Page 8 - الدولة
P. 8
ﻓﻣـــــﺎ اﻟذي ﻧﻌﻧﯾﮫ ﺑﺎﻟﺳﻠطﺔ واﻟﺳﯾﺎدة ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮭﻣﺎ ﺑﺎﻟدوﻟـﺔ؟ .وھل أﻧﮭﻣﺎ ﯾﺗﺧذان ﻧﻔس اﻟدﻻﻟﺔ؟.
*** اﻟ ّدوﻟﺔ واﻟﺳﻠطﺔ :ﺗﻣﺛل اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ظﺎھرة ﺣدﯾﺛﺔ ،ﻻ ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ
اﻟﻌﺛور ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻗﺑل ظﮭور ﻓﻠﺳﻔﺎت اﻟﺗﻌﺎﻗد ﻛظﺎھرة إﺻطﻧﺎﻋ ّﯾﺔ ﻣﺳﺗﺣدﺛﺔ وﺗﺗﻧ ّزل ﺿﻣن ﻋﺻر
اﻟﺣداﺛﺔ ،رﻏم أﻧﮭﺎ ﺳﺗﺗﺧذ ﻣﻊ "ھﯾﻘل" ﻻﺣﻘﺎ ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻔﻛرة اﻟﻌﻘﻼﻧﯾّﺔ ذات اﻟﻣﺿﻣون اﻷﺧﻼﻗﻲ
اﻟﺗﻲ ﺗﺿﻔﻲ ﻋﻠﻰ وﺟودﻧﺎ دﻻﻟﺔ أﻧطوﻟوﺟﯾﺔ ﻧﺗﻌﻘﻠﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﻣﻘﮭﺎ اﻷﺧﻼﻗﻲ واﻟﺳﯾﺎﺳﻲ .وھﻛذا،
ﻓﻧﺣن ﻧﺗﺣ ّدث ﻋن "اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟدوﻟﺔ" ﻣﻊ اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﯾن ﺣﯾﻧﻣﺎ ﻧﻘﺻد اﻟدوﻟﺔ ﻛﻣﺎ ﻧ ّظر ﻟﮭﺎ ﻛل ﻣن
"أﻓﻼطون" ﻓﻲ ﻛﺗﺎب "اﻟﺟﻣﮭورﯾّﺔ" وأرﺳطو ﻓﻲ ﻛﺗﺎب "اﻟﺳﯾﺎﺳﺎت" .وﻧﺣن ﻧﺗﺣدث ﻋن
اﻟﻣﻣﻠﻛﺎت واﻹﻣﺑراطورﯾﺎت واﻟﺧﻼﻓﺎت إﺑّﺎن اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ ﻛﻣﺎ ﺟ ّﺳدﺗﮭﺎ وﻗﺎﺋﻊ اﻟﺗﺷﻛﻼت
اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟدﯾﻧﯾّﺔ واﻟﻌرﻗﯾّﺔ واﻹﻗطﺎع آﻧذاك .وﺗﻌﻧﻲ اﻟ ّدوﻟﺔ اﻟﺑﻧﺎء اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ واﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ اﻟذي
ﯾﺗوﻓر ﻋﻠﻰ ﺳﻠطﺔ ﺿرورﯾّﺔ وﺳﯾﺎدة داﺧﻠﯾّﺔ وﺧﺎرﺟﯾّﺔ .إﻧﮭﺎ اﻟﻛﯾﺎن اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟذي ﯾﺟﺳد
ﻣدﻧﯾﺗﻧﺎ ،وﯾﺣﻘﻖ اﺟﺗﻣﺎﻋﻧﺎ اﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ .وﻟﻛﻧﻧﺎ ﻻ ﻧﻌﻧﻲ ﺑﺎﻟ ّدوﻟﺔ ﻣطﻠﻘﺎ ،ذﻟك اﻟﻛﯾﺎن اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟذي
ﯾﺧﺗزل ﻣدﻟول اﻟﺳﻠطﺔ وﯾﺗﻣﺎﺛل ﺑﮭﺎ .ﻓﺎﻟﺳﻠطﺔ رﻏم أﻧﮭﺎ "اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻷﺳﺎﺳﯾّﺔ ﻟﻠﺳﯾﺎﺳﻲ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرھﺎ
ﺗُﻘﺣم ﻛل أﻧواع ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺣﺎﻛم ﺑﺎﻟﻣﺣﻛوم" ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺻ ّرح "ﺑول رﯾﻛور" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ "اﻟﺗﺎرﯾﺦ
واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ" ،ورﻏم أﻧﮭﺎ ﺗﺑﻘﻰ ﻗﺎﺋﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى اﻟﻔﺎرق ﺑﯾن اﻟﻘﯾﺎدة واﻟ ّطﺎﻋﺔ "ﺣﺗﻰ ﻓﻲ اﻟﺣﺎﻟﺔ
