Page 14 - باب القيم بين النسبيّ والمطلق:العمل
P. 14
وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﺷﺎﻣل ﻟﺗﻘﺳﯾم اﻟﻌﻣل ﻓﻲ ﺑﻌدﯾﮫ اﻟﻣﺗﻛﺎﻣﻠﯾن ،طﺑﻘﺎ ﻟﻣﺗطﻠﺑﺎت واﻗﻌﯾّﺔ اﻟﺣﺎﺟـــــــــﺔ
واﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎل اﻷ ّول ،ﺛ ّم طﺑﻘﺎ ﻟﻣﺗطﻠﺑﺎت اﻟﻣردودﯾّﺔ واﻟوﻓرة واﻟ ّرﺑﺢ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎل
اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﯾﺗﺣ ّول اﻟﻌﺎﻣل إﻟﻰ ﻣﺟ ّرد طﺎﻗﺔ إﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ ﯾﺗ ّم ﺗوﺟﯾﮭﮭﺎ واﻟﺗﺣﻛم ﻓﯾﮭﺎ واﺳﺗﻧزاﻓﮭﺎ ﻗدر
اﻹﻣﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺣﻘﻖ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ اﻟﻣطﻠوﺑﺔ :ﻧﺟﺎﻋﺔ اﻟﺗﻘﺳﯾم واﻟﺗﺣﻛم ﻓﻲ اﻟﺟﮭد ،وﻧﺟﺎﻋﺔ اﻟﺗﺄﻟﯾف
ﺑﯾن اﻟﺣرﻛﺎت اﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ ﺑﻌد ﺗﻘﺳﯾﻣﮭﺎ وﺗﻔﻛﯾﻛﮭﺎ طﺑﻘﺎ ﻟﻣﻘﺎﯾﯾس اﻟﻛﻔﺎءة اﻟﺗﻲ ﯾﺑدﯾﮭﺎ ﻛل ﻋﺎﻣل ﻓﻲ
ﺗﺧ ّﺻﺻﮫ ﺑﺣرﻛﺔ واﺣدة ،وﻣﺎ ﯾؤ ّدي إﻟﯾﮫ ﻛل ذﻟك ﻣن ﺗﺣﻛم ﺣﺳﺎﺑ ّﻲ دﻗﯾﻖ ﻓﻲ زﻣن اﻹﻧﺗﺎج
ﺷوﻛ ّم اﻟﻣﻧﺗوج ،واﻟﺗﻛﻠﻔﺔ وﻗﯾﻣﺔ اﻟوﻓرة وﻣﺎ ﯾﺗرﺗّب ﻋﻧﮭﺎ ﻣن أرﺑﺎح .وﯾﺻﺑﺢ اﻟﻌﻣل ﻓﺿﺎء
ﯾﺷﮭد ﻋﻠﻰ ﻋﻠوﯾّﺔ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ وﻣرﻛزﯾﺗﮭﺎ دون إﯾﻼء اﻷھﻣﯾّﺔ ﻟﻠﻌﺎﻣل وﻗﯾﻣﮫ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ
اﻟﻣﻧﻔﺻل ﻋن أھداف اﻟ ّرﺑﺢ .ﻓﺄوﻗﺎت اﻟﺗرﻓﯾﮫ ﻟن ﺗﻛون إذا ُوﺟدت ﺳوى ﺷﺣﻧﺎت ﯾﺳﺗﻣ ّد ﻣﻧﮭﺎ
اﻟﻌﺎﻣل طﺎﻗﺗﮫ اﻟﻣﺗﺟ ّددة ﻻﺳﺗﺋﻧﺎف اﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ ،وﻛل اﻟﺣواﻓز ﻻ ﺗُﻔﮭم إﻻ ﻛدواﻓﻊ ﺗُر ّﻏب اﻟﻌﺎﻣل
ﻋﻠﻰ ﻣزﯾد ﻣن اﻟﺑذل واﻟﺟﮭد .وھﻧﺎ ﺗﺗوارى اﻟﻌداﻟﺔ ﺑظﮭور ﺟﻣوح اﻟ ّرﻏﺑﺔ ﻓﻲ ﺑﻠوغ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ
