Page 6 - الدولة
P. 6
ﺳوﯾّﺔ طﺑﻘﺎ ﻟرؤﯾﺔ اﻟﻌﻘل ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﺗرﺑّﻊ ﻋﻠﻰ إدارة ﻋرش اﻟﺗﺟ ّﻣﻊ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ وھو ﯾﻧﺷد اﻟﻣدﻧﯾّـــــﺔ
ﺑدﯾﻼ ﻋن اﻟوﺣﺷﯾّﺔ اﻟطﺑﯾﻌﯾّﺔ ،وﯾطﻠب اﻟﺗﻧظﯾم واﻹﺟﺗﮭﺎد اﻟﻣﺗواﺻل واﻟﺳﻌﻲ إﻟﻰ إﺣﻼﻟﮫ ﺑدﯾﻼ
ﻋن ﻓوﺿوﯾّﺔ اﻟﻌﯾش وھﻣﺟﯾّﺗﮫ ﺗﺣت ﻣﻘﺗﺿﯾﺎت اﻟﻌﻧف واﻟﺗﺣﯾّل واﻟﺧوف .وﻟﻌﻠﻧﺎ ﻧﺳﺗطﯾﻊ
اﺳﺗﺧﻼص ﻗﯾﻣﺔ اﻟﺗدﺑﯾر اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ وأھﻣﯾﺗﮫ ﺑﺟﻼء ﻣﻧﻘطﻊ اﻟﻧظﯾر ،ﺑﻣﺟ ّرد اﺳﺗﺣﺿﺎرﻧﺎ ﻟواﻗﻊ
"ﺣﺎﻟﺔ اﻟطﺑﯾﻌﺔ" ،وھﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺑل ﺗﺷ ّﻛل اﻟدوﻟﺔ ﻛﻣﺎ أ ّﺳس ﻟﮭﺎ ﻓﻼﺳﻔﺔ
اﻟﻌﻘد اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺧﻼل اﻟﻘرن اﻟﺳﺎﺑﻊ ﻋﺷر ،وﻧﻌﻧﻲ ﺑﮭم "ﺗوﻣﺎس ھوﺑز" ،و"ﺟون ﺟﺎك
روﺳو" و"ﺳﺑﯾﻧوزا" و"ﺟون ﻟوك" .ھؤﻻء اﻟذﯾن اﻓﺗرﺿوا أ ّن اﻟﺑﺷر ﻛﺎﻧوا ﯾﻌﯾﺷون ﻗﺑل
ﺗﺄﺳﯾﺳﮭم ﻟﻠدوﻟﺔ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﻧف اﻟﻣﺗﺑﺎدل اﻟﻣﻣﯾت اﻟﺗﻲ ﻧﻔﺗﻘد ﻓﯾﮭﺎ أدﻧﻰ ﺷروط اﻟ ّﺳﻠم واﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ
أﺳﺑﺎب اﻟﺣﯾﺎة )ھوﺑز( ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر وﻗوع ﻛل أﻓراد اﻟﻧوع اﻟﺑﺷري ﺗﺣت طﺎﺋﻠﺔ ﻏرﯾزة اﻟﻌداﺋﯾﺔ
اﻟﻣﺗو ّﺣﺷﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺿﻣﻧﮭﺎ طﺑﯾﻌﺗﻧﺎ اﻵدﻣﯾّﺔ ﻣﻌﺑّرة ﻋن اﻟﺧوف ﻣن اﻟﻣوت ﺑﻔﻌل اﻟﻣﺧﺎطر اﻟﺗﻲ
ﯾﺗﮭددﻧﺎ ﺑﮭﺎ اﻟﻐﯾر ،وھو ﻣﺎ ﯾﺣ ّول اﻹﺳﺗﺋﺛﺎر ﺑﺎﻟﻌﻧف واﻟﻘوة وﺣﯾﻠﺔ اﻟﺑطش ﺑﮭذا اﻵﺧر إﻟﻰ
وﺳﺎﺋل ﺗﻘﺗﺿﯾﮭﺎ وﺗﺑﯾﺣﮭﺎ اﻟرﻏﺑﺔ اﻟﺟوھرﯾّﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾﺎة ﻛﺣ ّﻖ طﺑﯾﻌ ّﻲ أﺳﺎﺳ ّﻲ.
وذﻟك ﻣﺎ ﺗؤﻛده ﻗوﻟﺔ ﺻﺎﺣب ﻛﺗﺎب "اﻟﺗﻧﯾن"" :إن اﻟﺑﺷر وھم ذوو وﻟﻊ طﺑﯾﻌ ّﻲ ﺑﺎﻟﺣرﯾّﺔ
وﺑﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﮭﯾﻣﻧﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﯾر ،ﻗد أوﺟﺑوا ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺳﮭم ﺣدودا ﯾﻌﯾﺷون ﻓﻲ ﻛﻧﻔﮭﺎ داﺧل
اﻟﺟﻣﮭورﯾﺎت اﻟﺗﻲ أ ّﺳﺳوھﺎ" .وﺗﻧﺿﺎف إﻟﻰ ذﻟك ﻋﺑﺎرﺗﮫ اﻟﺷﮭﯾرة" :إن اﻹﻧﺳﺎن ذﺋب
ﻟﻺﻧﺳﺎن" ،وھو ﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أ ّن اﻟﺑﺷر ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﯾﻌﯾﺷون اﻟﺗﻘﺎﺗل ،وھﻲ ﺣﺎﻟﺔ "ﺣرب اﻟﻛل
ﺿ ّد اﻟﻛ ّل" ﻷﺟل اﻹﺳﺗﻣرارﯾّﺔ ﻓﻲ اﻟوﺟود واﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾﺎة ،وأﻧّﮫ ﻋﻠﯾﮭم ﺗﻐﯾﯾر طﺑﯾﻌﺔ
وﺿﻌﮭم وﺗﺄﺳﯾس اﻟدوﻟﺔ ﻛﺣ ّل ﻟﻠﺧروج ﻣن ﺣﺎﻟﺔ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﮭ ّددھم ﺑﺎﻟﻔﻧﺎء ﺟﻣﯾﻌﺎ.
