Page 11 - باب القيم بين النسبيّ والمطلق:العمل
P. 11
-2أزﻣﺔ اﻟﻌﻣل ﻣن ﺧﻼل اﺧﺗﻼل ﻣوازﻧﺔ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ واﻟﻌداﻟﺔ وﻛﯾﻔﯾّﺔ ﻣﺟﺎوزﺗﮭﺎ.
ﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﺗﻘ ّدم ﺗوﺿﯾﺣﮫ ،اﻧﺗﮭﯾﻧﺎ إﻟﻰ إدراك أن اﻟﻌﻣل ﯾﻔﺗرض ﺗﻛﺎﻣﻼ ﺣﻘﯾﻘﯾّﺎ ﺑﯾن ﻣﺎ ﯾطﻣﺢ
إﻟﯾﮫ ﻣن ﺗﺟﺳﯾد ﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺗﻧﺎ ﻓﻲ أﺑﻌﺎدھﺎ اﻷﻧطوﻟوﺟﯾّﺔ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ واﻟﺗﺎرﯾﺧﯾّﺔ ،وﻣﺎ ﯾﮭدف إﻟﯾﮫ ﻣن
ﻗدرة ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻐﻼل اﻟﻣﺎدة اﻟطﺑﯾﻌﯾّﺔ ﻋﺑر ﺗﺣوﯾﻠﮭﺎ ﻣن ﺧﻼل اﻟﺻﻧﺎﻋﺔ وﺗﺑﺎدﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺷﻛل ﺑﺿﺎﺋﻊ
ﻟﻺﺳﺗﮭﻼك ﺗﺣﻘﯾﻘﺎ ﻟﻠﻣﻧﻔﻌﺔ واﻟ ّرﺑﺢ .وذﻟك ھو ﻣﺎ ﻣن ﺧﻼﻟﮫ ﻧﻧﺗﺑﮫ إﻟﻰ ﺧطورة اﻟﺗﺻ ّورات
اﻹﺧﺗزاﻟﯾّﺔ اﻷﺣﺎدﯾّﺔ اﻟﻼّواﻗﻌﯾّﺔ ،ﺣﯾﻧﻣﺎ ﺗﺗﺣ ّول إﻟﻰ ﺗﺻ ّورات ﺗﻛﺗﻔﻲ ﺑﺗﺳوﯾﻖ دﻻﻟﺔ اﻟﻌﻣل ﺿﻣن
ﺑﻌد ﻣن اﻟﺑﻌدﯾن دون اﻵﺧر ،ﻣﻌﺗﺑرة أ ّن اﻟﺑﻌد اﻟﺛﺎﻧﻲ ھو ﻣﺟ ّرد ﻋرض ﺗﺧﺗﻔﻲ ﻛﺛﺎﻓﺔ ﻣدﻟوﻟﮫ
ﺑﻣﺟ ّرد ﺣﺿور اﻟﺗدﻟﯾل ﻋﻠﻰ أھﻣﯾّﺔ اﻟﺑﻌد اﻟذي ﺗﮭدف إﻟﻰ إﻋﻼءه :ﻧﺟﺎﻋﺔ ﻛﺎﻧت أم ﻋداﻟﺔ.
وﻛﻧﺗﯾﺟﺔ ﻣﻧطﻘﯾّﺔ ﻟﮭذا اﻟﻔﮭم اﻟﻣﺗوازن ،ﺗﺣدث أزﻣﺔ اﻟﻌﻣل ﺿرورة ﺑﺎﺧﺗﻼل ﻣوازﻧﺔ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ
واﻟﻌداﻟﺔ واﻧﺧرام ﺳﺑل اﻧﺳﺟﺎﻣﮭﺎ ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻛﺑﻌدﯾن ﻣﺗﻛﺎﻣﻠﯾن .ﻓﻣﺎ اﻟذي ﯾوﻗﻊ اﻟﻌﻣل واﻟﻌﺎﻣل ﻓﻲ
اﺧﺗﻼل ﺗﻠك اﻟﻣوازﻧﺔ؟ .وإذا ﻣﺎ اﻋﺗﺑرﻧﺎ ﻧظم اﻹﻗﺗﺻﺎد اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ أھ ّم ﻣﺳﺑﺑﺎت ذﻟك اﻹﻧﺧرام
اﻟﻣؤ ّدي إﻟﻰ أزﻣﺔ اﻟﺧﻠل ،طﺑﻘﺎ ﻷﯾّﺔ ﺷروط ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﺄﻣل ﻓﻲ إﻋﺎدة ﺻﯾﺎﻏﺔ ﺗﻠك اﻟﻣوازﻧﺔ
ﺣﺗﻰ ﻧﺿﻣن اﺳﺗﻌﺎدة اﻟﺗﻛﺎﻣل اﻟﻣﻧﺷود ،ﻓﻧﻌﯾد ﺑذﻟك ﻟﻠﻌﻣل رھﺎﻧﺎﺗﮫ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ واﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ،
وﻟﻺﻧﺳﺎن ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻌداﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﮭ ّددھﺎ اﻟﺗﻔﻧّن ﻓﻲ ﺗﻐﻠﯾب ﻗﯾم اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ واﻟرﺑﺢ واﻟﻣردودﯾّﺔ؟.
