Page 6 - باب القيم بين النسبيّ والمطلق:العمل
P. 6
"اﻟﻧﺷﺎط اﻟﺣﯾواﻧﻲ" اﻟذي ﻻ ﯾﻣﺛل ﺳوى اﺳﺗﺋﻧﺎﻓﺎ ﻣﺳﺗرﺳﻼ ورﺗﺑﺎ ﻟﺗﻛرار اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺛﺎﺑﺗﺔ طﺑﻘـــﺎ
ﻟﺿواﺑط اﻟﻐرﯾزة ﻛﻣﺎ ھﻲ ﻣﺑرﻣﺟﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﺣﺗﻣ ّﻲ آﻟ ّﻲ ﻣﻧذ اﻟﺑدء دون ﺗدﺧل ﻟﻣﻘ ّوﻣﺎت
اﻹﺑداع ﻣﮭﻣﺎ ﺑدت ﻟﻧﺎ أﻋﺷﺎش اﻟﻌﺻﺎﻓﯾر ﺟﻣﯾﻠﺔ ،وﻗطﻊ ﺷﮭد اﻟﻧﺣل ﺳداﺳ ّﻲ اﻷﺿﻼع
ﺗﺻﻣﯾﻣﺎت ھﻧدﺳﯾّﺔ ﺗﺑﻌﺛﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟ ّدھﺷﺔ ،وﻣﮭﻣﺎ ارﺗﺳﻣت ﻣﻼﻣﺢ اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﺧﻼّﺑﺔ ﻓﻲ أﻋﯾﻧﻧﺎ.
وﻣن ھذا اﻟﻣﻧطﻠﻖ ﻓﺈن اﻟﻌﻣل ﯾﻌﺑّر ﻋن اﻟﻧوﻋﯾّﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ ﻓﻲ ﻓرادة ذﻛﺎﺋﮭﺎ اﻟﺧﻼّق ﻓﻲ اﺳﺗﻧﺑﺎط
ﻣﻧﺗوﺟﺎﺗﮭﺎ ﺑﻣﺎ ﺗﻔرﺿﮫ ﻣن ﺗﺷﻛﯾل وﺗﻔﻛﯾك وﺗرﻛﯾب وﺗﺣﻠﯾل وﺗوﻟﯾف وﺑﻧﺎء ﻟﻣﺎ ّدة اﻟطﺑﯾﻌﺔ ،وھو
ﻣﺎ ﯾﻠﮭﻣﮭﺎ طﺎﺑﻌﮭﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ وﯾﺟﻠﯾﮫ ﻟﻠﻌﯾﺎن .وھو وﺳﯾﻠﺔ اﻟﻣرء ﻓﻲ ﺗﺣوﯾل ﺗﻠك اﻟﻣﺎ ّدة اﻟطﺑﯾﻌﯾّﺔ
إﻟﻰ آﺛﺎر وﻣﻧﺗوﺟﺎت ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺔ ﺗﺣوﯾل اﻷﺷﺟﺎر إﻟﻰ طﺎوﻻت وﻛراﺳﻲ ،وﺗﺣوﯾل اﻟطﯾن
واﻟﺣﺟﺎرة إﻟﻰ ﺟدران وﻣﻧﺎزل وﻗﺻور ،وﺗﻠك ﺗﺟﻠﯾّﺎت اﻟﺻﻧﺎﻋﺔ واﻧﺑﺛﺎق
ال» « homoﺑﻔﺿل اﻟﻌﻣل .ﺛ ّم إ ّن ﺟدارة اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻛﺗﺳﺎح اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻣن ﺧﻼل اﻟﻌﻣل ،ھﻲ
ﻣﺎ ﺑﮫ ﯾؤ ّﻛد اﻟﻔرد ﻋﺿوﯾﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺟﺳم اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻛﻛﺎﺋن ﯾطﻠب اﻟﻣدﻧﯾّﺔ وﺿﻌًﺎ ﻟذاﺗﮫ وھو
"اﻟﺣﯾوان اﻟﻣدﻧ ّﻲ" ﺑﺎﻣﺗﯾﺎز ﻋﻠﻰ ﺣ ّد ﺗﻌﺑﯾر "أرﺳطو" ،ﻓﯾﺿﻔﻲ ﻋﻠﻰ وﺟوده ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣﺳؤوﻟﯾّﺔ.
