Page 18 - باب القيم بين النسبيّ والمطلق:العمل
P. 18
اﻹﻣﻛﺎن .وﻟﻛ ّن ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗﺄ ّزم ووﺿﻌﯾّﺔ اﻟﺑؤس وﺣﺻﺎر اﻟﻐﺑــــن اﻟذي ﯾﺣ ّول اﻟﻌﻣل إﻟﻰ ﻣﺟـــﺎل
ﻟﺧﻧﻖ إﻧﺳﺎﻧﯾﺗﻧﺎ ،ﯾدﻓﻌﻧﺎ ﻟﻠﺗﻔﻛﯾر اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻓﻲ إﻣﻛﺎﻧﯾﺎت ﺣﻠول ﻧﺳﺗﻌﯾد ﻣن ﺧﻼﻟﮭﺎ ﻗﯾﻣﻧﺎ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ
اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺻ ّدرھﺎ ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻌداﻟﺔ اﻟ ُﻣﺣﺗﺟﺑﺔ دون اﺳﺗﻔراغ اﻟﻌﻣل ﻣن ﻣدﻟوﻟﮫ اﻹﻗﺗﺻﺎدي وأﺑﻌﺎده
اﻟﻣﺎدﯾّﺔ .ﻓﺿﻣن أﯾّﺔ ﺷروط ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﺑﻠوغ ﻣﺟﺎوزة اﺧﺗﻼل اﻟﻣوازﻧﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ واﻟﻌداﻟﺔ ﻓﻲ
ﻣﺟﺎل اﻟﻌﻣل ﻹﻋﺎدة ﺿﺑطﮭﺎ ﻣن ﺟدﯾد؟.
*** اﻹﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﻧص "اﻹﺿطﮭﺎد واﻟﺗﺣ ّرر ﻓﻲ اﻟﻌﻣل"ن ﺟون ﺑول ﺳﺎرﺗر ،ص.79
ﯾُﻣﺛل ﺗﺻ ّور "ﺳﺎرﺗر" )اﻟﻔﯾﻠﺳوف اﻟﻔرﻧﺳﻲ (1980-1905اﻟذي ﯾﺗﻧزل ﻓﻲ ﺻﻣﯾم
اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾّﺔ ،ﺗﻧﺳﯾﺑﺎ ﻟﻣوﻗف "ﻣﺎرﻛس" ﻣن اﻟﻧظﺎم اﻟرأﺳﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﯾدﻋو إﻟﻰ إزاﻟﺗﮫ ﻧﮭﺎﺋﯾﺎ
ﻟﻠﺗﺧﻠص ﻣن اﻹﻏﺗراب .ذﻟك أن "ﺳﺎرﺗر" ﯾﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﻛﺷف ﺑﻌض وﺟوه اﻟﺗﺣ ّرر ﺿﻣن ﺣﺎﻟﺔ
اﻟﺑؤس اﻟﺗﻲ ﯾﻌﯾﺷﮭﺎ اﻟﻌﺎﻣل ﺿﻣن ذﻟك اﻟﻧظﺎم اﻹﻗﺗﺻﺎدي اﻟ ّرأﺳﻣﺎﻟﻲ ،ﻟﯾﺗّﺧذھﺎ ﻣﻧطﻠﻘﺎت ﻟﺗﺄﻛﯾد
اﻟﻧوﻋﯾّﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ اﻟﻣوﺳوﻣﺔ ﺑﺎﻟﺗﺣ ّرر واﻟﻘدرة اﻟﻣﺗواﺻﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻌﺎدة اﻟوﻋﻲ اﻟﻣﻐﺗرب.
وﻟذﻟك ،ﻓﺈن اﻟﻧص ﯾﺟﯾﺑﻧﺎ ﻋﻠﻰ إﺷﻛﺎﻟﯾّﺔ :أﯾّﺔ ﺣرﯾّﺔ ﯾﺗّﺻف ﺑﮭﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﺿﻣن ﻣﺟﺎل اﻟﻌﻣل:
ھل ھﻲ اﻟﺣرﯾّﺔ اﻟﻣﺛﺎﻟﯾّﺔ اﻟﻣﺗﻌﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﺗﻣﺛﻠﮭﺎ إﻻ ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى اﻟﺗﺻ ّور اﻟﻣﺟ ّرد ،أم
ھﻲ ﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﻧﻌﯾﺷﮭﺎ ﻣراﺳﺎ وإدراﻛﺎ ﺣﻘﯾﻘﯾّﺎ ﻟﻧوﻋﯾﺗﻧﺎ ﻓﻲ ذﻛﺎﺋﮭﺎ وﻗدرﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻌل ﻓﻲ اﻟﻣﺎ ّدة
ﺑﻣﺎ ﯾﻣﯾّزﻧﺎ ﻋﻧﮭﺎ وﯾﻔﺗﺢ أﻣﺎﻣﻧﺎ ﻣﺳﺎﻟك اﻟﺗﺣ ّرر اﻟﻔردي واﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺑﺎﻟﻌﻣل؟ .وإﻟﻰ أ ّي ﺣ ّد
ﯾﻧﺟﺢ ھذا اﻟﺗﺻ ّور ﻓﻲ ﺗﺟﺳﯾد ﻓﻌﻠ ّﻲ ﻟﺣ ّرﯾﺗﻧﺎ وﻛراﻣﺗﻧﺎ ،وﺗﺣﻘﯾﻖ اﻟﻌداﻟﺔ ﻓﻲ واﻗﻊ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ؟.