أ-أزﻣﺔ اﻟﻌﻣل ﻓﻲ اﺧﺗﻼل ﻣوازﻧﺔ اﻟﻧﺟﺎﻋﺔ واﻟﻌداﻟﺔ:
ﺑﻣﺎ أ ّن اﻟﺑﺣث ﻋن ﺗطوﯾﻊ ﻣﺎ ّدة اﻟطﺑﯾﻌﺔ واﺳﺗﻐﻼﻟﮭﺎ ﻗدراﻹﻣﻛﺎن ،ﺳﯾﻣﺛل وﺟﮭﺔ ﯾﻧﺗﮭﺟﮭﺎ
اﻹﻧﺳﺎن طﻠﺑﺎ ﻟﺑﺳط اﻟﻧﻔوذ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻣﮫ اﻟطﺑﯾﻌﻲ ،وﻧُﺷدان اﻟرﻓﺎه واﻟﺛروة ،ﻓﺈ ّن اﻟﺗو ّﺳل
ﺑﺎﻟوﺳﺎﺋط اﻟﻌﻠﻣﯾّﺔ اﻟﺻﻧﺎﻋﯾّﺔ واﻟﺗﻘﻧﯾّﺔ ،وﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺗﺣ ّﻛم ﻓﻲ اﻹﻧﺗﺎج واﻟﺗﺑﺎدل ﺳﺗﺟﻌل ﻣن ﻋﻠم
اﻹﻗﺗﺻﺎد اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﯾﺗرﺑّﻊ ﻋﻠﻰ ﻋرش اھﺗﻣﺎﻣﺎت اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺳﺗُﺑدي اﺳﺗﻌدادات ﻣﻧﻘطﻌﺔ
اﻟﻧظﯾر وﺗﺿﺣﯾﺎت ﺿﺧﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟذﻛﺎء اﻟﻌﻠﻣﻲ واﻟﺗﻘﻧﻲ ﻟﻐزو أدﯾم ھذه اﻟرﻏﺑﺔ
ﻹﺷﺑﺎﻋﮭﺎ ،واﻟﻘطﻊ ﻧﮭﺎﺋﯾﺎ ﻣﻊ أﺷﻛﺎل اﻹﻧﺗﺎج ﻏﯾر اﻟﻣﻧظم .وﻟﻌ ّل ذﻟك ﻣﺎ ﻧﻛﺷف ﻋن إرھﺎﺻﺎﺗﮫ
اﻷوﻟﻰ ﻣﻊ ﻋﻠﻣﺎء اﻹﻗﺗﺻﺎد اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﯾن اﻟﻔوﺿوﯾﯾن اﻟذﯾن ﯾﻣﺛل "ﺟوزاف ﺑرودون" أﺣدھم.
وﻗد ﺳﺑﻖ وأن ﻋﺛرﻧﺎ ﻟدﯾﮫ ﻋﻠﻰ ﺗو ّﺟﮫ إﻗﺗﺻﺎد ّي ﯾﻧﺎدي ﺑﺿرورة إﯾﺟﺎد "اﺟﺗﻣﺎع ﻣﻧظم ﻟﻠﻌﻣل
ورؤوس اﻷﻣوال" ﺣﺗﻰ ﯾﺗﺣﻘﻖ اﻹﻧﺗﺎج طﺎﻟﻣﺎ أ ّن "اﻵﻻت ورؤوس اﻷﻣوال واﻷرض واﻟﻌﻣل
ﻣﻌزوﻟﺔ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋن ﺑﻌض ،وﻣﺗﺻ ّورة ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣﺟ ّرد ﻟﯾﺳت ﻣﻧﺗﺟﺔ إﻻ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣﺟﺎز ّي"
ﻛﻣﺎ ﯾﻘول .وﻣن ذﻟك اﻟﻣﻧطﻠﻖ ﻓﺈ ّن اﻟﻌﻣل ﺳﯾﺗﺣ ّول إﻟﻰ ﻧﺷﺎط وﺟﮭد "ﺧﺎﻟﻖ ﻟﻠﻘﯾﻣﺔ" .وﻟﻛن أﯾّﺔ
ﻗﯾﻣﺔ ﺗﻠك؟ ،وﻣﺎ ھﻲ ﻣﻌﺎﯾﯾر ﺗﺣدﯾدھﺎ وﺿﺑطﮭﺎ ﻋﻠﻣﯾّﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣوﺿوﻋ ّﻲ؟.
إ ّن اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗﮭدﻓﮭﺎ اﻟﻌﻣل ﺑﺎﻟﺧﻠﻖ ﺑﻌد أن ﻟم ﺗﻛن ،ھﻲ اﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﻣﻧﺗﺟﺔ ،ﺑﻣﺎ ھﻲ ﻗﯾﻣﺔ اﻟﺳﻠﻊ
اﻟﺗﻲ ﯾﺗ ّم إﻧﺗﺎﺟﮭﺎ وﺗﺑﺎدﻟﮭﺎ .وﻗد ﺣرص ﻋﻠم اﻹﻗﺗﺻﺎد اﻟﻠﯾﺑراﻟﻲ اﻟذي ﯾﻣﺛل اﻹﻧﻘﻠﯾزي "داﻓﯾد
رﯾﻛﺎردو" ) ،(1823-1772واﻟﺳﻛوﺗﻼﻧدي "آدام ﺳﻣﯾث" ) (1790-1723أﺑرز أﻋﻼﻣﮫ
وﻣﻔ ّﻛرﯾﮫ .وﻗد ﺣ ّدد "داﻓﯾد رﯾﻛﺎردو" ﻣﻌﺎﯾﯾر وﺿواﺑط ﺛﻼﺛﺔ أﺳﺎﺳﯾّﺔ ﻟﻠﻘﯾم اﻟﻣﻧﺗﺟﺔ وھﻲ:
-ص-09