Page 9 - باب القيم بين النسبيّ والمطلق:العمل
P. 9
اﻹﻗﺗﺻﺎد اﻟﻔوﺿوي اﻟطوﺑﺎوي.وﻋﻠم اﻹﻗﺗﺻﺎد اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻋﻣوﻣﺎ ھو ﻣﺑﺣث ﻋﻠﻣ ّﻲ ﯾُﻌﻧﻰ
ﺑﻌﻼﻗﺎت اﻹﻧﺗﺎج واﻟﺗﺑﺎدل ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻌﻣل .وﻣﺎ ﺗﺳﺗﻠزﻣﮫ ﺗﻠك اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣن وﻋﻲ وﻓﮭم وﺗﺣدﯾد
ﻟﺿواﺑط إﻧﺗﺎج اﻟﻘﯾم اﻟﺗﺑﺎدﻟﯾّﺔ وﻛﯾﻔﯾّﺔ ﺗوزﯾﻌﮭﺎ وﺗﺑﺎدﻟﮭﺎ واﺳﺗﮭﻼﻛﮭﺎ ،وﻋﻼﻗﺔ ﻛل ذﻟك ﺑﺎﻟﺛروة
ورأس اﻟﻣﺎل وﻛ ّم اﻟﺟﮭد اﻟﻣﺑذول ﻓﻲ اﻟﻌﻣﻠﯾﺎت اﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ وﻣﺎ ﯾﻘﺎﺑﻠﮫ ﻣن أﺟر ﯾﺗﻘﺎﺿﺎه اﻟﻌﻣﻠﺔ.
وﻣﻧذ ﺑداﯾﺔ اﻟﻧص ،ﯾﺻ ّرح "ﺑرودون" ﺑﺄ ّن اﻹﻗﺗﺻﺎد اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ "ﯾﺑﺣث ﻓﻲ إﻧﺗﺎج اﻟﺛروات أو
اﻟﻘﯾم وﺗوزﯾﻌﮭﺎ واﺳﺗﮭﻼﻛﮭﺎ ،وﻟﻛن أﯾّﺔ ﻗﯾم؟ .إﻧﮭﺎ ﻗﯾم أﻧﺗﺟﺗﮭﺎ اﻟ ّﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﺑﺷرﯾّﺔ ،ﺑﻣﻌﻧﻰ
اﻟﺗﺣوﯾﻼت اﻟﺗﻲ ﻓرﺿﮭﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺎ ّدة ﻟﻛﻲ ﯾُط ّوﻋﮭﺎ ﻻﺳﺗﻌﻣﺎﻟﮫ ،ﻓﮭﻲ ﻟﯾﺳت إطﻼﻗﺎ
إﻧﺗﺎﺟﺎت ﻋﻔوﯾّﺔ ﻟﻠطﺑﯾﻌﺔ" .وﻣﻌﻧﻰ ذﻟك ،أ ّن اﻟﻌﻣل ھو اﻹﻧﺗﺎج اﻟذي ﯾﺗﺣﻘّﻖ ﻣن ﺧﻼل اﻟﺻﻧﺎﻋﺔ
ﺑﻣﺎ ھﻲ ﻗدرة ﻋﻠﻰ ﺗﺣوﯾل اﻟﻣﺎ ّدة اﻟطﺑﯾﻌﯾّﺔ إﻟﻰ ﻣﺎدة ﺗﺗ ّم إﻋﺎدة ﺗﺷﻛﯾﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣﺧﺗﻠف
ﻻﺳﺗﻐﻼﻟﮭﺎ وﺗﺑﺎدﻟﮭﺎ واﺳﺗﮭﻼﻛﮭﺎ ﻋﺑر اﺳﺗﺛﻣﺎر اﻟذﻛﺎء اﻟﺑﺷري ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﺳﺗطﯾﻌﮫ ﻣن ﺗﻔﻛﯾك
وﺗرﻛﯾب وإﻋﺎدة ﺗﺷﻛﯾل ﻟﻠﻣﺎدة اﻟطﺑﯾﻌﯾّﺔ .ذﻟك أن اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻻ ﺗﻧﺗﺞ ﺑل ﺗﻌﯾد ذاﺗﮭﺎ ﺑﺷﻛل
ﻣﺗواﺻل "ﻓﺎﻟﺑﺣر دون اﻟﻣﻼّح وﺷﺑﺎﻛﮫ ﻻ ﯾُﻌطﻲ ﺳﻣﻛﺎ ،واﻟﻐﺎﺑﺔ دون اﻟﺣ ّطﺎب وﻓﺄﺳﮫ ﻻ ﺗوﻓّر
