Page 19 - باب القيم بين النسبيّ والمطلق:العمل
P. 19
اﻟﺣﺗﻣﯾّﺔ ،ﻓﺈن اﻟﺣﻠﻘﺔ ﻗد اﺳﺗدارت واﻧﻐﻠﻖ اﻟﻌﺎﻟم".
إ ّن ھذا اﻟﺷﻌور اﻟذي ﯾﻔﺻﻠﻧﺎ ﻋن ﺷﯾﺋﯾّﺔ اﻟﻣﺎ ّدة وﯾﺳﺗﻌﯾد إدراك اﻟذاﺗﯾّﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧ ّﯾﺔ ﻛذاﺗﯾّﺔ
"ﺑراﻛﺳﯾس" ﺿﻣن واﻗﻊ اﻟﺗﺎرﯾﺦ واﻹﺟﺗﻣﺎع اﻟﺑﺷري اﻟﻧوﻋﻲ ،ھو ﻣﺎ ﺑﮫ ﯾؤ ّﺳس "ﺳﺎرﺗر"
ﻟﻣﻧطﻠﻘﺎت واﻗﻌﯾّﺔ اﻟﺗﺣ ّرر ﻣن اﻹﻏﺗراب داﺧل اﻟﻌﻣل ﺿﻣن ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻹﺿطﻼع ﺑﻣﮭﺎم
ﺗﺟﺳﯾد اﻟﺣرﯾّﺔ ﻛﻣﺷروع ﯾﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﻟﺑﻧﻰ اﻟطﺑﻘﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻣل اﻷﻧظﻣﺔ اﻹﻗﺗﺻﺎدﯾّﺔ اﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾّﺔ
ﻋﻠﻰ ﺗﺛﺑﯾﺗﮭﺎ .وﯾظ ّل رھﺎن اﻟﺗﺣ ّرر ﺣﺳب ﻓﯾﻠﺳوﻓﻧﺎ ﻣﻧطﻠﻘﺎ إﻧﺳﺎﻧﯾّﺎ وﻏﺎﯾﺔ ﺗوﺣﯾدﯾّﺔ ﻟﻠﺑﺷر ﻷﺟل
اﻟﺗﺧﻠص ﻣن ﺳﻠﻌﻧﺔ اﻟﻘﯾم وﺗﻣدﯾﺔ اﻟذات اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ .وﻟﻛن اﻟﺗﺻ ّورات اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾّﺔ ﻻ زاﻟت ﻣﻊ ذﻟك
ﺗﻌﺗﻘد أ ّن أزﻣﺔ اﻟﻌﻣل واﺧﺗﻼل ﻣوازﻧﺔ اﻟﺗﻛﺎﻣل ﺑﯾن اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ واﻟﻌداﻟﺔ ﺗﻌود إﻟﻰ ﻓﺳﺎد ﯾﺧ ّص
اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾّﺔ اﻟﻣﺗﺣ ّﻛﻣﺔ ،وأﻧّﮫ ﺑﺗﺣدﯾد ﺿواﺑط إدارة اﻟﺷﺄن اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﺳﯾﺎﺳ ّﻲ
واع ﺑﺄھﻣﯾّﺔ ﺗﻛﺎﻣل اﻟﻌداﻟﺔ ﺑﺎﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ﺿﻣن اﻟﻌﻣل ،ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﺗﺟﺳﯾد ﺗﻠك اﻟﻣوازﻧﺔ اﻟﻣﻧﺷودة ﻓﻼ
ﻧﻔ ّرط ﻓﻲ ﻗﯾم اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ وﻻ ﻧﻔﺗﻘد اﻟﻌداﻟﺔ .ﻓﺄ ّي ﺗﻧظﯾم ﻣﻣﻛن ﻟﺗﺣﻘﯾﻖ ھذه اﻟﻣوازﻧﺔ ﺣﺳب "ﺟون
راوﻟز" و"إﯾرﯾك ﻓﺎﯾل"؟
***اﻹﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﻧ ّص" :اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ واﻟﻌداﻟﺔ" ،ﺟون راوﻟز ،ص.41
ﯾﺗﻣﺣور ﻣﺷﻛل اﻟﻧص ﺣول ﻣدى ﻗدرة اﻟ ّدوﻟﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺿﻣن ﻧظﺎﻣﮭﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻹﻗﺻﺎدي
اﻟﻠﯾﺑراﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺣﻘﯾﻖ اﻟﻌداﻟﺔ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﺗوزﯾﻊ اﻟﺛروات .وﻟذﻟك ﻓﺎﻟﻧص ﯾﺟﯾﺑﻧﺎ ﻋن
اﻹﺷﻛﺎﻟﯾّﺔ اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ :ﻣﺎ اﻟذي ﻓﻲ وﺳﻊ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺑﻣﺎ ھﻲ دوﻟﺔ اﻟﻧظﺎم اﻟﻠﯾﺑراﻟﻲ أن ﺗﺳﻠك
ﺣﺗﻰ ﺗﺣﻘﻖ اﻟﻌداﻟﺔ اﻟﻣرﺟ ّوة؟ .وﻋﻠﻰ أ ّي ﻧﺣو ﯾﺟب أن ﯾرﺗﺑط ذﻟك ﺑﺈﺑراز ﻣﺷروﻋﯾﺔ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ
واﻟﻣﻧﺎﻓﻊ اﻟﻔردﯾّﺔ واﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ ﺿﻣن واﻗﻊ اﻟﺗﻔﺎوت اﻹﻗﺗﺻﺎدي واﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ
ﺑﺎﻟﺣﻘوق اﻷﺳﺎﺳﯾّﺔ واﻟﺗوزﯾﻊ اﻟﻣﺗﻛﺎﻓﻲء ﻟﻠﺛروة واﻷﻧﺷطﺔ اﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ؟.
