Page 8 - باب القيم بين النسبيّ والمطلق:العمل
P. 8
ﺑﺧﺻوﺻﮭﻣﺎ ﺗﻛون واﺿﺣﺔ ﻻ ﺗﺷوﺑﮭﺎ ﺷواﺋب .ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﻠﻌب ﯾﮭدف إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾﻖ اﻟﻣﺗﻌﺔ ،ﻓﺈن
اﻟﻌﻣل ﯾﮭدف إﻟﻰ ﻏﺎﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻛ ّل اﻹﺧﺗﻼف .وإذا ﻛﺎن اﻟﻠﻌب ﺗﺧﺗ ّص ﺑﮫ ﺷراﺋﺢ اﻷطﻔﺎل
اﻟذﯾن ﯾﺗ ّم ﺗﻌﻠﯾﻣﮭم ﺗﻣﯾﯾزه ﻋن اﻟﻌﻣل ،ﻓﺈﻧّﮫ ﯾﻛون ﻣن واﺟب اﻟ ّر ّﺷد أن ﯾﺑﻠﻐوا ﺑﻣﺳؤوﻟﯾﺗﮭم ﻓﻲ
ﻓﻘﮫ ﺧﺻﺎﺋص اﻟﻌﻣل إﻟﻰ أن ﻻ ﯾﺣ ّوﻟوه إﻟﻰ ﻣﻣﺎرﺳﺔ ﻋﺑﺛﯾّﺔ ﻻ ﯾﺣﺗﻛﻣون ﻓﯾﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺳؤوﻟﯾّﺔ
إﻧﺟﺎز واﺟﺑﺎﺗﮭم اﻟﺗﻲ ﻣن أﺟﻠﮭﺎ ﯾﺳ ّﺧرون أﻧﻔﺳﮭم ﻟﻠﻘﯾﺎم ﺑﺄﻋﻣﺎﻟﮭم ،وأن ﯾﻘﻠﻌوا ﻋن إﺿﺎﻋﺔ
أوﻗﺎﺗﮭم ﻓﻲ ﻣﺎ ﻻ ﯾﻧﺗﺞ ﺧﯾراﺗﮭم وﺧﯾرات ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﮭم ،ﻓﯾرﺗﻘون ﺑﺄﻧﻔﺳﮭم ﻧﺣو ﻣﺎ ﯾﺧ ّﻠﺻﮭم وإﻟﻰ
اﻷﺑد ﻣن اﻟﺿﯾﺎع واﻟﺗواﻛل واﻹﻏراق ﻓﻲ طﻔوﻟﺔ ﻟﻌب أﺑدﯾّﺔ ﺗﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ ﻣﮭ ّﻣﺔ اﻟ ّر ّﺷد اﻟﻌﻘﻼء.
وھو ﻣﺎ ﯾﺟﻌل "ﻛﺎﻧط" ﯾﻣﺗﻌض ﻣن ﻣﻣﺎرﺳﺎت اﻟﺗﺻﺎﺑﻲ واﻹﺳﺗﮭﺗﺎر ﺑﺎﻟﻣﺳؤوﻟﯾّﺔ ﻗﺎﺋﻼ" :إﻧﮫ
ﻷﻣر ﺷﺎ ّذ أن ﻧرى أﻧﺎﺳﺎ ﻋﻘﻼء ﯾﺟﻠﺳون ﻟﺳﺎﻋﺎت طوﯾﻠﺔ ﻓﻲ ﻟﻌب اﻟورق .وﻣن ﺛ ّﻣﺔ ﻧدرك أ ّن
اﻟﺑﺷر ﻻ ﯾﺗوﻗّﻔون ﺑﻣﻧﺗﮭﻰ اﻟﺳﮭوﻟﺔ ﻋن أن ﯾﻛوﻧوا أطﻔﺎﻻ" .ﺛ ّم ﯾﺿﯾف ﻣؤ ّﻛدا ﻋﻠﻰ أھﻣﯾّﺔ اﻟﻌﻣل
وﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑواﺟب اﻟﻣﺳؤوﻟﯾّﺔ" :ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن ھو اﻟﺣﯾوان اﻟوﺣﯾد اﻟذي ﯾﺟب ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﻌﻣل" .ﺛ ّم
