Page 12 - الدولة
P. 12
اﻟﻔردﯾﺔ واﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻣﺔ داﺧل اﻟ ّدوﻟﺔ ﻛﻣﺎ و ّﺿﺣﻧﺎ ذﻟك ﺳﺎﺑﻘﺎ ،وإذا ﻛﺎﻧت ﺗﻠك اﻟﺳﯾﺎدة ﺗُﻌــــــ ّد
ﺷرطﺎ ﻣﺣورﯾّﺎ ﻣن ﺷروط ﺗﺣﻘﻖ ﻣدﻟول اﻟ ّدوﻟﺔ ،ﻓﺈﻧّﮫ ﻋﻠﯾﻧﺎ ھﻧﺎ أن ﻧدرك ﺟﯾّدا أن ھﻧﺎﻟك
ﺷﻛﻼن ﻣﺧﺗﻠﻔﺎن ﻟﮭذه اﻟﺳﯾﺎدة .أﺣدھﻣﺎ ﻋرﺿﻧﺎ ﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﻧﺻر اﻟﺳﺎﺑﻖ ،ﻓﺑﯾﻧّﺎ أﻧﮫ ﯾﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ
ﻣطﻠب اﻟ ُﻣواطﻧﺔ ﻷﻧﮫ ﯾﻧﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﻣرﻛز اﻟﺳﻠطﺔ ﺑﯾد اﻟﺣﺎﻛم اﻷوﺣد اﻟﻣﺳﺗﺑ ّد اﻟذي ﯾﺣرم
ﻣواطﻧﯾﮫ ﻣن ﺣﻘوﻗﮭم وﯾﺣ ّوﻟﮭم إﻟﻰ ﻣﺟ ّرد رﻋﺎﯾﺎ ،وﺷﻛل ﺛﺎن ﺗﺗﻛﺎﻣل ﻓﯾﮫ ﺳﯾﺎدة اﻟدوﻟﺔ ﻣﻊ
ﺳﯾﺎدة اﻟﻣواطﻧﺔ ،ﺳﻧﻌرض ﻟﮫ ﻓﻲ ﻗﺳﻣﻧﺎ ھذا .ﻓﻣﺎذا ﯾﻛون ھذا اﻟﺷﻛل اﻟﺛﺎﻧﻲ؟ .وﻟﻛن ﻗﺑل ذﻟك،
ﻣﺎذا ﺗﻌﻧﻲ اﻟ ُﻣواطﻧﺔ أ ّوﻻ؟.وﻋﻠﻰ أ ّي وﺟﮫ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺗﻛﺎﻣل ﺳﯾﺎدة اﻟدوﻟﺔ ﻣﻊ ﺳﯾﺎدة اﻟﻣواطﻧﺔ؟.
ﺗﻌﻧﻲ اﻟ ُﻣواطﻧﺔ ﺻﻔﺔ اﻟﻔرد اﻟذي ﯾﻧﺗﺳب إﻟﻰ دوﻟﺔ دﯾﻣﻘراطﯾّﺔ ﺗﻧﺑﺛﻖ ﻟواﺋﺣﮭﺎ ودﺳﺎﺗﯾرھﺎ ﻋن
ﻣﺿﺎﻣﯾن وﻗﯾم اﻟﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ .وﺗﻧﺑﻧﻲ اﻟﻣواطﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﺣرﯾّﺔ اﻷﻓراد واﻟﻣﺳﺎواة واﻹﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺔ.
وھﻲ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك ،ﻣﮭ ّﻣﺔ وﻣﺳؤوﻟﯾّﺔ ﯾﺿطﻠﻊ ﺑﮭﺎ ﻛل ﻣواطن داﺧل اﻟ ّدوﻟﺔ ﻛﻣﻣﺎرﺳﺔ
ﺿﻣن ﻣﺳﺎر وﺟودﻧﺎ ﻓﻲ ﺑﻌده اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﺗﻣﺎﻣﺎ ﻛﻣﺎ ﻧﻣﺎرس ھوﯾّﺗﻧﺎ ﻟﻧﺣﻘﻘﮭﺎ وﻧﺣﺎﻓظ ﻋﻠﯾﮭﺎ.
