Page 22 - باب القيم بين النسبيّ والمطلق:العمل
P. 22
ﺗﺣﻘﯾﻖ ھذه اﻟﻣﻌﺎدﻟﺔ اﻟ ّﺻﻌﺑﺔ ﺑﯾن ﺗﺣﻘﯾﻖ اﻟﻌداﻟﺔ اﻟﻣطﻠوﺑﺔ وﺗﺟﺳﯾد اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ اﻟﻣر ُﺟ ّوة
واﻟﺿرورﯾﺔ ﻓﯾﻘول" :إ ّن اﻟﺣﻛوﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗطﻠب اﻟﻌدل دون أن ﺗرﯾد إﻋﺗﺑﺎر اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ،ﺣﻛوﻣﺔ
ﻏﯾر ﻋﺎدﻟﺔ .ذﻟك أ ّن اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ھﻲ ﻣدار اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ،واﻟﺣﻛوﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘﺻد إﻟﻰ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ
ﺑﺎﻟﺗﻔرﯾط ﻓﻲ اﻟﻌدل ﺣﻛوﻣﺔ ﺧﺎطﺋﺔ وﻻ ﺗُﻧﺟز ﺷﯾﺋﺎ ﯾدوم إذ أﻧﮭﺎ ﺗﺣظﻰ ﺑﻣؤازرة اﻟﻣواطﻧﯾن،
وھﻲ ﻣؤازرة ﻻ ﺗﺳﺗطﯾﻊ دوﻧﮭﺎ أن ﺗﺗﺻ ّرف ﻣﺟدﯾﺎ .ﻓﺎﻟﻌداﻟﺔ ﻓﻲ دﻧﯾﺎ اﻟواﻗﻊ واﻟﻌﻣل ھﻲ ﻋداﻟﺔ
ﻣن أﺟل اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﻛﻣﺎ أ ّن اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ھﻲ ﺗﻧظﯾم اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ".
ھﻛذا إذن ﯾﻧ ّزل اﻟﻛﺎﺗب ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻌداﻟﺔ واﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ﺿﻣن واﻗﻌﯾّﺔ اﻟدوﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﻣن
واﺟﺑﮭﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ إذا ﻣﺎ أرادت اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﺋﮭﺎ أن ﺗﻘﯾم ھذه اﻟﻣوازﻧﺔ اﻟﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﯾن ﻣطﻠﯾﺑن
ﯾﻔﺗرﺿﮭﻣﺎ واﻗﻊ اﻟﻌﻣل اﻟذي ﻟم ﯾﻌد ﻣﻧﻔﺻﻼ ﻋن ﻣﺿﺎﻣﯾن اﻟ ُﻣواطﻧﺔ .إذ ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻣواطﻧﺔ ﻓﻲ
اﻟدوﻟﺔ ﻻ ﺗﺗﺣﻘﻖ ﻣﺻﺎﻟﺣﮭﺎ ﺑﺷﻛل ﻋﺎدل ﺿﻣن اﻟﻌﻣل ،ﻛﻣﺎ أﻧّﮫ ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻌﻣل ﻻ ﯾﺣﻘﻖ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ
اﻟﺗﻲ ﯾطﻠﺑﮭﺎ أﺻﺣﺎب رؤوس اﻟﻣوال واﻟدوﻟﺔ ﻋﻣوﻣﺎ ،ﺑﻣﺎ ھﻲ ﻧﺟﺎﻋﺔ ﺗﻧﻌﻛس ﺑﺎﻟﻔﺎﺋدة ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ
اﻟﻣطﺎف إذا ﻛﺎﻧت إرادﺗﮭﺎ ﻋﺎدﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻊ ﻣواطﻧﻲ اﻟدوﻟﺔ ﺑﻣﺎ ھم أﻋﺿﺎء ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻧﺷﯾط
ﯾﻌﻣل وﯾُﻧﺗﺞ وﯾﺳﺗﻔﯾد .وﺣﯾﻧﺋذ ،ﻓﺎﻟﻌﺎﻣل ﺣﺳب "إﯾرﯾك ﻓﺎﯾل" ھو ﻣواطن دوﻟﺔ اﻟﻌداﻟﺔ
واﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ،ﯾُﻧﺗﺞ وﯾُﺳﮭم ﻓﻲ ﻧﻣﺎء اﻟﺛروة ﻟﯾﺳﺗﻔﯾد ھو ﻛذﻟك .وﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو ،ﯾﻧﺗﻘد اﻟﻛﺎﺗب
اﻟﺗوﺟﮫ اﻟﻧﻔﻌﻲ اﻟذي ﯾُﻌﻠﯾﮫ "ﺟون ﺳﺗﯾوارت ﻣﯾل" و اﻟذي ﯾﻐﻠّب ﻓﻲ إطﺎره اﻟﻧﻔﻌﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯾم
اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺣﺗﻰ و إن ﺣﺎول أﺣﯾﺎﻧﺎ أن ﯾﺧﻔﻲ ذﻟك ﺑﺷﻌﺎرات أﺧﻼﻗﯾﺔ ﻣﺳﺗﻧدا إﻟﻰ واﻗﻌﯾﺔ
اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ و اﻟﻣﻧﻔﻌﺔ اﻟﺗﻰ ﺗدﯾم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻣل ﺑﻘﺎﺋﮫ .ﻛﻣﺎ ﻻ ﯾﺗردد "إﯾرﯾك ﻓﺎﯾل" ﻓﻲ ﺗﺣﻣﯾل
اﻟﺣﻛوﻣﺎت ﻣﺳؤوﻟﯾﺔ ﺣﺳن إرادﺗﮭﺎ ﻟﺗﻧظﯾم ھذه اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﻌداﻟﺔ و اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ و ذﻟك
وﻓﻖ واﻗﻌﯾﺔ اﻹﻋﺗراف ﺑﺎﻟﻣﺻﺎﻟﺢ واﻟﻧﺟﺎﻋﺎت .ﯾﻘول"إن اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺣدﯾث
ﯾﺗﺻرف وﻓﻖ ﻣﺎ ﺗﻣﻠﯾﮫ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ و ھذه إﻋﺗﺑﺎرات ﺗﺻ ّﺢ ﻋﻠﻰ ﻛل دول اﻟﯾوم"ﺑﻣﻌﻧﻰ أن اﻟﺛﺎﺑت
اﻟﻣﺗﺄﻛد ھو أن ﻛل اﻟدول اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻣن واﺟﺑﮭﺎ اﻹﯾﺗﯾﻘﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ أن ﺗﻌﺗرف ﺑﮭذه اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ
ﻟﻣواطﻧﯾﮭﺎ وﻟﻛن اﻟﺛﺎﺑت أﯾﺿﺎ أن ﻛل دوﻟﺔ ﯾﺟب أن ﺗﺳﻌﻰ وﻓﻖ ﺧﺻوﺻﯾّﺔ ﻧظﺎﻣﮭﺎ
اﻹﻗﺗﺻﺎد ّي اﻟﻣﺧﺗﻠف ﻋن اﻟدول اﻷﺧرى ﻓﻲ ﺧﻠﻖ اﻟﻣوازﻧﺔ اﻟﻧﺎﺟﻌﺔ واﻟﻌﺎدﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﻣن ﺧﻼﻟﮭﺎ
ﺗُﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ ﻣؤازرة ﻣواطﻧﯾﮭﺎ ﻟﮭﺎ.
إ ّن ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣواطﻧﯾن /اﻟﻌ ّﻣﺎل ﻻﯾﻣﻛن اﻹﻏﺿﺎء ﻋﻧﮭﺎ ﻛﻣﺎ ﻻﯾﻣﻛن اﻹﻏﺿﺎء ﻋن ﻣﺻﺎﻟﺢ
رؤوس اﻷﻣوال وﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟدوﻟﺔ .ﺗﻠك إذا ھﻲ اﻟﻣﻌﺎدﻟﺔ اﻟﺻﻌﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺟب أن ﺗﻧﺟﺢ ﻛل دوﻟﺔ
ﻓﻲ ﺗﺣﻘﯾﻘﮭﺎ .ﯾﻘول اﻟﻛﺎﺗب" :إ ّن اﻹﺷﻛﺎل اﻟدﻗﯾﻖ ھو أن ﻧﻌرف ﻛﯾف ﯾﺣ ّدد ھذا اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻧﻔﺳﮫ
ﻣﺻﺎﻟﺣﮫ وإﻟﻰ أ ّي ﻣدى ﯾﻣﻛن أن ﯾﻌﺗرف اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑﺗﻠك اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ؟" .ﻧﻌم ،ھذا إﺷﻛﺎل ﺣﻘﯾﻘ ّﻲ
إذ ﺗﺧﺗﻠف ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻷﻓراد وﺗﺗﻧﺎﻗض أﺣﯾﺎﻧﺎ ،ﻛﻣﺎ ﺗﺗﻧﺎﻗض ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻔرد ﻣﻊ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ
وﺣﯾﻧﮭﺎ ﯾزداد اﻷﻣر ﺗﻌﻘﯾدا .إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﻧﻧﺎ أﺻﺑﺣﻧﺎ ﻓﻲ ﻋﺻرﻧﺎ ﻧﻌﯾش واﻗﻊ ﺗﻣ ّرد اﻟﻔردﯾّﺔ
اﻟﻌﯾﻧﯾّﺔ ﺣﺳب "ﻓﺎﯾل" ،واﻟﻔردﯾّﺔ اﻟﻌﯾﻧﯾّﺔ ھﻲ ﻧزوع اﻷﻓراد ﺑﺎﺳم اﻟﺣﻖ أﺣﯾﺎن إﻟﻰ طﻠب
اﻹﺳﺗﺋﺛﺎر اﻟﻣﺑﺎح اﻟذي ﯾﺳﻣﺢ ﺑﮫ ﻗﺎﻧون ﻋداﻟﺔ اﻟﺣﻖ ،ﺑﻣﺎ ﯾﻣﺛل ﻟدﯾﮭم ﺣﻘّﺎ ﻣﺛل اﻹﺳﺗﺋﺛﺎر ﺑﺄﻧﻣﺎط
ﻣﻌﯾّﻧﺔ ﻣن اﻟﻣﻠﻛﯾﺎت ﻗد ﺗﻣﺛل ﺳﺑﺑﺎ ﻟﻠﺗﻌﺎرض ﻣﻊ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ .وھﻛذا ،ﻓﻣﻧظوﻣﺔ اﻟﺣﻘوق
اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ ﺗزﯾد ﻓﻲ ﺗﻌﻘﯾد ﻣوازﻧﺔ اﻟﻌداﻟﺔ واﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ،واﻷﻣر ﯾﺑﻘﻰ ﻣوﻛول داﺋﻣﺎ ﻟﻠﻧظــــــــــــــﺎم
-ص -20