ﯾﺧﻠص إﻟﻰ اﺳﺗﺣﺿﺎر ﻣﻔﺎرﻗﺔ ﯾﻛﺷف ﻣن ﺧﻼﻟﮭﺎ اﻓﺗﻘﺎد اﻟﺣﯾﺎة ﻟﻣﻌﻧﺎھﺎ ﻓﻲ ﻏﯾﺎب اﻟﺟﮭد اﻟذي
ﯾﺗﻛﻔل ﺑﮫ اﻹﻧﺳﺎن ﻟﺗﺣﻘﯾﻖ اﻹﻧﺗﺎج اﻟﮭﺎدف ﺿﻣن ﺗﻛرﯾس اﻟﻌﻣل اﻟذي ﯾﺧﻠﺻﻧﺎ ﻣن ﻋﺑﺛﯾّﺔ
اﻟوﺟود ورﺗﺎﺑﺗﮫ وﺛﻘﻠﮫ وﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣدﺛﮫ ﻣن ﺷﻌور ﺑﺎﻟﻣﻠل واﻟﺿﺟر اﻟﻘﺎﺗل ،وذﻟك ﻣن ﺧﻼل
اﺳﺗﺣﺿﺎر ﻗ ّﺻﺔ اﻟﺑدء ﻓﻲ ﻧﺻوص اﻷدﯾﺎن :ﻗ ّﺻﺔ آدم وﺣ ّواء اﻟﻠذان ﺗ ّم طردھﻣﺎ ﻣن اﻟﺟﻧّﺔ.
ﻣﻌﺗﺑرا أن ﻣﻛوﺛﮭﻣﺎ ﺑﮭﺎ واﻛﺗﻔﺎءھﻣﺎ ﺑﺈﻧﺷﺎد "اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟ ّرﻋوﯾﺔ" داﺧﻠﮭﺎ ﻛﺎن ﻣن ﺷﺄﻧﮫ أن ﯾﺣ ّول
ﺣﯾﺎﺗﮭﻣﺎ إﻟﻰ ﻋذاب ﻗﺎﺗل وﺳﻛون ﻗﺎﺗم وﺿﺟر ﻻ ﯾﺣﺗﻣل ﺗﺣ ّﻣﻠﮫ.
وﻓﻲ ﻛ ّل ﻣﺎ ﻗ ّدﻣﺗﮫ اﻟﻛﺎﻧطﯾّﺔ ﻣن ﺧﻼل ھذا اﻟﻧص ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ اﺳﺗﺧﻼص ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻣﻛﺎﺳب
اﻟﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ أھ ّﻣﮭﺎ ،ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺣﻰ اﻷﻧﺗرﺑوﻟوﺟﻲ أ ّن اﻹﻧﺳﺎن ﻛﺎﺋن ﻋﻣل ،وأ ّن اﻟﻌﻣل ﻓﻲ ﺻﻣﯾم
واﻗﻌﯾّﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﺗرﺑﯾﺔ .ذﻟك أن اﻹﻧﺳﺎن ﻻ ﯾﻘﻠﻊ ﻋن اﻟﺣﯾواﻧﯾّﺔ إﻻ ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﺗﻣﺛل اﻟﻌﻣل ﻣﺳﻠﻛﺎ
ﻧﺣو ﺗﺣﻘﯾﻖ آدﻣﯾﺗﮫ ﺑﻣﺎ ھﻲ آدﻣﯾّﺔ ﻣدﻧﯾّﺔ ﺗﺗﻛﻔل ﺑواﺟب اﻹﺳﮭﺎم ﻓﻲ إﻧﺗﺎج اﻟﺧﯾرات اﻟﺧﺎ ّﺻﺔ
واﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ ﻓردﯾّﺔ ﻛﺎﻧت أم اﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ .وھو ﻣﺎ ﯾﺧﻠّص اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ ﻣن اﻟﺿﯾﺎع واﻟﻣﻠل اﻟﻧﻔﺳﻲ