أ ّﻣﺎ ﺗﺷﺗت اﻹرادات وﻣﻧﺎوءة اﻟﻘوى اﻟطﺑﯾﻌﯾّﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻟﺣﯾﺎة اﻟﺑﺷر وﺗﮭدﯾدھﺎ ﻟﮭم ﺑﺷﻛل ﻣﺳﺗﻣ ّر
ﺑﺎﻟﮭﻼك )روﺳو( ،ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﻌﺛر ﻋﻠﯾﮫ ﻟدى ﺻﺎﺣب ﻣؤﻟف "ﻓﻲ اﻟﻌﻘد اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ" ،اﻟذي ﯾﺻ ّرح:
"أﺣﺳب أن اﻟﺑﺷر ﻗد ﺑﻠﻐوا ﺣ ّدا دﺣرت ﻓﯾﮫ اﻟﻌراﻗﯾل اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻧﺎويء ﺑﻘﺎءھم ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ
اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﺑﺻﻼﺑﺗﮭﺎ اﻟﻘوى اﻟﺗﻲ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺳﺗﺧدﻣﮭﺎ ﻛل ﻓرد ﻣﻧﮭم ﻗﺻد اﻟﺑﻘﺎء ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟطﺑﯾﻌﺔ
ﺗﻠك ،وﺣﯾﻧﺋذ ،ﻓﻼ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ دوام ھذه اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻷ ّوﻟﯾّﺔ ،وإن ﻟم ﯾﻐﯾّر اﻟﺟﻧس اﻟﺑﺷري طرﯾﻘﺔ
ﺣﯾﺎﺗﮫ أﺻﺎﺑﮫ اﻟﮭﻼك" .ﻓﺗﺷﺗّت اﻹرادات واﻧﺛﻧﺎء ﻛل إرادة ﻓردﯾّﺔ ﻋﻠﻰ ذاﺗﮭﺎ ،ﯾﺟﻌﻠﮭﺎ ﺿﻌﯾﻔﺔ
ﺑﻣﻔردھﺎ ﻣﮭ ّددة ﺑﻘوى اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾّﺔ ،وﻣن ﺛ ّﻣﺔ ﺳﯾﺗم اﻹﻟﺗﺟﺎء ﻟﺗوﺣﯾد ﺗﻠك اﻹرادات
اﻟﻣﺷﺗﺗﺔ ﺿﻣن "اﻹرادة اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ" وإﺑرام اﻟﻌﻘد اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻟﺗﺄﺳﯾس اﻟدوﻟﺔ ﻛﺑدﯾل ﺿرور ّي ﻋن
ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗﺷﺗت اﻟطﺑﯾﻌﻲ اﻟذي ﻛﺎن ﯾﻌﯾﺷﮫ اﻟﻧﺎس ﻣن ﻗﺑل .وأ ّﻣﺎ اﻓﺗﻘﺎر اﻟﻧﺎس إﻟﻰ ﺗﻧظﯾم ﻗﺎﻧوﻧﻲ
ﻟﺣﻖ ﻣﻣﺗﻠﻛﺎﺗﮭم وﺧﯾراﺗﮭم ورﻋﺎﯾﺔ ﻧﻔوﺳﮭم )ﻟوك( ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟطﺑﯾﻌﺔ وﺗﻛﻔل اﻟ ّدوﻟﺔ ﻻﺣﻘﺎ ﺑﮫ،
ﻓﺈن "ﺟون ﻟوك" ﯾﻌﻧﯾﮫ ﺑوﺿوح ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﻘول" :ﯾﺑدو ﻟﻲ أن اﻟدوﻟﺔ ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن اﻟﻧﺎس ﺗﻛ ّوﻧت
ﻟﻐرض وﺣﯾد ھو اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﯾراﺗﮭم اﻟﻣدﻧﯾﺔ وﺗﻧﻣﯾﺗﮭﺎ .واﻧﺎ أﻗﺻد ﺑﺎﻟﺧﯾرات اﻟﻣدﻧﯾّﺔ،
اﻟﺣﯾﺎة واﻟﺣرﯾّﺔ وﺳﻼﻣﺔ اﻟﺑدن وﺣﻣﺎﯾﺗﮫ ﺿ ّد اﻷﻟم واﻣﺗﻼك اﻷﻣوال اﻟﺧﺎرﺟﯾّﺔ ﻣﺛـــــل اﻷرض
-ص - 04