وﺗﻛون ﻛﻔﯾﻠﺔ ﺑﺎﻹﻣﺗﺛﺎل ﻟﻠواﺟب اﻟذي ﯾﻔرﺿﮫ دﺳﺗور اﻟدوﻟﺔ ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ ،واﻟﺗﻣﺗﻊ ﺑﺎﻟﺣﻘوق
اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﻣﺷروﻋﺔ ﻗﺎﻧوﻧﯾّﺎ ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ .إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺑﻌدھﺎ اﻟﻛوﻧﻲ اﻟذي ﺳﻧﻌﻣل ﻋﻠﻰ
ﺗوﺿﯾﺣﮫ ﺣﯾﻧﻣﺎ ﻧﻌرض ﻟﻠ ُﻣواطﻧﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾّﺔ .وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ،ﻓﺈن ﺳﯾﺎدة اﻟﻣواطﻧﺔ ﺗﻌﻧﻲ ﺗﻣﺎﺛل
اﻟﻣواطﻧﺔ ﺑﺣﻘوﻗﮭﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺿﻣن اﻟ ّدوﻟﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾّﺔ ،ﻛﺎﻟﺣرﯾّﺔ واﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺻﯾﺎﻏﺔ
اﻟﻘواﻧﯾن ﺑﺷﻛل ﻣﺑﺎﺷر أو ﻋﺑر ﻣﻣﺛﻠﯾن ﺷرﻋﯾﯾن ،وﺣرﯾّﺔ إﺑداء اﻟرأي واﻟﺗﻣﺗﻊ ﺑﺎﻟﺧﯾرات
اﻟﻔردﯾّﺔ واﻟﻌﺎ ّﻣﺔ .وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻓﮭﻲ ﺗﺟﺳﯾد ﻟﻠﻛراﻣﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻔﺗرض اﻟﺗﻣﺗﻊ ﺑﻣﻧظوﻣﺔ اﻟﺣﻘوق
اﻟﻣدﻧﯾّﺔ واﻟﺳﯾﺎﺳﯾّﺔ .واﻟﺣدﯾث ﻋن ﺗواﻓﻖ اﻟﺳﯾﺎدة واﻟ ُﻣواطﻧﺔ ﯾﺗﺿﺢ ﻣن ﺧﻼل اﺳﺗﺣﺿﺎر
اﻟﻧﻣﺎذج اﻟﺗﻌﺎﻗدﯾﺔ ﻣﻊ ﻛل ﻣن "ﺟون ﺟﺎك روﺳو" و"ﺳﺑﯾﻧوزا" .ﻓﺎﻷ ّول ﯾﻌﺗﺑر أن اﻟﻐﺎﯾﺔ
اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻣن ﺗﺄﺳﯾس اﻟدوﻟﺔ ﻋﺑر اﻟﻌﻘد اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺗﺗﻣﺛل ﻓﻲ ﺗوﺣﯾد اﻹرادات اﻟﻔردﯾّﺔ ﺑﻌد
ﺗﺷﺗﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟطﺑﯾﻌﺔ ،ﺣﺗﻰ ﺗﺗﺟوھر اﻟﺣرﯾّﺔ ﻓﻲ إطﺎر "اﻹرادة اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ" اﻟﺗﻲ ﺗﻛون ﻣﻌﺑّرة
ﻋن اﻟﺟﻣﯾﻊ وﻣﺗﺿ ّﻣﻧﺔ ﻟﻛل اﻟﺣﻘوق اﻟطﺑﯾﻌﯾّﺔ ﻓﺗﺻﺑﺢ ﻗوﯾّﺔ ﺑﻘ ّوة ذﻟك اﻹﺗﺣﺎد ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ
إﻛﺳﺎب اﻟﻣواطﻧﯾن ﺣﻘوﻗﮭم اﻟﻣدﻧﯾّﺔ واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺛل "اﻹرادة
اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ" ﺟوھر ﺳﯾﺎدﺗﮭﺎ وﺳﯾﺎدة ﻣواطﻧﯾﮭﺎ .إذ ﻛﯾف ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﺗﻣﺛل ﺗﻧﺎﻗض أو ﺗﺿﺎرب ﺑﯾن
اﻟﺳﯾﺎدﺗﯾن واﻟﺣﺎل أن اﻹرادة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺗﻌﺑّر ﻋن إرادات ﻛل اﻟﻣواطﻧﯾن ،وﺗﺟ ّﺳد واﻗﻌﯾﺗﮭم ﻣن
ﺟﮭﺔ ،ﺛ ّم ﺗﻌﺑّر ﻓﻲ ذات اﻟوﻗت ﻋن ﺳﯾﺎدة اﻟدوﻟﺔ واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣدﻧﻲ؟ .ﯾﻘول "روﺳو" ﻣؤ ّﻛدا
ذﻟك" :ﻟﯾس اﻷﻗوى ﺑﻘو ّي ﻗ ّوة ﺗﺟﻌﻠﮫ ﯾﺳود أﺑدا ،ﻣﺎ ﻟم ﯾﺣ ّول ﻗ ّوﺗﮫ إﻟﻰ ﺣﻖ وطﺎﻋﺗﮫ إﻟﻰ
واﺟب" .ﺑﻣﻌﻧﻰ ،أن دوﻟﺔ اﻹرادة اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ ،دوﻟﺔ اﻟﺣﻖ واﻟدﯾﻣﻘراطﯾّﺔ ،ھﻲ اﻟ ّدوﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺧﺗﻔﻲ
ﻓﯾﮭﺎ ﻛﻠﯾﺎ أﺷﻛﺎل اﻹﺳﺗﺋﺛﺎر ﺑﺎﻟﻘ ّوة واﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻣﺗﻣرﻛزة ،واﻟﺳﯾﺎدة اﻟﻌﻣود ّﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ ﻧﻌﺛر ﻋﻠﯾﮭﻣﺎ
ﻓﻲ ﻧﻣط اﻟدوﻟﺔ اﻹﺳﺗﺑدادﯾﺔ اﻟﻛﻠﯾﺎﻧﯾّﺔ ﻣﻊ "ﺗوﻣﺎس ھوﺑز" ،ﻟﺗﺣل ﻓﯾﮭﺎ اﻟﺳﯾﺎدة اﻷﻓﻘﯾّﺔ اﻟﺗﻲ
ﺗﺷﺗرك ﻓﯾﮭﺎ اﻟدوﻟﺔ ﻣﻊ اﻟﻣواطﻧﯾن ،وﯾﺗﺣ ّول ﻓﻲ إطﺎرھﺎ اﻟﺣﺎﻛم ﻣن ﺳﯾّد ﻣطﻠﻖ ﻛﻣﺎ اﻟﺣﺎل ﻣﻊ
-ص - 10