وﯾﻌطﻲ ﻟوﺟوده ﻣﻌﻧﻰ ودﻻﻟﺔ .وأ ّن اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﻣﻧﺎﺑﻊ وﻣﺻﺎدر ﺗرﺑوﯾّﺔ ﺗُﻠﮭﻣﻧﺎ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟواﺟب
اﻷﺧﻼﻗﻲ داﺧل ﻣﻧظوﻣﺔ اﻟﻌﻣل وﺗﺧﻠﺻﻧﺎ ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﺗﻔﺎﺿل اﻟﺗراﺗﺑﻲ اﻷﻧطوﻟوﺟﻲ اﻟذي
ﺣ ّددﺗﮫ اﻷرﺳطﯾّﺔ وﻏذّﺗﮫ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻘرون اﻟوﺳطﻰ ﺣﯾﻧﻣﺎ ﻣﯾّزت ﺑﯾن أﻋﻣﺎل اﻟذھن وأﻋﻣﺎل اﻟﺟﺳد
وﺣﻣﻠت أﻋﻣﺎل اﻟذھن ﻋﻠﻰ ﻣﺣﻣل اﻟﻧﺑل واﻟﺷرف ،وأﻋﻣﺎل اﻟﺟﺳد ﻋﻠﻰ ﻣﺣﻣل اﻟﺷﻘﺎء
واﻟوﺿﺎﻋﺔ .وھو ﻣﺎ ﯾﺗﻛﺎﻣل ﻓﯾﮫ اﻟﻣﻧﺣﻰ اﻟﻧﻔﺳﻲ واﻷﻧطوﻟوﺟﻲ واﻹﯾﺗﯾﻘﻲ ،ﺣﯾث ﯾﺻﺑﺢ اﻟﻌﻣل
ﺣﻘﺎ ﯾﺗﻣﺎﺛل ﻓﯾﮫ اﻟﺟﻣﯾﻊ ،وﯾﺻﺑﺢ اﻟوﺟود أﺛرا ﻟﻣﺎ ﻧﻧﺟزه.
***إﺳﺗﺛﻣﺎر ﻧص "ﺑﯾﺎر ﺟوزاف ﺑرودون"" ،اﻟﻌﻣل ﺧﺎﻟﻖ اﻟﻘﯾﻣﺔ" ،ص.30
ﯾﺗﻣﺣور ﻧص ھذا اﻟﻣﻔ ّﻛر ،ﻋﺎﻟم اﻹﻗﺗﺻﺎد اﻟﻔوﺿوي اﻟطوﺑﺎوي وﻋﺎﻟم اﻹﺟﺗﻣﺎع اﻟﻔرﻧﺳﻲ
) ،(1865-1809ﺣول ﻣﺷﻛل أھﻣﯾّﺔ اﻟﻌﻣل وﻋﻼﻗﺗﮫ ﺑﺎﻟﺻﻧﺎﻋﺔ ،وأھداﻓﮫ اﻹﻗﺗﺻﺎدﯾّﺔ
واﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ .وھو ﻧ ّص ﯾداﻓﻊ ﻓﯾﮫ "ﺑرودون" ﻋن ﻣوﻗف ﯾؤ ّﻛدﻣن ﺧﻼﻟﮫ أن اﻟﺻﻧﺎﻋﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ
ھﻲ اﻟوﺳﯾط اﻟذي ﺑﮫ ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻹﻧﺳﺎن ﺗﺣوﯾل اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻣن ﺧﻼل ﺗوﻓﯾر ﻣﻧﺗوﺟﺎت ﯾﻣﻛن ﺗﺑﺎدﻟﮭﺎ
واﺳﺗﮭﻼﻛﮭﺎ وﺗﺣدﯾد ﻗﯾﻣﺗﮭﺎ طﺑﻘﺎ ﻟﻣﻘﺗﺿﯾﺎت اﻟﺳوق .وھو ﻣوﻗف ﯾﺗﻧزل ﺿﻣن رؤﯾﺔ ﻋﻠم
-ص-06