Page 16 - الدولة
P. 16
اﻟﺗﻲ ﯾﻣﻛن اﻋﺗﺑﺎرھﺎ ﻗوة ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻣﺗﺄ ّﻛدة ﻟدى اﻟﺟﻣﯾﻊ ،ھﻲ ﻗ ّوة اﻟﺣﻖ .أي ،اﻟﻘ ّوة اﻟﺗﻲ ﺗﻠﺗــــــزم
ﺑﺿواﺑط اﻟﺣﻘوق واﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺑّر ﻋﻧﮭﺎ "اﻹرادة اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ" .وﻛل ﻗ ّوة ﻣن ﻧوع آﺧر ،ﻻ ﺗﻌدو
ﺳوى أن ﺗﻛون وھﻣﺎ أو ﻋﻧﻔﺎ ﯾﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﻟﻘﺎﻧون وﯾﺗرﺗب ﻋﻧﮫ اﻟﻌﻘﺎب ﻣن طرف اﻟدوﻟﺔ .ﻛﻣﺎ
أﻧﻧﺎ ﻧﻌﺛر ﻟدى "ھﯾﻘل" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ "ﻣﺑﺎديء ﻓﻠﺳﻔﺔ اﻟﺣﻖ" ﻋن ﺣدﯾث ﻣط ّول ﻋن "اﻟﻌﻧف
اﻟﺳﻛوﻧﻲ" و"اﻟﻌﻧف اﻟﻣﺗﺣ ّرك" ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ .وھو ﯾﻌﺗﺑر أن "اﻟﻌﻧف اﻟﻣﺗﺣ ّرك" ﺧطر ﺣﻘﯾﻘﻲ
ﯾﻣﻛن أن ﯾﺳﺗﺷري ﻓﻲ ﻣﻔﺎﺻل اﻟدوﻟﺔ ﻓﯾﻘ ّوض اﺳﺗﻘرارھﺎ وﯾﮭﺗك ﺑﻘﯾم اﻟﻣواطﻧﺔ ﻓﯾﮭﺎ .وﻟذﻟك
ﯾﻛون ﻣن واﺟب اﻟدوﻟﺔ داﺋﻣﺎ أن ﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﺎﻟﻌﻧف ،وﺗﺻرﯾﻔﮫ ﺑﺷﻛل ﺳﻛوﻧﻲ ﺿﻣن
أﻧﺷطﺔ وﻣﻣﺎرﺳﺎت ﻣﻘﺑوﻟﺔ ،ﻛﺎﻷﻧﺷطﺔ اﻟرﯾﺎﺿﯾّﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻼﻋب واﻟﻘﺎﻋﺎت ،وإﻗﺎﻣﺔ اﻟﺣﻔﻼت
واﻟﻣﮭرﺟﺎﻧﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺛل ﻣﻧﺎﺳﺑﺎت ﻟﺗﻧﻔﯾس ﻋﻧف اﻟﻣواطﻧﯾن وﺗوﺗّراﺗﮭم ﺑﺷﻛل ﻗﺎﻧوﻧ ّﻲ ﻣﻧظم،
ﺣﺗﻰ ﻻﯾﻧﻔﺟر ذﻟك اﻟﻌﻧف وﯾﺻﺑﺢ ﻋﻧﻔﺎ ﻣﺗﺣ ّرﻛﺎ .أ ّﻣﺎ "ﻣﺎﻛس ﻓﯾﺑر" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ "رﺟل اﻟﻌﻠم
ورﺟل اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ" ،ﻓﺈﻧﮫ أوﻟﻰ ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟدوﻟﺔ واﻟﻌﻧف ﻣﻛﺎﻧﺔ ﻣرﻛزﯾّﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﻛﯾره
اﻟﺳوﺳﯾوﻟوﺟﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ .ذﻟك أﻧﮫ ﯾﺗﺳﺎءل ﻋن ﻣﺎھﯾﺔ اﻟدوﻟﺔ ﻓﯾﺟﯾب "ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﺗﻌرﯾف
اﻟدوﻟﺔ إﻻ ﺑﺎﻟوﺳﯾﻠﺔ اﻟﻧوﻋﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮭﺎ ،وﺑﻛل ﺗﺟ ّﻣﻊ ﺳﯾﺎﺳﻲ آﺧر ،أي اﻟﻌﻧف اﻟﻔﯾزﯾﻘﻲ".
