Page 9 - الدولة
P. 9
اﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺑواﺳطﺗﮭﺎ ﺗﻔﻌــــل ﻣوازﯾن اﻟﻘوى ﻓﻌﻠﮭﺎ ،واﻟﺗﻲ ﺗﺗﺟ ّﺳد ﺧطﺗﮭﺎ اﻟﻌﺎ ّﻣـــــــﺔ
وﺗﺑﻠ ُورھﺎ اﻟﻣؤ ّﺳﺳﻲ ﻓﻲ أﺟﮭزة اﻟ ّدوﻟﺔ وﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻘﺎﻧون ،وﺿروب اﻟﮭﯾﻣﻧﺔ
اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾّﺔ...ﻓﺎﻟﺳﻠطﺔ ﻟﯾﺳت ﻣؤﺳﺳﺔ ،وﻟﯾﺳت ﺑﻧﯾﺔ ،وﻟﯾﺳت ﻗدرة ﻣﻌﯾّﻧﺔ ﯾﺗﻣﺗّﻊ ﺑﮭﺎ اﻟﺑﻌض.
إﻧﮭﺎ اﻹﺳم اﻟذي ﯾُطﻠﻖ ﻋﻠﻰ وﺿﻊ إﺳﺗراﺗﯾﺟﻲ ﻣﻌﻘد ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣﻌﯾّن" .وھﻲ ﻓﻲ ﻛ ّل اﻷﺣوال
ﺗﻣﺛل "ﺣﺻﯾﻠﺔ ﻋﻼﻗﺎت ﻗ ّوة وﻟﯾﺳت ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺗﻧﺎزل...وھﻲ إﻋﺎدة ﺗﺛﺑﯾت داﺋم ﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻘ ّوة ھذه،
وذﻟك ﺑﻧوع ﻣن اﻟﺣرب ﻏﯾراﻟ ُﻣﻌﻠﻧﺔ أو اﻟﺻﺎﻣﺗﺔ ﻓﻲ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت وﻓﻲ اﻟﺗﻔﺎوت اﻹﻗﺗﺻﺎدي،
وﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ وﻓﻲ أﺟﺳﺎد اﻟﺑﻌض...ﻋﺑر ﺣرب ﻣﺳﺗﻣ ّرة أﻟﯾﺗﮭﺎ ھﻲ اﻟﻘﻣﻊ".
وﺣﯾﻧﺋذ ،ﻓﺈن اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﺳﻠطﺔ ﺑﺈطﻼق ،ﻻ ﯾﻌﻧﻲ اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ ﺑﺎﻟﺗﺧﺻﯾص .وﻛ ّل ﺧﻠط
ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ،ﻻ ﯾﻌدو ﺳوى أن ﯾﻛون ﺗﻛﺗّم ﯾروم اﻟﺗﻧ ّﺻل ﻣن اﻟﺳﻠطﺔ ،أو اﻟﻣﻐﺎﻟطﺔ واﻟﻠﺑس واﻟﺟﮭل
اﻟذﯾن ﯾﺣﺗﺎج ﻓﺿﺣﺎ وﺗﺻوﯾﺑﺎ .وﻟﻛن اﻟﻘول ﺑﺄن اﻟدوﻟﺔ ﻻ ﺗﺧﺗزل اﻟﺳﻠطﺔ وﻻ ﺗﺣﺗﻛرھﺎ ،ﻻ
ﯾﺑ ّرؤھﺎ ﻣطﻠﻘﺎ ﻣن ﺳﻠطﺗﮭﺎ اﻟﺧﺎ ّﺻﺔ :اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻓﻲ ﻏﯾﺎﺑﮭﺎ ﯾﻧﻌدم ﻣﻌﻧﻰ اﻟ ّدوﻟﺔ .ﻓﺄ ّي
ﻣﻌﻧﻰ ﻟﮭذه اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺧﺗ ّص ﺑﮭﺎ اﻟ ّدوﻟﺔ؟ .وﻣﺎاﻟذي ﯾﺟﻌﻠﮭﺎ ﺷرطﺎ أﺳﺎﺳﯾﺎ ﻣن
ﺷروط ﺳﯾﺎدة اﻟ ّدوﻟﺔ؟ .ﺛ ّم ﻋﻠﻰ أ ّي ﻧﺣو ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ اﻟﻘول ﺑﻌدم اﻧﺳﺟﺎم ھذه اﻟﺳﯾﺎدة ﻣﻊ اﻟﻣواطﻧﺔ؟.
ﻣﺛﻠﻣﺎ ھو ﻣﻌﻠوم ،ﻻ ﯾﻣﻛن ﻟﻠدوﻟﺔ أن ﺗﺗﻌﯾّن ﻛواﻗﻌﺔ وﻛﯾﺎن ﺳﯾﺎﺳ ّﻲ ﺑﻣلء ﻣﻌﻧﺎه إﻻ ﺣﯾﻧﻣﺎ ﺗﻛون
ﻟﮭﺎ ﺳﯾﺎدة داﺧﻠﯾّﺔ وﺧﺎرﺟﯾّﺔ :داﺧﻠﯾّﺔ ،ﺗﻣ ّﻛﻧﮭﺎ ﻣن اﺗﺧﺎذ اﻟﻘرارات وﺑﺳط اﻟﻧﻔوذ اﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ ﻋﻠﻰ
ﻣواطﻧﯾﮭﺎ وﻣؤﺳﺳﺎﺗﮭﺎ وھﯾﺎﻛﻠﮭﺎ ﺑﻣﺎ ﺗﺗوﻓّر ﻋﻠﯾﮫ ﻣن أﺟﮭزة وﺳﻠطﺎت ﺗﺷرﯾﻊ وﻗﺿﺎء وﺗﻧﻔﯾذ.
