Page 17 - الدولة
P. 17
واﺟﺑﮭﺎ ﺗﻛرﯾس اﻟﻌﻧف اﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ واﻟﻣﺷروع واﺣﺗﻛﺎره ﻟﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﻣواطﻧﺔ ،واﻟﺗﻲ ﺗﻧﺑﺛﻖ ﻓﯾــــــﮭﺎ
اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﻌﺎدﻟﺔ واﻟﻣﺳﺗﻘﯾﻣﺔ ﻣن روح اﻟﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ اﻟطﺑﯾﻌﯾّﺔ واﻟﻣدﻧﯾّﺔ ،ھﻲ اﻟدوﻟﺔ اﻟﺗﻲ
ﺗؤ ّﺳس ﻟﺳﯾﺎدة اﻟﻣواطﻧﺔ وﺗواﻓﻘﮭﺎ ﻣﻊ ﺳﯾﺎدة اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ،وإﻋﻼء ﺳﻠطﺔ اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ
ﺗﻣﺛل اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻣن ﺧﻼل إﻟزاﻣﮭم واﻟدﻓﺎع ﻋﻧﮭم ﻓﻲ ذات اﻟوﻗت .وھﻲ دوﻟﺔ اﻹﻧﺳﺟﺎم اﻟﺗﺎ ّم ﺑﯾن
اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾّﺔ واﻟﻣدﻧﯾّﺔ ،وﺑﯾن اﻟﺣﻘوق اﻟﻔردﯾّﺔ واﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ .وﻛذﻟك ﺑﯾن ﻣﺳؤوﻟ ّﯾﺔ
اﻷﻓراد ﺑﻣﺎ ھم ﻣواطﻧون واﻟﺣﺎﻛم ﺻﺎﺣب اﻟﺳﯾﺎدة اﻟﺳﯾﺎﺳﯾّﺔ اﻟذي ﻻ ﯾﻣﺛل ﺳوى ﻣﺟ ّرد ﻣوظف
ﻓﯾﮭﺎ .وھو ﻣﺎ ﻧﺄﻣل ﺑﻠوﻏﮫ وﻧﻧﺷد ﺗﺣﻘﯾﻘﮫ أﻣﺎم ﺻﻌوﺑﺎت ﻛﺛﯾرة ﯾﺻطدم ﺑﮭﺎ إﻣﻛﺎن ﺗﺣﻘﻖ ھذه
اﻟ ّدوﻟﺔ ،أھ ّﻣﮭﺎ أن ﻓﻲ واﻗﻌﻧﺎ اﻟذي طﻐت ﻋﻠﯾﮫ ﻗﯾم ﺗﺿﺧم اﻟﻔرداﻧﯾﺔ ،وظﮭرت ﻓﯾﮫ اﻟﺗﻛﺗﻼت
واﻟﺗﺟ ّﻣﻌﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻛﻣﮭﺎ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﻗﺑل اﻟﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ اﻟﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺿﺎﻣﯾن .ﻓﮭل ﻟﻧﺎ أن
ﻧﺄﻣل ﻓﻲ ﻣواطﻧﺔ ﻋﺎﻟﻣﯾّﺔ ﺗﺗﺟﺎوز ﺣدود اﻟﺗﺿﯾﯾﻖ اﻟﻘطري ،وﺗﺗﺳﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم ﺑر ّﻣﺗﮫ؟.
*** -4ﻓﻲ ﻣواطﻧﺔ ﻋﺎﻟﻣﯾّﺔ ،وﺣظﮭﺎ ﻣن اﻟواﻗﻌﯾّﺔ:
ﯾﻌرض اﻟﻣﻔ ّﻛر اﻷﻣرﯾﻛﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر "ﺻﺎﻣوﯾل ھﻧﺗﻧﺟﺗون" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ "ﺻدام اﻟﺣﺿﺎرات" إﻟﻰ
واﻗﻊ ﻋﺎﻟﻣﻧﺎ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﺑﻛﺛﯾر ﻣن اﻹﻣﺗﻌﺎض ﻟﻣﺎ ﺻﺎرت ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻘﯾم ﻣن ﺗﻧﺎﻗض ،وأﺻﺑﺣت
ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯾن اﻟﺷﻌوب واﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻣن اﻧﺣﯾﺎزات إﯾدﯾوﻟوﺟﯾّﺔ ﻟﻠﮭﯾﻣﻧﺔ اﻟﻌرﻗﯾّﺔ
واﻟدﯾﻧﯾﺔ وﻟﻠﻘوى اﻟﻌﺎﻟﻣﯾّﺔ اﻟﻣﺗﻌﺎظﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻔﻘدھﺎ ھوﯾّﺎﺗﮭﺎ وﺗﺳﺗﻔرﻏﮭﺎ ﻣن ﺧﺻوﺻﯾﺎﺗﮭﺎ ﻓﯾﻘول:
" ﯾُﻌﺎد اﻵن ﺗﺷﻛﯾل اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻛوﻧ ّﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻣﺗداد اﻟﺧطوط اﻟﺛﻘﺎﻓﯾّﺔ .وﺗﺗﻘﺎرب اﻟﺷﻌوب ذات
اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻣﺗﺷﺎﺑﮭﺔ ،وﺗﺗﺑﺎﻋد اﻟﺷﻌوب ذات اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ .وﺗﻔﺳﺢ اﻹﻧﺣﯾﺎزات اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﻣد
ﻋﻠﻰ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت واﻟﻌﻼﻗﺎت ﻣﻊ اﻟﻘوى اﻟﻛﺑرى ﻟﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﺣﺿﺎرة.
