Page 76 - merit mag 36- dec 2021
P. 76
العـدد 36 74
ديسمبر ٢٠٢1
شريف صالح
تاريخ طويل من التفاهة
لديه هذه المشية التي يتمتع بها الجادون -1
الوقورون .كان يختفي لفترات من الحي خصو ًصا
بعد أن يقف في الساحة أمام مبنى المحافظة ويرفع شرح لنا مدرس التاريخ مبادئ ثورة يوليو الستة
ثم قال« :ثلاثة قضاء» و»ثلاثة إقامة».
لافتة ورقية« :القدس عربية».
يختفي ثم يظهر ويواصل طريقه الأبدي بالبيجامة أتذكر وجهه الأسمر وانحناءته الخفيفة ودفتر
التحضير الخاص به ،بغلافه البلاستيك وتقسيماته
المقلمة إلى كشك الجرائد ،ثم يعود وهو يتأبطها.
عندما ألتقيه صدفة مع أبي في المقهى كان يكلمني الملونة ،لكنني لا أتذكر هذه المبادئ أب ًدا .وجدت
بحماس ،ويتنبأ لأبي بأنني سأكون ذا شأن .لمجرد صعوبة في حفظها وكثي ًرا ما لخبطت بينها.
أنني أنصت إليه وأهز رأسي .في الليل ،حين أراه
من البلكونة وهو يسير وحده ،كن ُت أسرع لإطفاء «القضاء على الاستعمار وأعوانه»« ،إقامة حياة
ديمقراطية سليمة».
النور ثم أصيح عليه من أعلى:
ـ «يا بغل!» ابتسم الأستاذ عندما رفعت إصبعي« :هل
نجحت الثورة يا أستاذ في القضاء على الاستعمار
كان يتلفت حوله لثوا ٍن قبل أن يستأنف سيره
المعتاد .بينما أستلقي من الضحك لأنه مثل كل وأعوانه؟»
مرة ،تلفت باحثًا عمن شتمه .استمرت هذه اللعبة قال« :دي شعارات يا بطل ..تقدر تقول إنها قضت
السرية ،دون أن يعلم أب ًدا أن الذي يشتمه هو نفس
الصبي الذي كان ينصت إليه في المقهى باهتمام. على الاستعمار بس تركت أعوانه».
توقف ْت اللعبة تلقائيًّا بعد اختفائه من الشارع .هذا
الاختفاء الذي لم ألاحظه إلا بعد مرور سنوات -2
طويلة ،حين تذكر ُت فجأة أنني كنت أعرف كه ًل
يسير تحت المطر مرتد ًيا بيجامة مقلمة ،وكان كان جارنا من سن أبي .تعودت أن أراه عند كشك
الجرائد .في عز الصيف ،وتحت هطول المطر ،كان
يسير بالبيجامة المقلمة ونظارته العريضة ذات
الإطار الأسود.