Page 73 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 73

‫الأفلام التسجيلية والوثائقية‬

‫موضوعاتها‪ ،‬كي تكتسب معنى جديدا‪ ،‬من ناحية أخرى فإ ّن "الوقائع" تعكس درجات متفاوتة من‬
‫الواقع وأشكال مختلفة من الوجود‪ ،‬فمجزرة "تيميشو ار"‪ ،‬التي شاع عرضها في قنوات التلفزيون‬
‫العالمية‪ ،‬بعد سقوط رئيس رومانيا (تشاوسيسكو) كانت "واقعة حقيقية" بغض النظر عن كون‬
‫الجثث‪ ،‬التي ُعرضت كما قيل‪ ،‬لم تكن جثث ضحايا تعذيب‪ ،‬بل كانت حسب المؤلف "نيني"‪،‬‬
‫جثثا ُصّورْت في مشَرَحة للطب الشرعي لأناس جرى تشريحهم ‪ .‬وهو أمر يشير إلى أنه عند‬
‫الحديث بصدق عن واقعة حقيقية ‪ ،‬يجب أن يتوّفر تفسير ُمقنع ووجيه بعيدا عن التشويه‪،‬‬
‫والمثال السابق يبين كيف أن "الواقعة الحقيقية" جرى تشويهها‪ ،‬وكيف تداخل مفهوم "الحقيقي" و‬
‫"الواقعي" وبالتالي أّدى إلى حدوث بلبلة‪ ،‬لذلك من الخطأ القول إن مجزرة تيميشو ار" لم يكن لها‬
‫وجود أصلا‪ ،‬كما أن من الخطأ أيضا القول بأن الجثث ال ُمق َّطعة كانت من اخت ارع الإعلام‪.‬‬

               ‫فالجثث كانت موجودة فعلا وأمكن تصويرها‪ ،‬ولكنها لم تكن "تمث ُل" ما قيل عنها‪.‬‬
‫‪ -5‬يؤكد بول فين في كتابه "كتابة التاريخ" أن الوقائع لا تُشّك ُل ظواهر موضوعية‪ ،‬لأنه لا توجد‬
‫وقائع دون تأويل‪ ،‬لكن هذا لا يعني أبدا وجوَد "تأويلات" دون وقائع‪ ،‬كما َخْل َص إليه التفكيكيون‬

                                                                     ‫وُدعاة ما بعد الحداثة‪.‬‬
‫لذا يرى (فين) طبقا لهذا التحليل‪ ،‬أن الفارق بين الوثائقي والروائي‪ ،‬هو ذات الفارق بين‬
‫"الحقيقي" و"الخيالي الخطأ"‪ ،‬أي أنه لمعرفة وتفسير لقطة وما تُمثله‪ ،‬من الضروري أيضا معرفة‬

       ‫الظروف‪ ،‬التي تم فيها التصوير‪ ،‬والطريقة التي يتوجه بها الفيلم نحو جمهور المشاهدين‪.‬‬
‫وفي ضوء هذه الحقائق الفنية‪ ،‬حّدد الباحثون الفروق‪ ،‬ومن ثم نقاط الإلتقاء الأساسية بين‬

                                                           ‫الفيلم الروائي والوثائقي بالتالي‪:‬‬

                                           ‫‪63‬‬
   68   69   70   71   72   73   74   75   76   77   78