Page 20 - الدولة
P. 20
ﺳﻠطﺔ اﻷﻓراد؟ .أﻻ ﯾﺑدو ذﻟك ﺣﻠﻣﺎ طوﺑﺎوﯾﺎ ﯾﺣﻣل اﻟﻣﻐﺎﻟطﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗﺑطﻧﮭﺎ دﯾﻣﻘراطﯾﺔ اﻟدوﻟﺔ
ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب دﯾﻣﻘراطﯾﺔ وﺳﯾﺎدة اﻟﻣواطﻧﺔ؟ .وﻟﻌل ذﻟك ﻓﻌﻼ ھو ﻣﺎ ﺗﻧﺑﮫ إﻟﯾﮫ "ﺑﺎﻛوﻧﯾن"ن ﺣﯾﻧﻣﺎ
ﻧ ّظر ﻟﺗﻌوﯾض اﻹﻟزام ﺑﺎﻹﻟﺗزام ،وھو ﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ ﺗﻌوﯾض اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣن اﻟدوﻟﺔ ﺑﺳﻠطﺔ ﺗﻧﺑﻊ
ﻣن إرادات اﻷﻓراد ،ذﻟك أن اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ ﻧظره ﺗﺑﻘﻰ ﻻھوﺗﺎ ﺳﯾﺎﺳﯾﺎ ﻗﮭرﯾﺎ ﻻ ﯾﻘﺑل اﻟﻧﻘد ھدﻓﮫ
ﺗﻘدﯾم اﻷﻓراد ﻛﻘراﺑﯾن ﺑﺷرﯾﺔ ﻓﯾﻘول" :اﻟدوﻟﺔ ﻣﻘﺑرة ﺗدﻓن ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺧﺗﻠف ﻣظﺎھر ﺣرﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن".
ﺛ ّم ھل أﻧﮫ ﻓﻲ وﺳﻌﻧﺎ أن ﻧراھن ﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎﺑل ﻋﻠﻰ دﯾﻣﻘراطﯾﺔ أﺳﺎﺳﮭﺎ ﺳﯾﺎدة ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣن إرادة
اﻟﺷﻌب؟ .إذ ﻛﻣﺎ ﯾِؤﻛد "ﺗودوروف" ،ﻟﯾﺳت إرادة اﻷﻏﻠﺑﯾﺔ وآراءھم ﺿﻣﺎﻧﺗﺎن ﻣﺗﺄﻛدﺗﺎن داﺋﻣﺎ
ﻟﻌدم اﻹﻧﺣراف ﻧﺣو اﻟﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﻹرادة اﻟﻌﺎﻣﺔ .وھو ﻣﺎ ﯾطرح اﻟﺗظﻧن ﻋﻠﻰ ﺳﺑل
اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة اﻟﺗﻲ ﻧﺣﻣﻠﮭﺎ ﻛﺛﯾرا ﻣن اﻷﺣﯾﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﺣﻣل اﻟﻣﺑﺗﻐﻰ واﻟﻛﻣﺎل .ﻓﺳﻠطﺔ
اﻷﻏﻠﺑﯾﺔ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺗﺣ ّول إﻟﻰ ﻗﮭر ﻟﻸﻗﻠﯾﺔ ،ﻓﺗﺻﺑﺢ ﺷرا ﻣﺳﻠطﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ .وھﻧﺎ ﯾﻘول
"ﺑﻧﺟﺎﻣﺎن ﻛوﻧﺳﺗون"" :ﻟﻘد ﻣرت اﻟﺳﻠطﺔ ﻣن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ إﻟﻰ اﻷﻏﻠﺑﯾﺔ ،وﻣﻧﮭﺎ ﻟﺗﺗرﻛز ﻓﻲ أﯾدي
ﺑﻌض اﻻﺷﺧﺎص .وﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب ﻓﻲ ﯾد ﺷﺧص واﺣد .وﺗﻘﺗرف ﺣﯾﻧﮭﺎ ﺷرا ﺑﻘدر ﻣﺎ اﻗﺗرﻓﺗﮫ
آﻧﻔﺎ" .وأﻣﺎم ﺗراﺟﻊ "اﻟدوﻟﺔ اﻟراﻋﯾﺔ" ﻟﺣﻘوق وﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣواطﻧﯾن ﻛﻣﺎ ﻧﻌﯾﺷﮭﺎ ﻓﻲ أﯾﺎﻣﻧﺎ ھذه
