اﻟﻣﺗﺣ ّرﻛﺔ داﺧل ﺳﯾرورة اﻟﺗﺎرﯾﺦ .وﺻﯾﺎﻏﺔ
ﺗﻠك اﻟﻣﺑﺎديء " ﺿﻣن ﻣﻧظورﯾّﺔ ﻧظرﯾّﺔ اﻟﻌداﻟﺔ –ﻛﻣﺎ ﯾﻘول "راوﻟز" ،-ﺗﻔﺗرض أن ﻧﻘ ّﺳم اﻟﺑﻧﯾﺔ
اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ إﻟﻰ ﻗﺳﻣﯾن ﻣﺗﻣﯾّزﯾن إﻟﻰ ﺣ ّد ﻣﺎ ،وﯾُطﺑّﻖ اﻟﻣﺑدأ اﻷ ّول ﻋﻠﻰ واﺣد ﻣﻧﮭﻣﺎ ،وﯾُطﺑّﻖ
اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻵﺧر .وھﻛذا ﻧﻣﯾّز ﺑﯾن أوﺟﮫ اﻟﻧظﺎم اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﻌ ّرف اﻟﻣﺳﺎواة ﻓﻲ
اﻟﺣ ّرﯾﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾّﺔ وﺗُﺿ ّﻣﻧﮭﺎ ﻟﻛل ﻓرد ،وﺑﯾن اﻷوﺟﮫ اﻟﺗﻲ ﺗُﻘﯾم اﻟﻔوارق اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ
واﻹﻗﺗﺻﺎدﯾّﺔ" .وھﻛذا ﻓﺎﻟﻣﺑدأ اﻷ ّول ﯾظ ّل ﻣﻼزﻣﺎ ﻟﺗطﺑﯾﻖ اﻟﺣ ّرﯾﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾّﺔ ﻛﺣ ّﻖ اﻹﻧﺗﺧﺎﺑﺎت
وﺣ ّﻖ اﻟﺣﺻول ﻋﻠﻰ ﻋﻣل ﻋﻣوﻣﻲ .أ ّﻣﺎ اﻟﻣﺑدأ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﮭو ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﻛﯾﻔﯾّﺔ ﺗوزﯾﻊ اﻟﻣداﺧﯾل
واﻟﺛروة .وﻣﺟﺎل ﺗﻧظﯾم اﻟﻌﻣل ﻛﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﻧﺳﺗﺧﻠص ،ﯾظ ّل ﻣﺟﺎﻻ ﺧﺎﺿﻌﺎ ﻟﮭذا اﻟﺗﻧظﯾم
اﻟﻣﺳﺗﺣدث ﻟﻠﻌداﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻣﻛﯾن ﻛل ﺷﺧص ﻣن اﻟﻌﻣل ﻛﻐﯾره ﻣن اﻟﺑﺷر طﺑﻘﺎ ﻟﻣﺑدإ اﻟﻛﻔﺎءة
واﻟﺗﺧ ّﺻص واﻹﻗﺗدار ﻷﺟل ﺗﺣﻘﯾﻖ اﻟﻣردودﯾّﺔ ﺿﻣن ﻣﺟﺎﻟﮫ ،دون إھﻣﺎل اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ
ﻣطﻠب إﻗﺗﺻﺎد ّي أﺳﺎﺳ ّﻲ ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻌﻣل اﻟﻣﻌﺎﺻرة .وﺣﯾﻧﺋذ ،ﻓﺈ ّن ﻣطﻠب اﻟﻌداﻟﺔ ﯾﺗﺧذ
دﻻﻟﺔ ﺗﺟﻌل ﻣن اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ واﻗﻌﺎ أﺳﺎﺳﯾّﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن اﻹﻏﺿﺎء ﻋﻧﮫ أو ﺗﺟﺎھﻠﮫ ﺿﻣن ھذا اﻟﻔﮭم
اﻟﻠﯾﺑراﻟﻲ اﻟذي ﯾُﻔﻛر ﻓﻲ ﺗﻛﺎﻣل ﺛﻧﺎﺋ ّﯾﺔ اﻟﻌداﻟﺔ واﻟﻧﺟﺎﻋﺔ طﺑﻘﺎ ﻟﺿواﺑط اﻹﻧﺧراط ﻓﻲ ﻣﺑﺎديء
ﺗﺣ ّﻣل ﻣﺳؤوﻟﯾّﺔ ﻋﺿوﯾّﺔ اﻟذات اﻟﻔردﯾّﺔ داﺧل اﻟﺟﺳم اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺑﻣﺎ ھو ﺟﺳم اﻟﻌﻣل واﻟﺗﻧظﯾم
اﻟﻠﯾﺑراﻟﻲ .وﯾﺑﻘﻰ اﻟﺗﻧظﯾم اﻟدﻗﯾﻖ ﻓﻲ ﺗﺻرﯾف اﻟﻌداﻟﺔ ﺿﻣن واﻗﻌﯾّﺔ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ﻣﺳؤوﻟﯾّﺔ ﻣوﻛوﻟﺔ
ﻟﻸﻧظﻣﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾّﺔ ﻛﻣﺎ ﯾؤ ّﻛد ﻛذﻟك "إﯾرﯾك ﻓﺎﯾل".
***اﻹﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﻧص "اﻟﻌداﻟﺔ واﻟﻧﺟﺎﻋﺔ"" ،إﯾرﯾك ﻓﺎﯾل )اﻷﻟﻣﺎﻧﻲ ،"(1977-1904ص.57
-ص -18