Page 21 - باب القيم بين النسبيّ والمطلق:العمل
P. 21
ﺗﻣﺛّل ﻣﻘﺎرﺑﺔ "إﯾرﯾك ﻓﺎﯾل" ﻟﻣﺳﺄﻟﺗﻲ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ واﻟﻌداﻟﺔ ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﺳﯾﺎﺳﯾّﺔ إﻗﺗﺻﺎدﯾّﺔ واﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ
ﺑﺎﻣﺗﯾﺎز ،وذﻟك ﺑﺎﻟﻧظر إﻟﻰ ﻣﻘﺎرﻧﺗﮭﺎ ﺑﻣﻘﺎرﺑﺎت أﺧرى ﯾﻣﺿﻲ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻓﻲ اﺗّﺟﺎه ﺗﻧﺎول ﻣﺳﺄﻟﺔ
اﻟﻌﻣل ﻣن ﻣﻧظور إﻗﺗﺻﺎد ّي ﺑﺣت ﯾﺗ ّم اﻟﺗرﻛﯾز ﻓﯾﮫ ﻋﻠﻰ ﻗﯾم اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ واﻟﻣردودﯾّﺔ وﻣﺎ
ﯾﺳﺗوﺟﺑﺎﻧﮫ ﻣن ﺷروط ﯾﺗﺣ ّول ﺑﻣﻘﺗﺿﺎھﺎ اﻟﻌﺎﻣل إﻟﻰ ﻣﺟ ّرد أداة إﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ ﯾﺗ ّم اﻟﺗﻔﻧّن ﻓﻲ
إﺧﺿﺎﻋﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺳﺗﻠزﻣﺎت اﻹﺳﺗﻐﻼل اﻟﻣﻘﻧّن ﺑﺈﻛراھﺎت اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟوﻓرة اﻟﻣطﻠوﺑﺔ ﻣﺛﻠﻣﺎ ھو
اﻟﺣﺎل ﻓﻲ اﻟﺗﻧظﯾرات اﻹﻗﺗﺻﺎدﯾّﺔ اﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾّﺔ اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾّﺔ ﻣﻊ "رﯾﻛﺎردو" و"آدام ﺳﻣﯾث" ،أو ﺗﻠك
اﻟﺗﻲ ﺗﻔﻛر ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻌﻣل ﻣن ﻣﻧطﻠﻘﺎت ﺗﻐﻠﯾب ﻣﺑدأ اﻟﻧﻔﻌﯾّﺔ اﻟذي ﯾﻣﺛل ﺗو ّﺟﮭﺎ ﻛﺎﻣﻼ ﯾﻌﺗﺑر
"ﺟون ﺳﺗوارت ﻣﯾل" أﺑرز رواده او ﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﺗﻔﻛر ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻌﻣل ﻣن ﻣﻧطﻠﻘﺎت اﻧﺳﺎﻧﯾﺔ
ﺗﻐﯾب ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ﻛﻣﺑدء واﻗﻌﻲ ﻻ ﯾﻣﻛن اﻻﻏﺿﺎء ﻋﻧﮫ ﺿﻣن ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻌﻣل اﻟﻣﻌﺎﺻرة
ﻛﻣﺎ ھو اﻟﺣﺎل ﻣﻊ "ﺳﺎرﺗر" و اﻟﺗﺻ ّور اﻟﻣﺎرﻛﺳﻲ ﻋﻣوﻣﺎ و اﻟﻛﺎﻧطﯾﺔ ﻣن ﻗﺑﻠﮭﻣﺎ.
إ ّن "إﯾرﯾك ﻓﺎﯾل" ﯾﻌﺗﺑر أ ّن "اﻟﻌداﻟﺔ ﻣن ﻏﯾر اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ﻻ ﺗﻌﻧﻲ ﺷﯾﺋﺎ ،وا ّن اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ﻻ ﺗﻌﻧﻲ
ﺷﯾﺋﺎ ﻣن ﻏﯾر اﻟﻌداﻟﺔ" ،وھذه اﻟﻌﯾﺎرة وﺣدھﺎ دﻟﯾل ﻛﺎف ﻋﻠﻰ ﺗﻛﺎﻣل ھﺎﺗﯾن اﻟﻘﯾﻣﺗﯾن ﻣن
ﻣﻧظوره .ﻓﺄ ّي ﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠﻌداﻟﺔ؟ ،وﻣﺎذا ﻧﻘﺻد ﺑﺎﻟﻧﺟﺎﻋﺔ؟ .وﻛﯾف ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﺗوﺿﯾﺢ اﻟﺗﻛﺎﻣل ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ
ﺣﺳﺑﮫ؟ .اﻟواﻗﻊ أ ّن اﻟﻣﻔﮭوﻣﯾن ﻛﻼھﻣﺎ ﯾﻧﺗﺳب إﻟﻰ ﺳﺟ ّل ﻣﺧﺗﻠف وﯾﺣﻣل ﻣﻌﻧﻰ ﻻ ﺗرﺑطﮫ ﺑﻣﻌﻧﻰ
اﻟﻣﻔﮭوم اﻵﺧر ﺻﻠﺔ ،ﺑل ﻟﻌ ّل اﻟ ّﺻﻠﺔ اﻟوﺣﯾدة اﻟﺗﻲ ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﺗﻣﺛّﻠﮭﺎ ﺑﺷﻛل أ ّوﻟ ّﻲ ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ھﻲ ﺻﻠﺔ
ﺗﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻧﺎﻗض ﺑدﻻ ﻋن اﻟﺗﻛﺎﻣل.