ﺣطﺑﺎ ﻟﻠﺗدﻓﺋﺔ ،واﻟﻣرج دون اﻟﺣ ّﺻﺎد ﻻ ﯾُﻌطﻲ ﻋﻠﻔﺎ وﻻ ﻛﻸ .إ ّن اﻟطﺑﯾﻌﺔ ھﻲ ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ ﻣﺎ ّدة
ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻟﻺﺳﺗﻐﻼل واﻹﻧﺗﺎج ،ﻟﻛن اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻻ ﺗُﻧﺗﺞ ﺷﯾﺋﺎ .وھذه اﻟ ُﻣﻧﺗﺟﺎت ھﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﻧﻰ
اﻹﻗﺗﺻﺎدي ﻟﯾﺳت ﺑﻌ ُد ُﻣﻧﺗﺟﺎت ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ اﻹﻧﺳﺎن".
إ ّن اﻹﻧﺗﺎج ﻻ ﯾﺗﺣﻘﻖ ﻓﻌﻠﯾّﺎ إﻻ ﻣن ﺧﻼل ﺗوظﯾف اﻟذﻛﺎء اﻟﺑﺷري واﻷدوات اﻟﺿرورﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗ ّم
اﺑﺗداﻋﮭﺎ ﻣن طرف اﻹﻧﺳﺎن وﺗوﺟﯾﮭﮭﺎ ﻧﺣو اﺳﺗﻐﻼل ﻣﺎدة اﻟطﺑﯾﻌﺔ واﻟﻔﻌل ﻓﯾﮭﺎ .واﻟﺻﻧﺎﻋﺔ
ﺗﺣدﯾدا ھﻲ ھذه اﻟﻘدرة اﻟﺗﻲ ﻟدى اﻟﺑﺷر ﻋﻠﻰ ﺗﺣوﯾل ﻣﺎدة اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﺿﻣن واﻗﻊ اﻟﻌﻣل ﺑﻣﺎ ھو
ﻓﻲ ﺗﻘدﯾر ﻋﻠم اﻹﻗﺗﺻﺎد اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﯾﻣﺛّل ﺗﺄﻟﯾﻔﺎ ﻣﻧظﻣﺎ ﻟﺷروط ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﺗؤ ّدي إﻟﻰ
ﺗﺣﻘﯾﻖ اﻹﻧﺗﺎج ،أھ ّﻣﮭﺎ ﻛ ّم اﻟﺟﮭد اﻟﻣﺑذول وطرﯾﻘﺔ ﺗﺻرﯾﻔﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﻣﻠﯾّﺔ اﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ
اﻷدوات اﻟﺗﻲ ﯾﺗ ّم اﺳﺗﻌﻣﺎﻟﮭﺎ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧب ﻋﺎﻣل اﻟذﻛﺎء اﻹﻧﺗﺎﺟ ّﻲ ورأس اﻟﻣﺎل اﻟﺿروري ﻓﻲ
ﺣﺿور ﻣﺎ ّدة اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﺳﺗﮭدﻓﺔ .ﻓﺎﻟﺟﮭد ﺑﻣﻔرده ﻏﯾر ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻧظم ،ورأس اﻟﻣﺎل