ﻋن وظﺎﺋﻔﮭﺎ ،وﺗﺣﻣﯾل اﻷﻓراد وزر ﺗﻛﻔﻠﮭم ﺑﺗﻛﺑّد اﻷﺗﻌﺎب واﻟﻣﺷﺎق ﻓﻲ رﻋﺎﯾﺔ ﺷؤوﻧﮭم
ﺑﺄﻧﻔﺳﮭم ،ﺛ ّم أﻣﺎم ھذا اﻟﺷﻌور ﺑﺎﻟﺿﯾم واﻟﺟور اﻟذي ﯾﻌﯾﺷﮫ اﻟﻌﺎطﻠون ﻋن اﻟﺷﻐل واﻟﻣﮭﻣﺷون
واﻟﻔﻘراء ،ﺻﺎرت اﻟدوﻟﺔ ﺣﻘﺎ ﻻ ﺗﻣﺛل اﻹطﺎر اﻷﻧﺳب ﻟﻛراﻣﺗﮭم اﻟﺗﻲ ﯾﻔﺗﻘدوﻧﮭﺎ ،وﻟﺣﻘوﻗﮭم
اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺗﮭك دون ردع وﺗدﺧل ﻋﺎدل .ورﻏم أھﻣﯾﺔ اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻣﺗواﺻﻠﺔ واﻟﯾﻘظﺔ داﺧل اﻟدوﻟﺔ
دﻓﺎﻋﺎ ﻋن اﻟﺣﻖ وإﻋﻼء ﻟﮫ ،ﺗﺑﻘﻰ ﻣﺧﺎطر اﻟدوﻟﺔ ﺗﺗﮭددﻧﺎ داﺋﻣﺎ.ﺛ ّم إن اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﺳﺑﻖ وأن
ﻋرﺿﻧﺎ ﻟذﻟك ،ﺗﻌﺗﺑر اﻟدوﻟﺔ ﺳﻠطﺔ ﯾﻧﺷؤھﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ زﻣن اﻟﺗوﺣش اﻟرأﺳﻣﺎﻟﻲ اﻟذي ﯾﺑﻠﻎ ﻓﯾﮫ
اﻟﺻراع درﺟﺔ اﻹﺣﺗداد اﻟﻣﻣﯾت ﺑﯾن اﻟطﺑﻘﺎت اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ ،ﻷﺟل ﺣﻔظ اﻟﻧظﺎم .وﻟﻛﻧﮭﺎ ﺗﻧﺗﮭﻲ
ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف إﻟﻰ ﺷرﯾك ﻣﻊ اﻟطﺑﻘﺎت اﻟﻔوﻗﯾﺔ ،ﻟﺗزﯾدھﺎ ﻓﺎﺋض ﻗوة ﻻ ﯾزﯾد اﻟطﺑﻘﺎت
اﻟﺗﺣﺗﯾﺔ ﺳوى ﺷﻌور ﻣﻛﺛف ﺑﺎﻟﺿﯾم ،ﯾﺗرﺗب ﻋﻧﮫ ﺗﻘوﯾض اﻟدوﻟﺔ واﺳﺗﺑﻌﺎدھﺎ ﻧﮭﺎﺋﯾﺎ ﻋﺑر ﺣﻠول
اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋن اﻟﻣﻠﻛﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ واﻷﺳﺗﻌﺎﺿﺔ ﻋﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﻣﺷﺎﻋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘﺿﻲ ﺑﺎﻷﺧﺗﻔﺎء اﻟﻧﮭﺎﺋﻲ
ﻟﻠﺗﻔﺎوت واﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟطﺑﻘﻲ اﻟذي ﯾﻧزل ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن دون ﻣرﺗﺑﺗﮫ وﯾﺣ ّوﻟﮫ إﻟﻰ ﻛﺎﺋن ﻣﻐﺗرب اﻟوﻋﻲ
ﻣﺳﻠوب اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﻛراﻣﺔ .وأﻣﺎم ﻛ ّل ھذه اﻟﻣﺧﺎطر اﻟﺗﻲ ﺗﺗﮭددﻧﺎ ﺑﮭﺎ اﻟدوﻟﺔ ،ﯾﺗﺣ ّول اﻹﺟﺗﻣﺎع
اﻟﺑﺷري إﻟﻰ ﺑدﯾل ﻋن ﺳﯾﺎدة اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻣﺗﻊ ﺑﮭﺎ اﻟدوﻟﺔ .وﺗﺗﺣول اﻟدوﻟﺔ إﻟﻰ ﻣﺟرد ﻧﻣط
ﻣن اﻟوﺟود اﻟﻣدﻧﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟﻣﻣﻛن ﻟوﻗت ﺗﺣﺗﻣﮫ ظروف ﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﺗﻧﺗﮭﻲ ﺑﺎﻧﺗﮭﺎﺋﮭﺎ.
-ص – 18