اﻟﻣطﻠوﺑﺔ وﯾﺻﺑﺢ اﻟﻣﻌﯾﺎر اﻟوﺣﯾد ﻟﻧﺟﺎح اﻟﻌﻣل ﯾُﻘﺎس ﺑﻣدى ﻣردودﯾﺗﮫ اﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ وﻛ ّم اﻷرﺑﺎح
اﻟﺗﻲ ﯾُﺣﻘﻘﮭﺎ دون اﻛﺗراث ﺑﺎﻟﻘﯾم اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﻌﺎﻣل طﺎﻟﻣﺎ أﻧﮭﺎ ﻟﯾﺳت ﻣن ﻣﺷﻣوﻻت
ﻋﻠم اﻟﺗﺣﻛم ﻓﻲ اﻹﻧﺗﺎج واﻟﺗﺑﺎدل واﻟﺗﺳوﯾﻖ .وھﻧﺎ ﺗﻧﻛﺷف ﺗﺷﯾﺋﺔ اﻟﻌﺎﻣل وﯾﺗﺟﻠّﻰ اﻏﺗراﺑﮫ ﻛﻣﺎ
ﯾو ّﺿﺢ ﻛ ّل ﻣن "آرﻓون" و"ﻣﺎرﻛس".
-اﺳﺗﺛﻣﺎر ﻧص "اﻟﻌﻣل وﺗﺷﯾّؤ اﻹﻧﺳﺎن"" ،ھﻧري آرﻓون" ،ص.70
ﯾُﻌﺎﻟﺞ اﻟﻧص ﻣﺷﻛﻼ ﻋﻣﯾﻘﺎ ﯾﺗّﺻل ﺑﺎرﺗﺑﺎط اﻟﻌﻣل ﺑﺎﻟﻧﻔﻌﯾّﺔ وﺗو ّﺳﻠﮫ ﺑﺎﻟﺗﻘﻧﯾﺔ اﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ ﻟﻣراﻛﻣﺔ
اﻟ ّﺳﻠﻊ اﻟﺗﻲ أﺻﺑﺢ واﻗﻊ اﻟﺗﻘﺎؤﻧﺎ اﻟﻣﻛﺛف ﺑﮭﺎ ﯾُﻐﯾّب ﻟﻘﺎء اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن وﯾُﻣﯾت ﻗﯾم اﻟﺗﻌﺎون
واﻟﺗﻌﺎطف ﺑﯾن اﻟﺑﺷر.وھو ﻧ ّص ﯾﺟﯾﺑﻧﺎ ﻋن اﻹﺷﻛﺎﻟﯾّﺔ اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ :ﻋﻠﻰ أ ّي ﻧﺣو ووﻓﻖ أﯾّﺔ ﺷروط
ﯾﺣﻘﻖ اﻟﻌﻣل ﻗﯾﻣﺗﮫ :ھل ﻣن ﺧﻼل ﺗﺣ ﱡدده ﻛﻔﺿﺎء إﻧﺗﺎﺟ ّﻲ ﺗﻌﺎوﻧ ّﻲ ﺗﺣﻛﻣﮫ ﻗﯾم اﻟﺗﻛﺎﻣل واﻟﻔﻛر
اﻟﺗﺟﻣﯾﻌﻲ ﺑﯾن اﻟﻧﺎس ،أم ﻣن ﺧﻼل ارﺗﺑﺎطﮫ ﺑﺎﻟﻧﻔﻌﯾّﺔ وﻣزﯾد اﻟﺗﮭﺎﻓت ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯾم اﻟﻣﺎد ّﯾﺔ؟ .وإذا
ﻣﺎ اﻋﺗﺑرﻧﺎه ﻣﺟﺎﻻ ﻟﺗﺟﺳﯾد وإﻋﻼء ﻗﯾم اﻹﻧﺗﺎج وﺗﻘ ّطﻊ ﺻﻼت اﻟﺗﻌﺎون واﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ ﺑﯾن
اﻟﺑﺷر ،ﻛﯾف ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ اﻟﺗدﻟﯾل ﻣن ﺧﻼل ذﻟك ﻋﻠﻰ ﺗﺷﯾّؤ اﻹﻧﺳﺎن وﻣوت ﻗﯾﻣﮫ؟ .وأﺧﯾرا ،ھل أﻧﮫ
ﻓﻲ وﺳﻌﻧﺎ اﺳﺗﻌﺎدة ﻗﯾﻣﻧﺎ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ ﻓﻲ ظل واﻗﻊ ﻛﺛﺎﻓﺔ اﻟﺗﮭﺎﻓت ﻋﻠﻰ ﻗﯾم اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ؟.
