Page 83 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 83
الأفلام التسجيلية والوثائقية
يمكن لصانع الفيلم الوثائقي تجاوز فكرة إن عمله يعد تقري ار مكتوبا بلغة الكامي ار عن واقع يصعب
ملاحظة قيمته الجمالية من دون اقتطاعه وإب ارزه في شكل فني محدد ،أو أنه مجرد سياق فيلمي
يجب فقط أن يناصر الفكرة التي يعرضها على الشاشة أن يدرك أن أي واقع معطى لا يحدد
للفنان أسلوب المعالجة الذي عليه اختياره لبناء سينما خلاقة ،وأن التجارب السينمائية الحديثة
اليوم أثرت هذا النوع الفني وحطمت الانطباع القائل أن السينما الوثائقية في الغالب ،هي سينما
ذات نوايا حسنة تهدف إلى تحقيق منفعة عامة أو إنتاج قدر من الثقافة التعليمية أو الإخبارية أو
الايدلوجية ،باعتبارها تقدم أفلاما تخلو من قدرة الخيال الذي يكسبها صفة تشكيل الدلالات الفنية
والفكرية ذات السحر البليغ.
-4شكل الفيلم الوثائقي يتحدد بمواجهة المخرج للحدث الواقعي ،وفي مدى قدرته على تحويل ما
هو مألوف إلى عنصر إبهار ومدعاة تفكير ونظر ،عبر مزج الصور الواقعية المختلفة بأسلوب
يظهر ويوجد ويبني العلاقات والصلات بين وحدات لا متجانسة ظاهريا ،وحدات تنتمي أو تبدو
أنها تنتمي إلى أنظمة متباينة ،ويمكن إعادة صياغتها ووضعها في سياق جديد هو السياق
الفيلمي الفكري الجمالي بتعبير الباحث يوري لوتمان) ،المنفتح على غير المتوقع ،وإن كانت
مادته الأساس مستمدة من خامة التقريرية والمباشرة التي تطوق الواقع اليومي للبشر وتطغى على
ما سواها.
-5فرص الإبداع الوثائقي أصبحت متعددة ومتنوعة وكبيرة حتى وإن تخطى الفيلم المزمع
إنتاجه ،الأشكال والقواعد والمعايير التي حددها له كبار الوثائقيين في العالم كجريرسون وفلاهرتي
وبازيل اريت ،وآخرين بالاعتماد على الإمكانات التي أتاحها التطور التقني الكبير في مجال
الصناعات الاتصالية ،وأيضا التطور الحضاري الهائل الذي جعل من الممكن صياغة أي شكل
اتصالي ما دام يدركه الجمهور ويعيه ويتأثر به.
73