Page 84 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 84
الأفلام التسجيلية والوثائقية
اربعا :قوالب الفيلم الوثائقي
خيا ارت الفيلم الوثائقي واسعة سعة الحياة ذاتها ،فقد ينتج عن توظيف عناصر الحركة والبيئة
والسلوك الروتيني للشخصية صورة مؤثرة ترمز إلى شكل من أشكال الظواهر الإنسانية ،وربما
تخفق أيضا إذا فقدت ناظمها السياقي لتكون مجرد ت اركم انتقالات مشهدية غير محسوبة ،الأمر
الذي يعيدنا إلى التذكير بأن بنية الفيلم الوثائقي تكمن في السياق المقترح لتوحيد العناصر
المتضادة في بنية مت اربطة ذات أبعاد جمالية دالة ،فالسينما والقوام الفيلمي عامة ،في نهاية الأمر
هو تكنيك جمالي ودلالي محض.
لذلك ،فإن عملا وثائقيا معاص ار يسعى إلى أن يكون إيقاعيا ومبتك ار سيحيد عن اختيار الطرق
السهلة التي تجره إلى منطقة النسخ الفوتوغ ارفي لمجريات الواقع ،ليعتمد على قدر كبير من
الصبر والترقب الحذر والتنبؤ الفني والقدرة على اصطياد الجوهري في حركة الحياة داخل سياق
ت اركم الصور والمشاهد والقضايا اليومية المألوفة.
وبالنظر إلى هذه الضرو ارت العملية والفنية تميل الأفلام الوثائقية إلى تهجين عملها بعناصر
مختلفة الأصول بشكل يخدم مادتها المصورة والوثائقية ويمنحها فرصة تحريك العنصر الواقعي
وترتيبه بقصدية معينة تخدم الهدف الذي تتطلع إلى تحقيقه في مضامينها ،لتكون أبعد من كونها
مجرد رسالة في سياق استخدامها الوثائقي ،بل رم از سينمائيا يخضع لخيا ارت التأويل الذهني
للصورة أو مضاعفة تأثيرها العاطفي.
ولكن في هذا الإطار ،هل يفقد الفيلم الوثائقي صفته وامتيازه البنيوي الأساس ،إذا ما اتسم بأناقة
متماسكة هي خاصية الفيلم الروائي غالبا؟
بالطبع ليس ثمة فروض ارسخة أو ثابتة يمكن اعتمادها دائما كحدود مقدسة لهذا النوع من
الأفلام التي تمرر درسها الجمالي للمتلقي من دون الحاجة لاستخدام الماكياج والمؤث ارت
الإضافية (صوتية أو بصرية) ،إنما ببلاغة صورتها التي تبدو مرهونة على الدوام بقدرتها على
استيعاب العالم من حولها وإعادة تشكيله تحت بآلة التصوير السينمائي أو التلفزيوني.
74