اﻟﻘﺻوى ﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﺳﺗﺣﻛم ذاﺗﮭﺎ ﺑذاﺗﮭﺎ دون ﺗو ّﺳط أو ﺗﻔوﯾض ﻟﻠﺳﻠطﺔ" ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾﺿﯾف "رﯾﻛور"
ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﻣؤﻟف ،ورﻏم أﻧﮭﺎ ﺗﻣﺛل ﻣﺿﻣون اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺗﺎرﯾﺦ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ وﺗؤﺳﺳﮫ،
و"ﺑﻔﺿل اﻟﺳﻠطﺔ ﯾﺻﻧﻊ اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺗﺎرﯾﺦ" ،ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧ ّدﻋﻲ ﻣﻊ ذﻟك إطﻼﻗﺎ ،أ ّن اﻟدوﻟﺔ
واﻟﺳﻠطﺔ ﻣﺗﻣﺎﺛﻼن ،أو أن اﻟدوﻟﺔ ﺗﺧﺗزل ﻣﻔﮭوم اﻟﺳﻠطﺔ .وذﻟك ھو ﻣﺎ ﯾﻌﻣل "ﻣﯾﺷﺎل ﻓوﻛو"
ﻋﻠﻰ ﺗوﺿﯾﺣﮫ ﻓﻲ ﺣوار ﺷﮭﯾر ﻟﮫ ﻣﻊ "ﺟﯾل دوﻟوز" ،ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﻘول" :ﻣﺎزﻟﻧﺎ ﻧﺟﮭل ﻣﺎھﯾﺔ
اﻟﺳﻠطﺔ .أﻓﻠم ﻧﻧﺗظر ﺣﺗﻰ اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر ﻟﻧﻌرف ﻣﺎھﯾﺔ اﻹﺳﺗﻐﻼل؟ .وﻟﻛن ﻟﻌﻠﻧﺎ ﻣﺎزﻟﻧﺎ ﻻ
ﻧﻌرف ﺑﻌد ﻣﺎھﯾﺔ اﻟﺳﻠطﺔ ،وﻟﻌل "ﻣﺎرﻛس" و"ﻓروﯾد" ﻻ ﯾﻛﻔﯾﺎن ﻟﻣﺳﺎﻋدﺗﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺔ ھذا
اﻟﺷﻲء اﻟ ُﻣﻐرق ﻓﻲ اﻹﻟﻐﺎز ،ھذا اﻟﺷﻲء اﻟذي ﻧراه وﻻ ﻧراه ،اﻟظﺎھر اﻟﺧﻔ ّﻲ ،اﻟذي ﯾﻌﺗرﺿﻧﺎ
ﺣﯾﺛﻣﺎ وﻟّﯾﻧﺎ وﺟﮭﻧﺎ ،واﻟذي ﻧﺳ ّﻣﯾﮫ اﻟﺳﻠطﺔ" .ذﻟك أ ّن ﻓﻛرة اﻟﺳﻠطﺔ ﻣﻠﺗﺑﺳﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑﻣﻔﺎھﯾم
ﻣﺟﺎورة ﻟﮭﺎ ﻣﺛل ﻣﻔﺎھﯾم اﻟﺳﯾطرة واﻟﺗﺳﯾﯾر واﻟﺣﻛم واﻟﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻟﺣﺎﻛﻣﺔ وﺟﮭﺎز اﻟ ّدوﻟﺔ إﻟﺦ،...
وﺗﺣﺗﺎج ﻣن ﻣﻧظور "ﻓوﻛو" إﻟﻰ ﺗﺣﻠﯾل وﺗﻔﻛﯾك ﯾﺟﻌﻼﻧﻧﺎ ﻧدرك أﻧﮫ "ﻻ أﺣد ﻓﻲ واﻗﻊ اﻷﻣر
ﯾﻣﺗﻠﻛﮭﺎ ،وﻣﻊ ذﻟك ﻓﮭﻲ ﺗُﻣﺎرس دوﻣﺎ ﻓﻲ اﺗﺟﺎه ﻣﻌﯾّن .ﻓﯾﻛون اﻟﺑﻌض ﻣن ﺟﺎﻧب وﯾﻛون
اﻟﺑﻌض اﻵﺧر ﻣن اﻟﺟﺎﻧب اﻵﺧر .وﻟﺳﻧﺎ ﻧﻌﻠم ﻣن اﻟذي ﺑﺎﻟﺗﺣدﯾد ﯾﻣﻠك اﻟﺳﻠطﺔ ،وﻟﻛﻧﻧﺎ ﻧﻌﻠم ﻣن
ﻻ ﯾﻣﺗﻠﻛﮭﺎ" .وﻛل ذﻟك ،ﻷن اﻟﺳﻠطﺔ ﻣﺑﺛوﺛﺔ ﺑﺷﻛل ﻣﯾﻛروﻓﯾزﯾﺎﺋﻲ ﻓﻲ ﻛل اﻟﻣﺟﺎﻻت ،وﺗﺗﺧﻠل
ﻛل اﻟﻌﻼﻗﺎت .وﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﻌﯾﯾﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل دون آﺧر ،أو اﺧﺗزاﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺷﺧص أو ﺟﮭﺎز أو
ﺟﮭﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺗﺣدﯾد اﻟﺛﺎﺑت واﻟﻛﻠﻲ .إﻧﮭﺎ ﺗرﺗﺑط ﻛﻣﺎ ﯾو ّﺿﺢ "ﻓوﻛو" ﻣﺟددا ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ "إرادة
اﻟﻣﻌرﻓﺔ" "ﺑﺗﻌ ّدد ﻣوازﯾن اﻟﻘوى اﻟﻣﺣﺎﯾﺛــــــﺔ ﻟﻠﻣﺟﺎل اﻟذي ﺗﻣﺎرس ﻓﯾﮫ" .و"ﻛﻠﻣﺔ ﺳﻠطﺔ ،ﺗﻌﻧﻲ
-ص - 06