Page 72 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 72
الأفلام التسجيلية والوثائقية
-1جوهر الوثائقي لا يتحّدد بالمحتوى (المعلومة) ،بل بالشكل (تفاعل الكامي ار العالم) وطريقة
المخاطبة الجادة وغير المفتعلة ولذلك فإن أسلوب (عرض الوقائع الحقيقية) حتى في الأفلام
الروائية (الخيالية يعتبر توثيقا ،إذا كان المقصود به :أن ممثلا ..وهو يؤدي حوا ار داخليا
(مونولوج) ،هو في الوقت نفسه حامل لما يمثله (دور شخصية د ارمية) ،وكذلك فإنه كحقيقة
فعلية" (ممث ُل فاعل -بمعنى يقوم بفعل) لذا يمكننا القول بأن "كل" فيلم خيالي يوثَ ُق ما يؤديه
ممثلوه".
-2الفيلم الوثائقي فيلم يقوم قبل كل شيء على تتابع الصور ،وموقعها ،وعلى تسجيلات
الصوت إن امكن ،كما يحصل عادة في أي فيلم روائي ،الفارُق الوحيد الواضح هو بين "اللقطة
الواقعية" وبين لقطة ُمرَّكَبة ( ُمصَّنعة).
-3صعوبة التمييز بين الوثائقي والتسجيلي تكمن في أ ّن "الواقعي" يشمل في الوقت ذاته
ال ُمخَتَلق وال ُمتخَّيل ،وفي الحقيقة أننا عندما نسرد قصصا ،فإننا نحلم ،ذلك أن أحلامنا وخيالاتنا
هي جزء من واقعنا ،حتى وإن أردنا ألا نخلط بين الحلم والواقع ،فالواقع متضمن في الحلم،
والحلم متضمن في الواقع ،وعلى العكس من ذلك ،تُعتبر ال ُمخّيلة -سواء في الفن أم السياسة-
قوة خلاقة ،بإمكانها تغيير الواقع ،ولنتذكر بعض الشعا ارت ،التي ُرفعت عام 1968أبان ثورة
الطلاب في فرنسا" :السلطة" للمخّيلة" و "خذوا أحلامكم إلى الواقع".
-4الواقع خاصية يتميز بها الفيلم الوثائقي ،لكن المعضلة تكمن في المفاهيم أي في "تقديم
الحقائق الواقعية" و"الإحالة إلى الواقع والرجوع إليه" ،وهناك "كثرة" من القصص الخيالية
والروايات "تحي ُل" إلى الواقع ،لكن من المؤكد أنها لا تُشيُر ولا تُحي ُل بنفس طريقة الفيلم الوثائقي،
ولكن على سبيل المثال :إن لقطة تصور كلبا لا ي ُع ّض ،تعني بأن الفيلم يحّو ُل الواقع (حتى
ال ُمخَتَل َق) إلى صور ،وبمعنى ما ،يسلبه واقعيته ،فحتى وإن كانت الصورة (حقا) لكلب حقيقي ،لا
يمكننا القول أنه كلب حقيقي إنها إعادة إنتاج /تمثيل ،ففي اللغة اليومية المتداولة ،الصورة هي
صورة ،ولا يجري التفريق بين "صورة حقيقية" و "صورة متخّيلة".
وكما يرى المؤرخ الفرنسي "Paul Vene" :فإنه لا توجد حقائق جاهزة ،بل حقائق علينا أن
نخلقها ،وهي مقولة ُ /خلاصة ،يُفهم منها أن الحقائق يجب أن تُسَتل (تُنتزع) من سياقاتها وتُعاُد
62