Page 18 - الدولة
P. 18
ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﻘول" :اﻟواﻗﻊ أن اﻟﻛوﻧ ّﻲ ﯾُﮭﻠك ﺑﺎﻟﻌوﻟﻣﺔ .وﻋوﻟﻣﺔ اﻟﺗﺑﺎدﻻت ﺗﺿﻊ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﻛوﻧﯾّﺔ اﻟﻘﯾم.
إﻧﮭﺎ اﻧﺗﺻﺎر اﻟﻔﻛر اﻟوﺣﯾد ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻛر اﻟﻛوﻧﻲ" .ھذه اﻟﻌوﻟﻣﺔ اﻟﺗﻲ "أﺻﺑﺣت ذات اﺗﺟﺎه ﻻ
ﻣﺣﯾد ﻋﻧﮫ" ﻓﻲ ﺣﯾن "أﺻﺑﺢ اﻟﻛوﻧﻲ ﻓﻲ طرﯾﻘﮫ إﻟﻰ اﻟﺗﻼﺷﻲ" ،ﺻﺎرت ﺳﯾﺎﻗﺎ ﻋﺎﻟﻣﯾّﺎ وﺗو ّﺟﮭﺎ
إﻗﺗﺻﺎدﯾّﺎ ﺗﻘﻧﯾّﺎ ﻻ ﻣﻧﺎص ﻣن اﻹﻧﺧراط ﻓﯾﮫ .ﻓﺻﺎرت اﻟﺣدود ﻣﺟ ّرد ﺣواﺟز ﻻ ﺗﻣﻧﻊ اﻟﻧﺎس ﻣن
اﻟﻌﺑور ﺑﺄﻓﻛﺎرھﺎ وﺗطﻠﻌﺎﺗﮭﺎ دون اﻟﻣرور ﺑﮭﺎ ،وﻻ ﺗﻣﺛل ﺣدودا ﻟﺿﺑط اﻟﻣﺣﻠّﻲ وﻓﺻﻠﮫ ﻋن
اﻟﺧﺎرﺟﻲ اﻟذي أﺻﺑﺢ ﯾﻛﺗﺳﺢ ﻛل اﻟﻣﺟﺎﻻت اﻟذوﻗﯾﺔ واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻷﺧﻼﻗﯾﺔ ،ﺑل ﻛل ﻣﺟﺎﻻت
اﻟﻘﯾم .وﻟﻌ ّل اﻟﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻟﻌﻠﻣﯾّﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺛﻠﮭﺎ اﻷﻧﺗرﻧﺎت ووﺳﺎﺋل اﻹﺗﺻﺎل اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺧﯾر
ﺗﺟﺳﯾد ﻟﮭذا اﻟﻧﻔﺎذ اﻟﻣﺗداﺧل ﺑﯾن اﻟﻣﺣﻠﻲ واﻟﻌﺎﻟﻣﻲ .وھو ﻣﺎ ﺟﻌﻠﻧﺎ ﻧدرك أﻧﻧﺎ ﻟم ﻧﻌد ﻧﺗﺣ ّدد
ﺿﻣن "اﻟ ّدوﻟﺔ اﻷ ّﻣﺔ" ﺑﺣدودھﺎ اﻟﺗراﺑﯾّﺔ وﻣﻘ ّوﻣﺎﺗﮭﺎ اﻟﺧﺻوﺻﯾﺔ اﻟﻣﺗﻣ ّﯾزة ،ﺑل أﻧﻧﺎ ﻧﻌﯾش ﻓﻲ
ﻛل ﻣﻛﺎن وﻻ أرض ﻟﻧﺎ .وھذا ﻣﺎ ﺳﯾﻠ ّﺢ ﻋﻠﻰ طرح ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻣواطﻧﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ وﻣﺎ ﺳﯾﺗرﺗب
ﻋﻧﮭﺎ ﻣن ﺗﺑﻌﺎت ﺗﺧ ّص اﻟﺳﯾﺎدة ﻓﻲ أﺑﻌﺎدھﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ.