وﻣﻌﻧﻰ ھذا ،أن اﻟﺧﺎﺻﯾّﺔ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ اﻟﻧوﻋﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣدد ﻣﺎھﯾﺔ اﻟدوﻟﺔ ھﻲ "اﺣﺗﻛﺎر اﻟﻌﻧف
اﻟﻣﺎدي" ،ذﻟك اﻟﻌﻧف اﻟذي ﺗﻌﺑّر ﻋﻧﮫ أﺟﮭزة اﻟﺷرطﺔ واﻟﺟﯾش واﻟﻌﺗﺎد اﻟﻌﺳﻛري ﺑﻣﺧﺗﻠف
أﺷﻛﺎﻟﮫ .ﺷرﯾطﺔ أن ﯾُدار ﺗﺻرﯾف ھذا اﻟﻌﻧف "ﺑﺷﻛل ﻣﺷروع" .ﺑﻣﻌﻧﻰ ،أن اﻟدوﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﻣن
ﺻﻼﺣﯾﺗﮭﺎ ﺑﺎﺳم اﻟﺣﻖ واﻟﻘﺎﻧون أن ﺗﺣﺗﻛر ھذا اﻟﻌﻧف اﻟﻣﺎدي ﻟﻠذود ﺑﮫ ﻋن ﺳﯾدﺗﮭﺎ وﺳﯾﺎدة
ﻣواطﻧﯾﮭﺎ ﻣن ﻛل ﻋﻧف ﺧﺎرﺟﻲ أو داﺧﻠﻲ ﻏﯾرر ﻣﺑرر وﻏﯾر ﻣﺷروع ،ﻣن واﺟﺑﮭﺎ أن
ﺗﺳﺗﻌﻣل ﻋﻧﻔﮭﺎ اﻟﺧﺎص ﺑﺎﻟطرق اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ اﻟﻣﺷروﻋﺔ ،ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺗﺣ ّول ذﻟك اﻟﻌﻧف إﻟﻰ وﺳﯾﻠﺔ
ﺗﺧدم اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب ﺳﯾﺎدة اﻟﻣواطﻧﯾن ،ﻓﯾﺗﺣ ّول اﻟﻣواطﻧون ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟﻌﻧف
اﻟﻼﻣﺷروع اﻟذي ﯾﻣﻛن أن ﺗﻣﺎرﺳﮫ اﻟدوﻟﺔ إﻟﻰ ﻣﺟ ّرد أﻓراد ﯾﺣﻛﻣﮭم اﻟﺧوف واﻟﮭﻠﻊ ﻣن ﺑطش
ﻗ ّوة اﺳﺗﺑداد اﻟﺳﻠطﺔ .وھﻛذا ،ﻓﻣﻘﺎﺑل اﻟﻌﻧف اﻟﻣﺎ ّدي اﻟﻣﺷروع ﯾﺟب أن ﻧﺣ ّدد "اﻟﻌﻧف
اﻟﻼﻣﺷروع" ،اﻟذي ﯾﻌﻧﻲ ﺑﮫ "ﻣﺎﻛس ﻓﯾﺑر" ﻋﻧف اﻷﻓراد واﻟﺟﻣﺎﻋﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗﺄﺛر ﺑﺄﺷﻛﺎل
ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻣن اﻟﻌﻧف واﻟﻘ ّوة ﺑﻐﯾر ﻣوﺟب ﺣﻖ ﻗﺎﻧوﻧ ّﻲ ،ﺗو ّﺟﮭﮭﺎ ﺿد اﻟدوﻟﺔ أو اﻟﻣواطﻧﯾن ﺧدﻣﺔ
ﻟﻣﺻﺎﻟﺣﮭم ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب اﻟﻘﺎﻧون .وﺣﯾﻧﺋذ" ،ﻓﻣﺎﻛس ﻓﯾﺑر" ،ﻻ ﯾﺷ ّرع ﻟﻌﻧف اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘﺎﻧوﻧﻲ إﻻ
ﻷﺟل اﺳﺗﺑﻌﺎد أﺷﻛﺎل اﻟﻌﻧف ﻏﯾر اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﮭدد ﻣواطﻧﺗﻧﺎ وﺳﯾﺎدة ُدوﻟﻧﺎ ﯾوﻣﺎ ﺑﻌد ﯾوم.
وﻟذﻟك ﯾﻛون ﺗﺟرﯾم اﻟﻌﻧف اﻟﻼﻣﺷروع ﻧﺗﯾﺟﺔ طﺑﯾﻌﯾّﺔ وﺣﻛﻣﺎ ﺑدﯾﮭﯾّﺎ ﻻ ﯾﺟب أن ﻧﻛﺗﻔﻲ
ﺑﺈﺻداره ﺑل ﺑﺗﻔﻌﯾﻠﮫ ﻋﻠﻰ اﻟواﻗﻊ دون ﺗر ّدد ،ﺣﺗﻰ ﻧﺣﻔظ ﺳﻼﻣﺔ ﻣواطﻧﺗﻧﺎ ،وﺳﯾﺎدة دوﻟﻧﺎ ﻣن
أﺷﻛﺎل اﻟﻌﻧف اﻟﮭﺟﯾﻧﺔ واﻟﻣﺗزاﯾدة اﻟﺗﻲ ﺗﺗﮭددﻧﺎ وﺗﻘﺗﺿﻲ ﻣواﺟﮭﺔ ﻣﺷروﻋﺔ ﻋﻧﯾﻔﺔ ﻻ ﺗﺑﻘﻲ
ﻋﻠﯾﮭﺎ إﻻّ ﻛذﻛرى ﯾُﺗﻌض ﺑﮭﺎ.
واﻧطﻼﻗﺎ ﻣ ّﻣــﺎ ﺗﻘ ّدم ،ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﻧﺗﮭﻲ إﻟﻰ اﺳﺗﺧﻼص أن اﻟ ّدوﻟﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ اﻟﺣﻘوﻗﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻣن
-ص - 14