وﯾﺗﻛﻔّل "ﺟون راوﻟز" )اﻟﻔﯾﻠﺳوف اﻷﻣرﯾﻛﻲ،ﻣﻧظر اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾّﺔ اﻟﺟدﯾدة(2002-1921 ،
ﺑﺗﺄﺳﯾس ﻣوﻗف ﯾﻌﺗﺑر ﻓﻲ إطﺎره أ ّن اﻟﻌﻣل ﺑﻣﺎ ھو ﺣ ّﻖ إﻧﺳﺎﻧ ّﻲ أﺳﺎﺳ ّﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت
اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﯾﻘﺗﺿﻲ ﺗوازﻧﺎ ﺿرورﯾّﺎ ﺑﯾن اﻟﻌداﻟﺔ واﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ﯾﺿطﻠﻊ ﺑﮭﺎ اﻟﺗﻧظﯾم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﻲ
اﻟدوﻟﺔ .وإذا ﻛﺎن ھذا اﻟﻣﻔ ّﻛر اﻟﻠﯾﺑراﻟﻲ ﯾﻘطﻊ ﻣﻊ اﻟﺗﺣدﯾد اﻟﻘدﯾم ﻟﻣﻔﮭوم اﻟﻌداﻟﺔ ﻓﻲ ﺳﺟﻠﮭﺎ
اﻷﺧﻼﻗﻲ وﻣﻌﻧﺎھﺎ اﻹﺷﺗﻘﺎﻗﻲ ﺑﻣﺎ ھو ﻣﻌﻧﻰ ﻣطﺎﺑﻖ ﻟﻠﺣ ّﻖ ،وﯾرﺗﺑط ﺑﺎﻟﻔﺿﯾﻠﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠّﻘﺔ ﺑﺈﻋطﺎء
ﻛ ّل ذي ﺣ ّﻖ ﺣﻘّﮫ ،ﻟﯾﺟﻌﻠﮭﺎ ﻣرﺗﺑطﺔ ﺿﻣن اﻟﺳﯾﺎق اﻟﻠﯾﺑراﻟﻲ اﻟﺟدﯾد ﺑﺗوزﯾﻊ اﻟﺛروات واﻟﻣﻧﺎﻓﻊ
اﻹﻗﺗﺻﺎدﯾّﺔ واﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ وﺑﺎﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﻣوﻣﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘﺗﺿﻲ أﺷﻛﺎﻻ ﻣن اﻟﺗﻔﺎوت ﺣﺗّﻰ ﺗﺗﺣﻘﻖ،
ﻓﺈ ّن ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻌداﻟﺔ ﺳﯾﺻﺑﺢ ﻣﺣ ّددا ﺑﺿرب ﻣن اﻹﺗﻔﺎق اﻟﻌﺎم اﻟذي ﯾﻌود إﻟﻰ ﺗﺻ ّور ﺗﻌﺎﻗدي
إﻓﺗراﺿ ّﻲ ﯾﻧﺑﺛﻖ ﻋﻧﮫ ﺗﺻ ّور ھذا اﻟﻣﻔ ّﻛر ﯾﻌود ﻓﻲ ﺑداﯾﺎت ظﮭوره إﻟﻰ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻌﻘد اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ
ﺧﻼل اﻟﻘرن اﻟﺳﺎﺑﻊ ﻋﺷر .وﻟﻛﻧّﮫ ﺗﻌﺎﻗد ﺑﺻﯾﻎ وﻣﺿﺎﻣﯾن ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺗﻧطﻠﻖ ﻣن اﻹﻧﺳﺎن ﻛﻣﺎ ﯾوﺟد
ﺿﻣن واﻗﻊ إﻧﺗﺎﺟ ّﻲ ﺿﻣن اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻣﻌﺎﺻرة .ﻛﻣﺎ أ ّن اﻟﻌداﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﻌدھﺎ اﻟﺗوزﯾﻌﻲ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ
إﻟﯾﮫ ،ﺳﯾﻛون ﻣﻔﮭوﻣﮭﺎ ﺧﺎﺿﻌﺎ إﻟﻰ اﻟﺗط ّور اﻟزﻣﻧﻲ واﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،ﻷن ﻣﺎ ھو ﻋﺎدل إﺟﺗﻣﺎﻋ ّﯾﺎ
ﻓﻲ ﺳﯾﺎق ﻣﻌﯾّن ﯾﻣﻛن أن ﯾُﺻﺑﺢ ﻏﯾر ﻋﺎدل ﻓﻲ ﺳﯾﺎق ﻣﺧﺗﻠف .وﻣﺎ دام ﻏﯾر اﻟﻌﺎدل ﯾﺗﻣﺛّل ﻓﻲ
ﻣﺎ ھو ﻏﯾر ﻣﻘﺑول إﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺎ ،ﻓﺈن ﻣﻌﯾﺎر اﻟﻌداﻟﺔ ﺳﯾﻛون ھو اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ داﺋﻣﺎ" .وﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل
-ص-17