وﺳﯾﺎدة ﺧﺎرﺟﯾّﺔ ،ﺗﺗﺟ ّﺳد ﻣن ﺧﻼل اﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺗﮭﺎ اﻟﺗراﺑﯾّﺔ وﺳﻠطﺔ ﻗراراﺗﮭﺎ اﻟﻣﺣﻠﯾّﺔ ،واﻧﺧراطﮭﺎ
ﻓﻲ ﻣﻧظوﻣﺔ اﻟﺣﻘوق واﻟﻘواﻧﯾن ﺑﻣﺎ ھﻲ ﻣﺻﺎدر ﻟﻠﻣواﺛﯾﻖ اﻟ ّدوﻟﯾّﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾّﺔ .وﺑﮭذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻓﺈن
اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﯾﺑﯾّن "ﺟورج ﺑﯾردو" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ "اﻟ ّدوﻟﺔ" ،اﺗﺧذت ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ
أﺷﻛﺎﻻ ﻣﺗﻌ ّددة ،ﺗﻣﺛل اﻟدوﻟﺔ ﺷﻛﻠﮭﺎ اﻷﺷ ّد ﺗﻌﻘﯾدا .وذﻟك ﻷﻧﻧﺎ ﻧﺗﺟﺎوز ﻣن ﺧﻼل ﺳﻠطﺔ اﻟدوﻟﺔ،
أﺷﻛﺎل اﻟﺳﻠط اﻟﺧراﻓﯾّﺔ اﻷﺳطورﯾّﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ،اﻟﺗﻲ ارﺗﺑطت طوال ﺣﯾﺎة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾّﺔ ﺑﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺗﻔوق
واﻟﻛﻣﺎل واﻟﻣﺿﺎﻣﯾن اﻟﻣﻘ ّدﺳﺔ واﻟﺟﮭﺎت اﻟﺧﺎرﻗﺔ اﻟﺗﻲ ﻧُدﯾن ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﺧﺿوع واﻟطﺎﻋﺔ .ﻓﯾﻘول:
"إن ﺗﺻ ّور اﻟدوﻟﺔ ﯾﺟﻌل اﻟﺳﻠطﺔ ﻣﻘﺑوﻟﺔ ﻋﺑر ﺣل اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟذي ﺗﺧﻔﯾﮫ ،واﻟذي ﯾﻛﻣن ﻓﻲ
ﻛوﻧﮭﺎ ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻔردﯾّﺔ ﻏﯾر ﻣﺣﺗﻣﻠﺔ ،وﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺿرورة ﺣﺗﻣﯾﺔ".
وﻣﺑ ّررات اﻟﺳﯾﺎدة اﻟﺿرورﯾّﺔ ﻟﻠ ّدوﻟﺔ ،ﻻ ﺗﻧﺑﺛﻖ ﻋن ﺣﺎﺟﺔ اﻟ ّدوﻟﺔ ذاﺗﮭﺎ ﻟﺣﻣﺎﯾﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻣن
ھﺟﻣﺎت اﻟﻐرﺑﺎء ﻓﻘط ،ﺑل ﺗﻧﺑﺛﻖ ﻛذﻟك ﻋن ﺣرﺻﮭﺎ وﺗﻛﻔﻠﮭﺎ ﺿﻣن وظﯾﻔﺗﮭﺎ اﻷﺳﺎﺳﯾّﺔ ﺑﻣﮭ ّﻣﺔ
ﺣﻣﺎﯾﺔ وﺳﻠم ﻣواطﻧﯾﮭﺎ ﻓﻲ اﻟ ّداﺧل ﻣﺛﻠﻣﺎ ﯾؤ ّﻛد "ﺗوﻣﺎس ھوﺑز" ﻓﻲ ﻣؤﻟﻔﮫ "اﻟﺗﻧﯾن" .ذﻟك أﻧﮫ
ﯾﻌﺗﺑر اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ دوﻟﺔ ﻗوﯾّﺔ وﺣﺎﻛم ﯾﺣﺗﻛر ﻛل اﻟﻘوى ،ﺗﺑ ّرره طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺷ ّر واﻟﻌداﺋﯾّﺔ
واﻟﻣﻛراﻟذي ﺗﺗﺿ ّﻣﻧﮫ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺑﺷرﯾّﺔ .ﺗﻠك اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟذﺋﺑﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧذر ﺑﺄن ﯾُﻔﻧﻲ اﻟﻧﺎس ﺑﻌﺿﮭم
-ص - 07