ﻟﻘد ﺳﻣﺢ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﻓﺗراﺿﻲ اﻟذي ﻧﻌﯾﺷﮫ اﻟﯾوم ﺑﻧﺷﺄة ﺷﻛل ﺟدﯾد ﻣن اﻟﻣواطﻧﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﻘوم
ﻋﻠﻰ ﺳﯾﺎدة دوﻟﯾّﺔ ﻣﺣﻠﯾّﺔ وﻣواطﻧﺔ ﻣﻧﻐﻠﻘﺔ ،ﺑل ﺗﺗﺣ ّدد "ﻛﻣواطﻧﺔ ﺳﺎﺋﻠﺔ" ﺗﺟﻌل اﻟﻣواطﻧﯾن
ﻗﺎدرون ﻋﻠﻰ ﻣﻣﺎرﺳﺔ إﺣﺗﺟﺎﺟﺎﺗﮭم دون اﻧﺧراط ﻓﻌﻠ ّﻲ ﻓﻲ أﺣزاب أو ﺟﻣﻌﯾﺎت .وھذا اﻟﻔﺿﺎء
اﻟرﻗﻣ ّﻲ اﻟذي ﯾﻧﺑﺳط ﻋﻠﻰ اﻟدول ،ھو ﻣﺎ ﯾﺟﻌل اﻟﻣواطﻧﯾن ﻣن دول ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻗﺎدرون ﻋﻠﻰ
اﻟﺗﻔﺎﻋل واﻟﻧﻘﺎش وﺻﯾﺎﻏﺔ ﺗﺻورات ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺗﺟﻌل ﻣن اﻟﻌﺎﻟم ﻗرﯾﺔ ﺻﻐﯾرة ﺗُﻠﻐﻰ ﻓﯾﮭﺎ ﻛل
اﻟﺣدود اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ اﻟﻌﺎزﻟﺔ .وﻟﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺔ "ﯾورﻏﺎن ھﺎﺑرﻣﺎس" ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ "اﻟﺳﻠم اﻟداﺋﻣﺔ"
ﺗﺻ ّور ﻋﻘﻼﻧ ّﻲ ﻣﺗﻣﯾّز ﻟﻣﻌﻧﻰ وﺷروط ﺗﺣﻘﻖ ھذه اﻟﻣواطﻧﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾّﺔ .إذ أﻧّﮫ ﯾﻌﺗﺑر ﺑﺄن
اﻟﻣواطﻧﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾّﺔ ﻻ ﺗﺗﺣﻘﻖ إﻻ ﻓﻲ إطﺎر ﻓدراﻟﯾﺎت ﻋﺎﻟﻣﯾﺔ -ﻓﻲ ﺷﻛل ﺗﺟﻣﻌﺎت دوﻟﯾﺔ ﻛﻣﺎ ھو
ﺣﺎل اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣﯾرﯾﻛﯾﺔ واﻟﻣﻣﻠﻛﺔ اﻟﻣﺗﺣدة وﻣﺎ ﯾﺷﺑﮫ اﻹﺗﺣﺎد اﻷروﺑﻲ -ﻋﻠﻰ أن
ﺗﻛون دول ﺗﻠك اﻟﻔﯾدراﻟﯾﺎت ﺗﺷﺗرك ﻓﻲ ﻓﮭم ﻣﺗﺟﺎﻧس وﺗطﺑﯾﻖ ﻋﺎدل ﻟﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﻣﺎ
ﺗﺣﻣﻠﮫ ﻣن ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻛوﻧ ّﯾﺔ ﻻ ﺗﺗﻧﺎﻗض ﻣﻊ اﺧﺗﻼف اﻟﺧﺻوﺻﯾﺎت .ﻓﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﺿر ھذا
اﻟﻔﯾﻠﺳوف اﻟﺗﺻ ّور اﻟﻛﺎﻧطﻲ اﻟﻛﺳﻣوﻟوﺟﻲ اﻟﺷﮭﯾر اﻟذي ﯾﻌﺗﺑر ﻓﻲ إطﺎره ﻓﯾﻠﺳوف اﻷﻧوار أن
"اﻷرض وطن ﻟﻠﺟﻣﯾﻊ" ،وﯾؤ ّﻛد ﻣن ﻣﻧطﻠﻖ ذﻟك اﻹﻋﺗﺑﺎر أﻧﮫ ﻣن ﺣﻖ اﻷﻓراد أن ﯾﻧزﻟوا
ﺿﯾوﻓﺎ ﻓﻲ ﺑﻠدان ﻏﯾر ﺑﻠداﻧﮭم وأن ﯾُﻌﺎﻣﻠوا ﺑﻠﯾﺎﻗﺔ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ أھل اﻟﺑﯾت طﺑﻘﺎ ﻟﻣﻧظور اﻟﺣﻘوق
اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﻛوﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻣﺎﺛل واﻟﻌداﻟﺔ وﻏﯾﺎب اﻟﺗﻣﯾﯾز واﻟﻌﻧﺻرﯾﺔ .وﻟﻛن
"ھﺎﺑرﻣﺎس" ﻋﻠﻰ ﺗﺛﻣﯾﻧﮫ ﻟﺗﺻور "ﻛﺎﻧط" ﺑﺎﻟﻧظر إﻟﻰ ﻛوﻧﮫ إﻓراز ﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﺗﻧوﯾر اﻟﺗﻲ ﺟﺎءت
ﻋﻠﻰ أﻋﻘﺎب ﻓﻠﺳﻔﺔ اﻟﺣداﺛﺔ ،ﯾﻌﺗﺑره ﺗﺻ ّورا ﻣﻧﻘوﺻﺎ ﻷﻧﮫ اﻛﺗﻔﻰ ﺑﺎﻟﺗﻔﻛﯾر ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ
وﻟم ﯾﻔ ّﻛر ﺟ ّدﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﻣواطﻧﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣ ّﯾﺔ ،ﺗﻠك اﻟﻣواطﻧﺔ اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﻌد ﺗﻣﺛل ﻣﺟ ّرد ﻓﻛرة ،ﺑل
أﺻﺑﺣت ﻟدى "ھﺑرﻣﺎس" ﺗﻣﺛل ﻣﺷروﻋﺎ ﻗﺎﺑﻼ ﻟﻠﺗﺣﻘﻖ ﺑدأت ﺑوادره ﺗظﮭر روﯾدا روﯾدا ﻓﻲ
ﻋﺻرﻧﺎ اﻟراھن ﻣن ﺧﻼل ﺑروز ﻓﯾدراﻟﯾﺎت ﻣو ّﺣدة ،وأن اﻟﻣواطﻧﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﺗﻘﺗﺿﻲ أن ﯾﻛون
-ص -16