وھﻲ ﻣﺎ ﻣن ﺧﻼﻟﮫ ﯾﻘطﻊ ﻣﻊ اﻟﻔراغ اﻟﻣﻣ ّل اﻟﻘﺎﺗل ﻟﯾﺣ ّول وﺟوده إﻟﻰ واﻗﻌﯾّﺔ ﻓﻌل ﻓﻲ ﺷﻛل
واﺟب ﯾﺗرﺟﻣﮫ ﻓﯾﻠﺳوف اﻷﻧوار "ﻛﺎﻧط" ﻓﻲ ﻋﺑﺎرﺗﮫ" :إ ّن اﻹﻧﺳﺎن ھو اﻟﺣﯾوان اﻟوﺣﯾد اﻟذي
ﯾﺟب ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﻌﻣل...واﻹﻧﺳﺎن ﻓﻌﻼ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ أﺷﻐﺎل ،وﺣﺗﻰ إﻟﻰ أﺷﻐﺎل ﺗﺳﺗﻠزم إﻛراھﺎ
ﻣﻌﯾّﻧﺎ .وإﻧﻧﺎ ﻟﻧﺧطﻲء ) (...إن ﺗﺧﯾّﻠﻧﺎ أﻧﮫ ﻟو ﺑﻘﻲ آدم وﺣ ّواء ﻓﻲ اﻟﺟﻧّﺔ ،ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﮭﻣﺎ ﻣن ﻓﻌل
ﺳوى اﻟﺟﻠوس ﻣﻌًﺎ وإﻧﺷﺎد أﻏﺎن رﻋوﯾّﺔ وﺗﺄ ّﻣل ﺟﻣﺎل اﻟطﺑﯾﻌﺔ .ﻓﻠو ﺗﺣﻘﻖ ذﻟك ﻟﻌ ّذﺑﮭﻣﺎ اﻟﻘﻠﻖ،
وﻋ ّذب أﯾﺿﺎ أﻧﺎﺳﺎ آﺧرﯾن ﻓﻲ وﺿﻊ ﻣﻣﺎﺛل" .وھﻲ ﻋﺑﺎرة ﺗﺗﻛﺎﻣل ﻣن ﺣﯾث ﺳﯾﺎق اﻟﺗﺿﻣﯾن
اﻟﻛﺎﻧطﻲ ﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟواﺟب اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻟﻠﻌﻣل واﻟﺳﻣ ّو ﺑﮭذا اﻟﻧﺷﺎط إﻟﻰ ﻣﻧزﻟﺔ اﻟﻘوام اﻟﺟوھري
ﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻔﻌل اﻷﺧﻼﻗﻲ ،ﻣﻊ ﻣﺎ ﯾﻘﺻده اﻟﻣﻔﻛر اﻟﺗﻧوﯾري اﻟﻔرﻧﺳﻲ "ﻓوﻟﺗﺎر" ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﺻ ّرح:
"ﯾﺣ ّررﻧﺎ اﻟﻌﻣل ﻣن ﺛﻼث آﻓﺎت :اﻟﻣﻠل واﻟرذﯾﻠﺔ واﻟﺣﺎﺟﺔ" ،ﻟﯾؤ ّﻛد أن اﻟﻌﻣل ﯾﺧرﺟﻧﺎ ﻣن ﺣﺎﻟﺔ
ﺿﯾﺎع اﻟذات واﺳﺗﺷﻌﺎر اﻟرذﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ أﻟﺣﻘﺗﮭﺎ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺗﺻﻧﯾف اﻷرﺳطﻲ واﻟﻘروﺳطﻲ ﺑﺎﻟﻌﻣل
ﺣﯾﻧﻣﺎ ﻋﻣﻠت ﻋﻠﻰ إﺷﺎﻋﺔ ﺗرذﯾل اﻷﻋﻣﺎل اﻟﺟﺳدﯾّﺔ وإﻋﻼء اﻷﻋﻣﺎل اﻟذھﻧﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺣﻛرا
ﻋﻠﻰ اﻷﺳﯾﺎد اﻟذﯾن ﯾﺳﺗﺄﺛرون وﺣدھم ﺑﺄﻟﻘﺎب اﻟﺟﺎه واﻟﺷرف .وھو ﻣﺎ ﺑﮫ ﯾﺗﺧ ّطﻰ اﻹﻧﺳﺎن ﻋﺗﺑﺔ
اﻟﺑؤس واﻟﺗﺑﻌﯾّﺔ واﻟﻌﺟز ﻣﺛﻠﻣﺎ ﻧﺑّﮫ إﻟﻰ ذﻟك "ﺟون ﺟﺎك روﺳو" ﺣﯾن ﻗﺎل" :إ ّن اﻟوﺳﯾﻠﺔ اﻷﻛﺛر
ﺿﻣﺎﻧﺎ ﻛﻲ ﺗﺟﻌﻠوا وﻟدﻛم ﺑﺎﺋﺳﺎ ،ھﻲ أن ﺗﻌ ّودوه ﻋﻠﻰ أن ﯾﺣﺻل ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء".
إ ّن ذﻟك ھو ﺑﻌض ﻣن ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻌﻣل اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗدﻋﻲ ﻣﻌﺎن أﺧرى ﺗﺗﻛﺎﻣل ﻣﻌﮭﺎ وﺗﺗﺻل ﺑﺎﻧﺗظﺎم
ھذا اﻟﻧﺷﺎط اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﺑﻣﻘ ّوﻣﺎت اﻟﺿواﺑط اﻹﻗﺗﺻﺎدﯾّﺔ اﻟﺿرورﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺗﻛم ﻟﻧﺟﺎﻋﺔ اﻟﻔﻌل
اﻹﻧﺗﺎﺟﻲ اﻟذي ﯾﺣﻘﻖ اﻟﻣردودﯾّﺔ وﯾﺣﯾل ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟ ّرﺑﺢ وﺗﻛدﯾس اﻟﺳﻠﻊ .وھو ﻣﺎ ﯾﺳﺗﻠـــــزم
-ص – 04