Page 15 - باب القيم بين النسبيّ والمطلق:العمل
P. 15
ﻓﻲ ﺗﺳﺎوﻗﮭﺎ ﻣﻊ ﺗط ّور ﻧﺳﻖ اﻟﻣطﺎﻟب ،ﺣﺗﻰ أﻧﻧﺎ ﻧذھــــــب إﻟﻰ اﻹﻋﺗﻘﺎد ﻛﺛﯾرا ﻣن اﻷﺣﯾﺎن ﺑﺄن
اﻟﻌﻣل ﺑﻣﻧﺗوﺟﺎﺗﮫ اﻟﻣﺗﻌ ّددة ﯾُرﺿﻲ ﺣﺎﺟﺎﺗﻧﺎ اﻟروﺣﯾّﺔ واﻟوﺟداﻧﯾّﺔ ﻧﺎھﯾك ﻋن ﺑﻘﯾﺔ اﻟﺣﺎﺟﺎت
اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ واﻹﺳﺗﮭﻼﻛﯾّﺔ .وﻟﻌ ّل ذﻟك ھو ﻣﺎ ﯾﺟﻌﻠﻧﺎ ﻧﺳﺗﺧﻠص ﻓورﯾّﺎ وﻟﻠوھﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ،أن اﻟﻌﻣل
ﯾﺟ ّﺳد ھذا اﻟﺗﻛﺎﻓل اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ اﻟﻣﻧﻘطﻊ اﻟﻧظﯾر ﺑﯾن ﻛﺎﻓﺔ أﻓراد اﻟﻧوع اﻟﺑﺷري ﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﯾوﻓّره
ﻟﻧﺎ ﻣن ﺿﺧﺎﻣﺔ وﺗﻧ ّوع ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺗوج ﯾﻌﻛس اﻟﺗﺿﺣﯾﺔ واﻟﺟﮭد اﻟﻠذان ﺑذﻟﮭﻣﺎ اﻟﻌ ّﻣﺎل ﻓﻲ ﻛل
اﻟﻣواﻗﻊ واﻹﺧﺗﺻﺎﺻﺎت ﻟﺗﺣﻘﯾﻖ ﺗﻠﺑﯾﺔ ﺣﺎﺟﺎﺗﻧﺎ اﻟﻣﺗزاﯾدة .وﻟﻛن ،ھل أﻧّﮫ ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﻧﺎ ﻓﻌﻼ أن
ﻧﻧﺗﺷﻲ ﺑذﻟك اﻹﻋﺗﻘﺎد اﻟذي ﯾﻧﺗﺎﺑﻧﺎ أﺣﯾﺎﻧﺎ؟ .وھل أ ّن ﻛﺛرة اﻟﺳﻠﻊ اﻟﺗﻲ ﺗُﻐ ّطﻲ ﺣﺎﺟﺎﺗﻧﺎ ﺳﺗﺟﻌﻠﻧﺎ
ﻓﻌﻼ ﻧﻠﺗﻘﻲ ﺑﻌﺿﻧﺎ اﻟﺑﻌض داﺧل ﻣﺟﺎل اﻹﻗﺗﻧﺎء واﻹﺳﺗﮭﻼك ﻟﻠﺳﻠﻊ ،أم أ ّن ﻛﺛﺎﻓﺔ اﻟﻣﻧﺗوج
وﺗد ّﺧل اﻟﺑﻌد اﻟﺗﻘﻧﻲ ﺳﯾﺣﺟﺑﺎن ﻋﻧّﺎ ﻛل إﻣﻛﺎﻧﯾّﺔ ﻟﻺﻟﺗﻘﺎء واﻟﺷﻌور ﺑﺗﻛﺎﻓﻠﻧﺎ ﺑﻌﺿﻧﺎ ﻣﻊ ﺑﻌض؟.