ﻻ ﯾﻧﺗﺞ دون ﺗدﺧل اﻟذﻛﺎء واﻷدوات .ﻟذﻟك ﻧﻘرأ وﻧﻔﮭم ﻣﻐزى ﻋﺑﺎرة "ﺑرودون" ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﻘول:
"إ ّن رؤوس اﻷﻣوال واﻷدوات واﻵﻻت ھﻲ أﯾﺿﺎ ﻏﯾر ﻣﻧﺗﺟﺔ...ﺿﻌوا أدوات وﻣوا ّد أ ّوﻟﯾّﺔ
ﻣﻊ ﺑﻌﺿﮭﺎ اﻟﺑﻌض ،أﻗذﻓوا ﻣﺣراﺛﺎ وﺑذورا ﻋﻠﻰ أرض ﺧﺻﺑﺔ ،أﻗﯾﻣوا ﻣﺳﺑﻛﺎ وأوﻗدوا اﻟﻧﺎر
واﻏﻠﻘوا اﻟ ّدﻛﺎن ،إﻧﻛم ﻻ ﺗﻧﺗﺟون زﯾﺎدة...وأﺧﯾرا إن اﺟﺗﻣﺎع اﻟﻌﻣل ورؤوس اﻷﻣوال ﻋﻠﻰ ﻧﺣو
ﻏﯾر ﻣﻧ ّظم ﻻ ﯾﻧﺗﺟﺎن أﯾﺿﺎ أ ّي ﺷﻲء...إ ّن اﻵﻻت ورؤوس اﻷﻣوال واﻷرض واﻟﻌﻣل ﻣﻌزوﻟﺔ
ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋن ﺑﻌض و ُﻣﺗﺻ ّورة ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣﺟ ّرد ﻟﯾﺳت ﻣﻧﺗﺟﺔ إﻻّ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣﺟﺎز ّي" .وھﻛذا،
ﻓﺗﺄﻟﯾف ھذه اﻟﻌﻧﺎﺻر ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣﻧظم ھو ﻣﺎ ﺑﮫ ﻓﻘط ﯾﺗﺣﻘﻖ اﻹﻧﺗﺎج وﺗﺗ ّم اﻟﺻﻧﺎﻋﺔ وﺗزداد
وﻓرة اﻟﻣﻧﺗوج واﻟﻔﺎﺋدة واﻟﺛروة .واﻧطﻼﻗﺎ ﻣن ﻛل ﻣﺎ ﺗﻘ ّدم ﯾﻣﻛن أن ﻧﺳﺗﺧﻠص أ ّن اﻟﻌﻣل
ﯾﺗراوح ﺑﯾن ﺣﺎﺟﺔ اﻹﻧﺳﺎن إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾﻖ إﻧﺳﺎﻧﯾﺗﮫ ﻋﺑر اﻹﻧﺧراط ﻓﻲ اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ واﻟﻘطﻊ
ﻣﻊ اﻹﻧﺛﻧﺎء ﻋﻠﻰ اﻟذات واﻹﻧﺣدار ﺑﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺗﻣﺎﺛل ﺑﺎﻟﺣﯾواﻧ ّﯾﺔ وھو ﻣﺎ ﯾﻛﺷف ﺑوﺿوح ﻋن
أھﻣﯾّﺔ ﻣطﻠب اﻟﻌداﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﻌدھﺎ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ اﻟﻛوﻧﻲ ﻣن ﺟﮭﺔ ،واﻹﻋﺗراف ﺑﺄ ّن اﻟﻌﻣل ﯾﺧﺿﻊ إﻟﻰ
ﺗﻧظﯾم ﺗﺣﻛﻣﮫ أدوات وﻗواﻋد ﻣﻠزﻣﺔ ﺗﮭدف إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾﻖ اﻟﻣردودﯾّﺔ ﻓﻲ اﻹﻧﺗﺎج واﻟﻧﺟﺎﻋﺔ
-ص-07