Page 82 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 82
الأفلام التسجيلية والوثائقية
-2الاتجاه الثاني ينظر إلى الواقع لا بوصفه هدفا بل كطريق للوصول إلى الهدف وهو التعبير
الفني عن الواقع من قبل الفنان ،ولكن من خلال مادة الواقع نفسه التي تُستخدم كوسيلة وليس
كغاية بحد ذاتها ،وأبرز منظري هذا الاتجاه هو المخرج دزيغا" فيرتوف" وكنت قد أشرت سابقا
إلى مثال مهم في هذا الصدد :عندما قامت إحدى الشركات السينمائية بتكليف أحد عشر مخرجا
من أحد عشر بلدا ،لعمل فيلم من إحدى عشرة دقيقة عن حادثة الحادي عشر من سبتمبر/
أيلول ،كل بمفرده وبحسب رؤيته للحدث ،تاركة لهم حرية الاختيار بحسب تجربة وحس وخلفية
كل مخرج الثقافية والتاريخية والفنية ،لتحديد شكل وأسلوبية فيلمه.
وهو أمر نجم عن تلاشي الحدود الفاصلة فنيا ،وتقنيا ،وجماليا بين مختلف الأنواع السينمائية من
ناحية ،وبينها وباقي الإبداعات الأدبية والفنية من ناحية أخرى ،وذلك تحت تأثير التداخل
الحاصل بين كل هذه الأنواع سعيا و ارء شكل فني بليغ ،يعبر أكثر من سواه عن أزمة الحياة
الإنسانية بسعتها وتنوعها ،ويقترب أكثر من لغة عالمنا المعاصر بكل ما ينتجه من مفاهيم
ورؤى ،تتكلم ذاتها في خطاب إبداعي جمالي يمتلك مصداقيته وف اردته وب ارهينه على محنة
الإنسان والعالم وسعادتهما المنشودة ،لذلك وفيما يتعلق بأشكال الأفلام الوثائقية يمكن القول:
-1لا حاجة لأن نبرهن أن في الفيلم الروائي اليوم قد ار من الوثائقية أو التسجيلية أو بالعكس،
مثلما نجد في الرواية أو القصيدة بنية سينمائية ناجزة والعكس صحيح أيضا ،يحدث هذا وفقا
لطبيعة نظام اللغة الذي يجعل الصور والكلمات نصا فنيا قائما بذاته ،هو حصيلة إعمال الخيال
والواقع معا ،سيما أن المادة الخام لمجمل الإبداع الإنساني هي تفاصيل الحياة الواقعية أو
المتخيلة ،يعاد تمثلها وصياغتها في شكل أدبي أو فني محدد لتعطي التأثير المطلوب.
-2بالرغم من أن الأفلام الوثائقية قد لا تتضمن تسلسلا منطقيا للأحداث المعروضة وتخلو من
عناصر الترغيب والتشويق كما أنها تنتقي من الواقع ما يناسبها ،إلا أنها تستطيع في الوقت نفسه
إنشاء د ارما حقيقية نابعة من الحياة ذاتها ،وذلك إذا ما توفرت على قدر من الحرفية والجمالية
في تناول الموضوع والعناية بنواحي الفكرة المعروضة التي تتطلب وضوحا فيما يرمى المخرج
إلى تحقيقه.
72