أﻻ ﯾﺑدو أ ّن اﻟﺗﮭﺎﻓت ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺗوﺟﺎت واﻹﻧﺑﮭﺎر ﺑﻣﺎ ﺗﻌدﻧﺎ ﺑﮫ ﺗﻠك اﻟﺳﻠﻊ اﻟﻣﻌروﺿﺔ ﻣن رﻓﺎه
ﺻﺎرا ﯾﺳﺗﺑﻌدان ﻋن ﺗﻔﻛﯾرﻧﺎ اﺳﺗﺣﺿﺎر ﺻورة اﻟﻌ ّﻣﺎل وھم ﯾﺑذﻟون ﻗﺻﺎرى اﻟﺟﮭد ﻟﺗﻣﺗﯾﻌﻧﺎ
ﺑﺗﻠك اﻟﻣﻧﺗوﺟﺎت؟ .وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ،أﻟم ﯾﺗﺣ ّول ﻋﺎﻟم اﻟﺳوق إﻟﻰ ﻣﺟ ّرد ﻋﺎﻟم إﺳﺗﻌراﺿ ّﻲ ﻟﻠﺑﺿﺎﺋﻊ
ﯾﺗوارى داﺧﻠﮫ ﻛ ّم اﻟﺟﮭد اﻟذي ﺑذﻟﮫ اﻟﻣﻧﺗﺟون ،وﻣﻌﺎﻧﺎﺗﮭم ﺧﻼل اﻟﻌﻣﻠﯾﺎت اﻹﻧﺗﺎﺟﯾّﺔ؟.
إ ّن "اﻟﺗﻧظﯾم اﻹﻗﺗﺻﺎدي –ﻛﻣﺎ ﯾﻘول ﺻﺎﺣب اﻟﻧص -وﻗد اﺑﺗُﻠﻲ ﺑﺎﻟﺿﺧﺎﻣﺔ ،ﯾﺳﺑﻎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣل
ﻣظﮭرا ﻣﺟ ّردا" .وﻋوض أن ﯾﺟﻌﻠﻧﺎ ﻧﺳﺗﺣﺿر ﻣﻧزﻟﺔ اﻟﻌﺎﻣل اﻟﻣﻧﺗﺞ ،ﻧﻛﺗﻔﻲ ﺑﻐُﻧم اﻟ ّﺳﻠﻊ ﻛﻣﺎ ﻟو
أﻧﮭﺎ ُوﺟدت ﺑذاﺗﮭﺎ وﻟم ﺗوﺟد ﺑﻔﻌل ﻗﮭر اﻟﻌﺎﻣل واﺳﺗﻧزاﻓﮫ داﺧل ﻣﺟﺎل اﻟﻌﻣل" ،ﻓﺗﻔﻘد اﻷﺷﯾﺎء
ﺳﻣﺗﮭﺎ ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻣن ﺻﻧﻊ إﻧﺳﺎﻧ ّﻲ وﺗﺑدو ﻟﻧﺎ ﻓﻲ ﺣﻠّﺔ ﻏﻔّل...وﻧﺣن إذ ﻧدﻓﻊ ﻣﻘﺎﺑل ﺷﻲء ﻣن
اﻷﺷﯾﺎء ﺛﻣﻧﺎ ﯾُﺣ ّدده ﻗﺎﻧون اﻟﻌرض واﻟطﻠب ،ﻻ ﻧﻛﺎد ﻧﺷﻌر ﺑﺣﺎدث أ ّن اﻟ ّﺷراء أو اﻟﺑﯾﻊ
ﯾﺟﻌﻼﻧﻧﺎ ﻧﺳﮭم ﻓﻲ ﺗﺑﺎدل اﻟﺧدﻣﺎت اﻟﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو أﻋظم ﺑﺎ ّطراد" .وﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻧﺣو ﺗﺻﺑﺢ
اﻟﺳﻠﻌﺔ "ﺷﯾﺋﺎ ﺻﺎﻣﺗﺎ ﻻ ﯾﺣﻣل إﻟﯾﻧﺎ ﻣﺑﺎﺷرة ﺗﺣﯾّﺔ اﻵﺧرﯾن وﻻ اﻟﺗﻌﺎطف وﺗﺄﻛﯾد اﻟﺻﻼت
اﻟوﺛﯾﻘﺔ" .ﻓﯾﺗﺧذ اﻟﻌﻣل ﻣدﻟوﻻ ﻣﺧﺗﻠﻔﺎ ﻋن دﻻﻟﺗﮫ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ وﯾُﺻﺑﺢ "ﺣﻘﻼ ﻣﻐﻠﻘﺎ ﺗﺗﺻﺎرع ﻓﯾﮫ
ﻗوى ﻣﺗﺧﺎﺻﻣﺔ .ﻓﺎﻟﻧظﺎم اﻹﺟﺗﻣﺎﻋ ّﻲ )اﻟﺗﻘﻧ ّﻲ اﻹﻗﺗﺻﺎد ّي ﻟﻠﻌﻣل( ،وﻗد ُﻋﮭد ﺑﮫ إﻟﻰ ﻗُوى ﻻ
إﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ وﻣﯾﻛﺎﻧﯾﻛﯾّﺔ ،ﻻ ﯾﻛﺎد ﯾﻌﻛس ھذا اﻟﻠﻘﺎء اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ" ﻣطﻠﻘﺎ ،وﻻ ﯾﻛﺎد ﯾﻌﯾ ُدﻧﺎ
إﻟﻰ إﻧﺳﺎﻧﯾﺗﻧﺎ اﻟﺗﻲ ﺗﺣ ّوﻟت إﻟﻰ ﻣﺟ ّرد طﺎﻗﺔ ﻣﻧﺗﺟﺔ ﻟﻠﺑﺿﺎﺋﻊ ،ورﻏﺑﺔ إﺳﺗﮭﻼﻛﯾّﺔ ﺟﺎﻣﺣﺔ ﻟﻺﻗﺗﻧﺎء
ﺑﺣﺛﺎ ﻋن اﻟﺳﻌﺎدة اﻹﺳﺗﮭﻼﻛﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﻠورﺗﮭﺎ وﻋود اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ وﺗداﺑﯾر اﻟﻣﺗﺣ ّﻛﻣﯾن ﻓﻲ ﺻﻧﺎﻋﺔ
أوھﺎم اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﻌﺎﺻر :ﻛﺎﺋن اﻹﺳﺗﮭﻼك وﻛﺎﺋن "اﻟﺑﻌد اﻟواﺣد" ﻋﻠﻰ ﺣ ّد ﺗﻌﺑﯾر "ﻣﺎرﻛوز".
ذﻟك أن "اﻟﺗﻘﻧﯾﺔ ﺗُﺿﻣر ﻓﻲ أﺣﺷﺎﺋﮭﺎ وﻋدا ﺑﻌﺎﻟم أﻓﺿل ﯾو ّﺳﻌﮫ اﻟﺟﮭد اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ" .وﻗد ﻧﺟﺣت
ﺑﺗﻌزﯾز وﻋودھﺎ ﺑﻧﺟﺎﺣﺎﺗﮭﺎ اﻟرھﯾﺑﺔ ﻓﻲ ﻏزو أﻋﻣﺎق اﻟطﺑﯾﻌﺔ وﺗﺣوﯾل ﻣﺎ ّدﺗﮭﺎ وﺗﺷﻛﯾﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ
ﻧﺣو ﻣﺎ ﯾُﻐرﯾﻧﺎ وﻧﺗﻣﺛل ﻣن ﺧﻼﻟﮫ ﺳﻌﺎدﺗﻧﺎ .وأﻣﺎم ھذا اﻟﻐزو اﻟﺗﻘﻧﻲ ﻟﻠطﺑﯾﻌﺔ واﻟﺳﻌﻲ إﻟﻰ
اﺳﺗﻧﻔﺎذ ﻣﺧزوﻧﺎھﺎ ﯾﺗ ّم ﻏزو اﻟﻛراﻣﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺑﻣﺎ ﺗﻌﻧﯾﮫ ﻣن ﺣﻘوق وﻋداﻟﺔ ﻋﺑر إھﻣﺎﻟﮭﺎ
واﺳﺗﺑﻌﺎد ﻣﻌﺎﻧﯾﮭﺎ ﻣن ﻣﻧظوﻣﺔ اﻹﻧﺗﺎج اﻟذي ﯾﺗر ّﻛز ﻋﻠﻰ اﻟﻣردودﯾّﺔ واﻟﻧﺟﺎﻋﺔ دون ﺳواھﻣﺎ.
ﻓﮭل أﻧّﮫ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ أن ﺗُﺳﻠّم ﺑوﻋود اﻟ ّرﻓﺎه اﻟﺗﻘﻧﻲ اﻟ ّﺻﻧﺎﻋﻲ دون ﺗﻔﻛﯾر ﻓﻲ إﻧﺳﺎﻧﯾﺗﮭﺎ؟.
وھل أﻧّﮫ ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﻧﺎ ﺣﻘﺎ أن ﻧﺳﺗﺷﻌر ﺳﻌﺎدﺗﻧﺎ ﻓﻲ ظل أﻓول وﺿﯾﺎع ﻗﯾﻣﻧﺎ وﻛراﻣﺗﻧﺎ داﺧل ھذا
اﻟواﻗﻊ اﻟﺣﺎﻟك؟.ﺛ ّم ھل أ ّن ﺟدﻟﯾّﺔ اﻟﺗﻘ ّدم اﻟﻣﺎدي واﻟﺗﻘ ّدم اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻛﻣﺎ ﯾدﻋوﻧﺎ إﻟﯾـــــﮭﺎ " آرﻓون"
-ص-13