وﯾﺗﺑﻧّﻰ "ھﻧري آرﻓون" )اﻟﻣﻔﻛر اﻟﻔرﻧﺳﻲ (1992-1914ﻓﻲ ﻧ ّﺻﮫ ﻣوﻗﻔﺎ ﯾُؤ ّﻛد ﻣن ﺧﻼﻟﮫ
ﻋﻠﻰ أ ّن واﻗﻊ اﻟﻌﻣل اﻟذي ﺗﺣﻛﻣﮫ ﻣطﺎﻟب اﻟﻧﻔﻌ ّﯾﺔ وﻣراﻛﻣﺔ اﻹﻧﺗﺎج ،ﯾﻧﺟﺢ ﻓﻲ إﻏراق اﻟﺳوق
ﺑﺎﻟﺳﻠﻊ وﻟﻛﻧﮫ ﯾﻔﺷل ﻛﻠﯾﺎ ﻓﻲ إذﻛﺎء اﻟﺗﻌﺎون واﻟﺗﻌﺎطف واﻟﻠﻘﺎء ﺑﯾن اﻟﻧﺎس .وھو ﻣﺎ ﯾﺳﺗوﺟب
ﺗﻔﻛﯾرا ﺟذرﯾّﺎ ﻓﻲ ﺿرورة إﻗﺎﻣﺔ ﻣوازﻧﺔ ﺑﯾن اﻟﺗﻘ ّدم اﻟﻣﺎدي واﻟﺗﻘ ّدم اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻟﻠﻌﻣل.
ﯾﻘول "آرﻓون"" :ﻟﻘد اﻛﺗﺳﻰ اﻟﻌﻣل ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟﺗﻘﻧﯾﺎت ﺳﻣﺔ ﻧﻔﻌﯾّﺔ ﺑﺎ ّطراد .وإ ّن ﺟﻣﯾﻊ
اﻟﺣﺎﺟﺎت اﻟﯾوﻣﯾّﺔ ﻣن أﺑﺳطﮭﺎ ﺣﺗّﻰ أﺳﻣﺎھﺎ ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟ ّروﺣﯾﺔ ﺗﻠﻘﻰ ﻛﻠﯾّﺎ أو ﺟزﺋﯾّﺎ ﻣﺎ
ﯾُرﺿﯾﮭﺎ ﺑوﺳﺎطﺔ أﺷﯾﺎء ﻣﺻﻧوﻋﺔ" .ﻧﻌم ،ھﻛذا ﯾﺑدو ﻟﻧﺎ اﻟﻌﻣل ﻓﻲ ﻋﺻرﻧﺎ اﻟذي ﺗﺳوده اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ
اﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ واﻟﺗﺑﺎدﻟﯾّﺔ :ﻋﻣل ﯾﺣﻘﻖ اﻟﻣﻧﺎﻓﻊ ﺑﻣﺎ ﯾُوﻓّره ﻟﻧﺎ ﻣن ﻣﻧﺗﺟﺎت ﺗﺑﺗﻐﯾﮭﺎ ﺣﺎﺟﺎﺗﻧﺎ اﻟﻣﺗزاﯾــــدة
-ص-12