ﯾﻠ ّﺧص اﻟﻛﺎﺗب ﻣدﻟول اﻟﺣرﯾّﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻌﻣل ﺿﻣن ﻣﻌﺎﯾﻧﺔ ﺣﺿورھﺎ ﻛﻔﻌل
وﻣﻣﺎرﺳﺔ وﻟﯾس ﻛﺗﺄ ّﻣل وﺗﺣﻠﯾﻖ ﻓوق اﻟﻌﺎﻟم ﻓﯾﻘول" :ﻟن ﯾﻛون اﻟﻌﺎﻣل ﻗﺎدرا ﻋﻠﻰ إدراك ﺣ ّرﯾﺗﮫ
ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﺗﺣﻠﯾﻖ ﻓوق اﻟﻌﺎﻟم ﺑﻣﺎ أ ّن اﻟﻌﺎﻣل ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻷﻣر ھو ﻓﻲ ﻧظر اﻟﺳﯾّد أو اﻟطﺑﻘﺔ
اﻟﻣﮭﯾﻣﻧﺔ ﺷﻲء ،ﻓﮭو ﻻ ﯾﻌﻠم ﺑﺄﻧﮫ ﺣ ّر ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ ﻋود ﺗﺄ ّﻣﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﻟذات ،ﺑل ھو ﯾﺗﺟﺎوز وﺿﻊ
اﻟﻌﺑد ﺑﻔﻌﻠﮫ ﻓﻲ اﻟظواھر اﻟﺗﻲ ﺗﺑﻌث إﻟﯾﮫ ﺑدﻓﻊ ﻣن ﺷ ّدة ﻗﯾدھﺎ ﺑﺻورة ﺣرﯾّﺔ ﻣﻠﻣوﺳﺔ ھﻲ ﺣرﯾّﺔ
ﺗﺣوﯾر اﻟظواھر" .وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﺗﺗﺣ ّول اﻟﺣرﯾّﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ إدراك وﻧﻣط وﻋﻲ
ﺑﺈﻧﺳﺎﻧﯾﺗﻧﺎ اﻟﻧوﻋﯾّﺔ اﻟﻣﺗﻣﯾّزة ﻋن اﻟﻣﺎ ّدة اﻟﻌﺿوﯾّﺔ اﻟطﺑﯾﻌﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﻧﻌﯾد ﺗﺷﻛﯾﻠﮭﺎ ﺑطرق ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻣ ّﻣﺎ
ﯾﺟﻌﻠﻧﺎ ﻧﺗﺧ ّﻠ ُص ﻣن طﺎﺑﻊ اﻟ ّﺷﯾﺋﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﻣﻧﺎ ﺑﮭﺎ اﻟ ُﻣﻼّك وأﺻﺣﺎب رأس اﻟﻣﺎل .وذﻟك ﻣﺎ
ﯾُﻛﺳﺑﻧﺎ ﺣﻘّﺎ اﻟوﻋﻲ واﻟﺷﻌور اﻟﻣﻣﺗﻠﺊ ﺑﺄﻧﻧﺎ ﻟﺳﻧﺎ ﻋﺑﯾدا ،وأﻧّﮫ ﻣن داﺧل ﻟﺣظﺔ اﻹذﻋﺎن اﻟﻣﻐﺗرب
ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻌﺎﻣل أن ﯾدرك إﻧﺳﺎﻧﯾﺗﮫ ،وﯾدرك "أﻧّﮫ ﻟم ﯾﻌد ﺛ ّﻣﺔ ﻋﺑﯾد ،وأﻧّﮫ ﻟم ﯾﻌد إﻻ ﻣﺿطﮭدون
ﻓﻌﻠﯾّﺎ" ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﮭم اﻟﻣراھﻧﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﯾّﺔ ﻛﻘﺎﺳم ﻣﺷﺗرك وﻣﺑدإ إﻧﺳﺎﻧ ّﻲ وﻣﻘ ّوم إﺟﺗﻣﺎﻋ ّﻲ ﯾﺟب أن
ﺗُﺳﺗﺑدل ﻣن ﺧﻼﻟﮭﺎ ﻋواﻣل اﻟﺗطﺎﺣن ﺑﯾن إرادة اﻟﻌﺑد واﻟﺳﯾّد إﻟﻰ ﺗو ّﺟﮫ ﻣﺷﺗرك ﻹرادﺗﯾﮭﻣﺎ ﻧﺣو
اﻷﺷﯾﺎء ﻟﻠﻔﻌل ﻓﯾﮭﺎ وﺗطوﯾﻌﮭﺎ ﻧﺣو ﻣﺎ ﯾُﺣﻘﻖ ﺧﯾرﻧﺎ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ اﻟﻣﺷﺗرك .وﺑذﻟك ،ﯾﺗﺣ ّول ﻣﺟﺗﻣﻊ
اﻟﻌﻣل ﻣن ﻣﺟﺗﻣﻊ اﻏﺗراب وﺗطﺎﺣن ﺑﯾن اﻹرادات اﻟطﺑﻘﯾّﺔ اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ إﻟﻰ "ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣﺗﺣ ّرر
ﯾﻛون ُﻣﻧﺷﺄة ﻣﺗﻧﺎﻏﻣﺔ ﻻﺳﺗﻐﻼل اﻟﻌﺎﻟم .وﺑﻣﺎ أن ھذا اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻧﺗﺞ ﻋن اﻣﺗﺻﺎص اﻟطﺑﻘﺎت
اﻟﻣﺣظوظﺔ و ُﻋ ّرف ﺑﺎﻟﻌﻣل ،أي ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻓﻲ اﻟﻣﺎ ّدة ،وﺑﻣﺎ أﻧﮫ ﺧﺎﺿﻊ ھو ﻋﯾﻧﮫ إﻟﻰ اﻟﻘواﻧﯾن
-ص-16