وﯾُﻌﺎد رﺳم اﻟﺣدود اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻟﻛﻲ ﺗﺗواﻓﻖ ﻣﻊ اﻟﺣدود اﻟﺛﻘﺎﻓﯾّﺔ اﻟﻌرﻗﯾّﺔ واﻟدﯾﻧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾّﺔ.
وﺗﺣل اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﺛﻘﺎﻗﯾّﺔ ﻣﺣل ﺗﻛﺗﻼت اﻟﺣرب اﻟﺑﺎردة )وھﻲ اﻟﻔﺗرة اﻟﺗﻲ ﺗؤ ّرخ ﻟﻠﺗﺳﺎﺑﻖ ﻧﺣو
اﻟﺗﺳﻠﺢ ﺑﯾن اﻟﻣﻌﺳﻛرﯾن :اﻹﺗﺣﺎد اﻟﺳوﻓﯾﺎﺗﻲ واﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣﯾرﯾﻛﯾﺔ ،وﻣﺎ أﻓرزه ذﻟك ﻣن
أﻧﺣﯾﺎزات ﺑﯾن اﻟدول ﻟﮭذا اﻟطرف أو ذاك( ،وﺗُﺻﺑﺢ ﺧطوط اﻟﺗﻘﺳﯾم ﺑﯾن اﻟﺣﺿﺎرات ﺧطوط
اﻟﺻراع اﻟرﺋﯾﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾّﺔ" .وھذا اﻟﺗوﺻﯾف ﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻣﻌﺎﺻر ﺗﺿﻌـــﻧﺎ أﻣﺎم
راھن ﻻ ﺗﺣﻛﻣﮫ ﻣﻌﺎﯾﯾر اﻟﻛوﻧﯾّﺔ ﺑﻣﺎ ﺗﻧﺑﻧﻲ ﻋﻠﯾﮫ ﻣن اﺣﺗرام ﻟﻺﺧﺗﻼف واﻟﺗﻧ ّوع ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى
ﺧﺻوﺻﯾﺎت اﻟ ُﮭوﯾّﺎت واﻟﺛﻘﺎﻓﺎت ،ﺑل ﯾﺣﻛﻣﮫ اﻟﻧزوع اﻟﻣﺗزاﯾد ﻧﺣو اﻟﺗﻛﺗّﻼت ﺑﺣﺳب ﻣﻘﺗﺿﯾﺎت
اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ واﻟﻣﻧﺎﻓﻊ اﻹﻗﺗﺻﺎدﯾّﺔ واﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾّﺔ واﻟدﯾﻧﯾّﺔ .وھو ﻣﺎ ﺣ ّول واﻗﻊ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯾن
اﻟﺷﻌوب واﻟﺣﺿﺎرات إﻟﻰ واﻗﻊ ﺻراع ﯾطﺣن اﻟﻘﯾم وﯾﮭﺗك ﺑﮭﺎ ﺑﺷﻛل ﻣﺗواﺻل .أﺿف إﻟﻰ
ذﻟك ،ﻣﺎ أﺻﺑﺣت ﺗﻌﻣل اﻟﻌوﻟﻣﺔ اﻟﯾوم ﻋﻠﻰ إذﻛﺎﺋﮫ وإﺷﺎﻋﺗﮫ وﻓرﺿﮫ ﻋﻠﻰ اﻟ ّدول واﻟﺷﻌوب
واﻟﺛﻘﺎﻓﺎت واﻷﻓراد ﻣن اﻧﺧراط ﻓﻲ "اﻟﻔﻛر اﻟوﺣﯾد" اﻟذي ﺗﺗﺳم ﺑﮫ ھذه اﻟﻌوﻟﻣﺔ ﺑﻠﻐﺔ "ﺑودرﯾﺎر"
-ص - 15