Page 77 - merit mag 36- dec 2021
P. 77
75 إبداع ومبدعون
قصــة
ألقي نكتة أو أرقص على أغنية ،ضرب بالمطرقة يتلفت في كل مرة أصيح عليه من البلكونة« :يا
وقال لي« :طول عمرك تافه وما عندكش قضية». بغل»!
الأنا الأعلى قاض عدو الفرح .قل ُت لنفسي :لماذا -3
أقف أمامه مثل المتهم وأتركه يضربني على رأسي
أيام الجامعة خرجت في ثلاث مظاهرات ضد مؤتمر
بمطرقته؟ مدريد .ضد ضرب العراق .وفي ذكرى وعد بلفور
اخترت أن أعيش مع «الأنا السفلى» في بدروم شبه المشؤوم.
لا يشغلني كثي ًرا ولا قلي ًل سبب المظاهرة .كانت
معتم .كنا نجلس ونلقي النكات. بالنسبة لي احتياج جسدي .لابد أن الإنسان الأول
كان «الأنا السفلى» هو نفسه الرجل الأصلع، استمتع بفكرة القطيع .لذة أن تترك جسدك يلتحم
لكن ليس في يده مطرقة بل سيجارة حشيش كنا مع آخرين في مسافة حميمة .إلى اليوم ،العالم
نتبادل تدخينها م ًعا .وبعد أن نشرب عد ًدا كافيًا من يستمتع بأسراب الحشود مهما كان الدافع ه ًّشا.
هذا ما كن ُت أستمتع به ح ًّقا لأنني لا أعرف على
زجاجات البيرة كان يقول لي ماز ًحا: ماذا انتهى مؤتمر مدريد ولا ما هي بنود وعد
«طول عمرك تافه وما عندكش قضية» .يقولها لي بلفور المشؤوم.
بلا مطرقة ،وبطريقة مضحكة تجعلني أضحك معه خلال المظاهرة كانت تخترقني لحظة روحية
تدعوني للخروج منها ،عندما تقع عيني على
على نفسي. ردفين مرتفعين يرتجان بحماس أمامي في نشوة
المظاهرة.
-5 في العادة ،كل مظاهرات جامعة القاهرة كان
مسارها يتوقف أمام قبتها الشهيرة .أما أنا فكنت
الضحكة الوحيدة التي أطلق ُتها اليوم كانت بسبب أخترع لنفسي مسا ًرا وهميًّا وراء قبة من نوع
شاب اصطدم سه ًوا بعمود كهرباء .أضحك عندما آخر.
أرى رج ًل يتعثر وهو يهبط من الأتوبيس .أضحك
أترك وراء ظهري هتاف «الموت لأمريكا» واللحظات
لمرأى سيدة بدينة تطارد ل ًّصا على دراجة نارية المبهجة والتصفيق أثناء حرق العلم الإسرائيلي،
سرق حقيبة يدها .أضحك حينما يرفع سائق
لأكمل مساري الخاص وراء ارتجاج الردفين وهما
التاكسي إصبعه بإشارة بذيئة في وجه شرطي. يتحركان على يسار ويمين الحشود ،إلى أن تغادر
لا توجد نكتة تجعلني أضحك مثل رؤية الآخرين صاحبة الردفين بوابة الجامعة فتأخذني باتجاه
تمثال نهضة مصر .أو تستدير يسا ًرا إلى شارع
وهم يتعثرون إلى ما لا نهاية في نكتة اسمها
الحياة. بين السرايات .يمينًا إلى ميدان الجيزة.
هكذا تشكلت في داخلي تلك الحكمة السرية ،بأن كل
-6 المظاهرات العظيمة لا بد أن تنتهي بأرداف عظيمة.
في ميدان الجيزة ،سينما صيفية .نسي ُت اسمها -4
الآن .كن ُت أدخلها من شارع جانبي .كانت تعرض
أفلا ًما من أجواء السبعينيات لنيللي وميرفت أمين «طول عمرك تافه وماعندكش قضية!”
وناهد شريف .الحب والبحر والبكيني وما يكتبه هذا صوت الأنا الأعلى .كان لدي دائ ًما صعوبة
في استيعاب مثل هذه المصطلحات المعقدة .كن ُت
فريد الأطرش على أوراق الشجر ودبكة السيقان أتصور «الأنا الأعلى» مثل قاض أصلع متجهم
الجميلة حوله. يجلس على منصة وبيده مطرقة ضخمة ،إذا رآني
كان فيلم «الجبان والحب» عن حسن يوسف
الطالب المكافح في ظروف أسوأ مني بكثير ،إلى أن
وضع الرب في طريقه شويكار.
كانت شويكار تخون زوجها ،مع هذا الطالب الذي
أصبح طبيبًا ،ولا أعرف كيف كان مجته ًدا في طلب