ﻓﺎﻟﻌداﻟﺔ ﻣﻔﮭوم إﯾﺗﯾﻘ ّﻲ ﯾُﺣﯾل ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺎواة اﻷﻓﻘﯾﺔ واﻟﻌﻣودﯾّﺔ ﻗواﻣﮫ ﻣﺑدأ اﻹﻧﺻﺎف ،وھو
ﻣﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﻟ ُﺟور واﻟظﻠم واﻹﺳﺗﻐﻼل .أ ّﻣﺎ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ ﻓﮭﻲ ﻣﻔﮭوم ﯾﻧﺗﺳب إﻟﻰ اﻟ ّﺳﺟل
اﻹﻗﺗﺻﺎدي واﻹﻧﺗﺎﺟﻲ ،وﯾُﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻣردودﯾّﺔ واﻟ ّرﺑﺢ وﺗﻛدﯾس اﻟ ّﺳﻠﻊ .وھﻛذا ،ﻓﺎﻟﻘول
ﺑﺗﻛﺎﻣﻠﮭﻣﺎ ﻓﻲ اﻟ ُﻣطﻠﻖ ودون ﺗﺣدﯾد ﻟﮭﻣﺎ ﺿﻣن ﻣﺟﺎل ﯾﺟﻣﻌﮭﻣﺎ ،ﯾظ ّل ﻗوﻻ ُﻣﻌﺗّﻣﺎ وﻏﯾر ﺟﻠ ّﻲ.
إ ّن "إﯾرﯾك ﻓﺎﯾل" ﯾﻌﺗﺑر أ ّن ھذا اﻟﺗﻛﺎﻣل أﺳﺎﺳ ّﻲ وﺿرور ّي ﺑﯾن ھذﯾن اﻟﻣﻔﮭوﻣﯾن ﺿﻣن ﻣﺳﺄﻟﺔ
اﻟﻌﻣل ﻛﻧﺷﺎط ذھﻧﻲ وﺟﺳدي ﻓﻲ إطﺎر ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ اﻟﻣﻌﺎﺻرة اﻟﺗﻲ ﯾُﻌ ّرﻓﮭﺎ ﺑﺄﻧﮭﺎ "ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت
ﻋﻣل" ﺗﺣﻛﻣﮭﺎ "ﻣﺗطﻠّﺑﺎت اﻟواﻗﻊ واﻟﻣﺻﻠﺣﺔ واﻟﺗﻧظﯾم وﻣﻘﺗﺿﯾﺎت اﻟﻌﻘل اﻟﺣﺳﺎﺑﻲ" .إذ ﻻﯾُﻔﮭم
اﻟﻌﻣل ﻓﻘط ﻛﻣﺟ ّرد ﺣﻖ إﻧﺳﺎﻧ ّﻲ ﻣﺣض ﺑل ﯾﺗﺣ ّدد وﻓﻖ ﻣﺎ ﯾُﻣﻠﯾﮫ اﻟواﻗﻊ ﻣن ﻣواﺻﻔﺎت ﻟﻠﻌﺎﻣل
اﻟﻣﻧﺎﺳب ﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن اﻟﻣﻧﺎﺳب إﺧﺗﺻﺎﺻﺎ وﻣﮭﺎرة وﻗدرة ﻋﻠﻰ اﻹﻓﺎدة ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣردودﯾّﺔ،
إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺑدإ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺣﺗﻛم إﻟﯾﮭﺎ اﻟﻌﻣل ﺑﺎﻋﺗﺑﺎره ﻓﺿﺎء ﻟﺗﺟﺳﯾد اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣﺗﻧ ّوﻋﺔ:
ﻣﺻﺎﻟﺢ أﺻﺣﺎب رؤوس اﻷﻣوال ﻣن ﺧﻼل ﺗﺣﻘﯾﻖ أرﺑﺎﺣﮭم اﻟﻣﻧﺷودة ﻣن ﺟﮭﺔ ،وﻣﺻﺎﻟﺢ
اﻟﻌ ّﻣﺎل ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺗﻘﺎﺿوﻧﮫ ﻣن أﺟور ﻣن ﺟﮭﺔ أﺧرى ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣﺳ ّوﻗﯾن و
اﻟﻣﺳﺗﮭﻠﻛﯾن .وﻛ ّل ذﻟك ُوﻓﻖ ﻣﻘ ّدرات "اﻟﻌﻘل اﻟﺣﺳﺎﺑﻲ" اﻟدﻗﯾﻖ .إ ّن ذﻟك ھو واﻗﻊ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت
اﻟﻌﻣل ،ﺑل إ ّن ذﻟك ھو واﻗﻊ اﻟﻌﻣل اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻛﻣﺎ ﻧﻌﯾﺷﮫ ﻓﻌﻠﯾّﺎ.
وﻋﻠﻰ ھذا اﻷﺳﺎس ﻣن ﺗﺄﺻﯾل اﻟﻌﻣل ﺿﻣن واﻗﻌﯾّﺗﮫ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋ ّﯾﺔ وﻣدﻟوﻟﮫ اﻹﻗﺗﺻﺎد ّي
اﻟﻣﻌﺎﺻر ،ﯾﻌﺗﺑر "إﯾرﯾك ﻓﺎﯾل" أ ّن اﻟﺣﻛوﻣﺎت اﻟﺗﻲ ﺗُدﯾر ھذه اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ھﻲ اﻟﻣوﻛول إﻟﯾﮭﺎ
-ص-19