Page 85 - merit mag 36- dec 2021
P. 85
83 إبداع ومبدعون
قصــة
فكرى عمر
جولات «أحمد عثمان» الليلية
البلدي ،وقد مالت نحونا .نور رائق كان يكلل ()1
هامات الأشجار الكبيرة في الأراضي ،وأعلى البيوت.
قابلت «أحمد عثمان» وأنا أعبر عتبة البوابة
أظنه نور بلا نار لشمس تتهيأ للرحيل ،أو رحلت الحديدية الخضراء في مدخل مقابر بلدتنا .نساء،
فع ًل منذ لحظات. ورجال عائلتنا كانوا يسبقونني بخطوات .رأيته
حين التفت للوراء إثر خبطات أصابعه المتتالية فوق
ناديتهم ،فلم يرد أحد .كانوا ينعطفون في الشوارع كتفي .كان يرتدي ُحلة صفراء فاقعة وبنطا ًل من
الجانبية بأقدام مهرولة .سيجتمعون بضع مرات الجينز يغطيان جسده الذي صار مستقي ًما ،وقد
أمام الأهل ،ثم سيتفرقون ،كل إلى وجهة يزور استطال وامتلأ بعض الشيء.
أصحابه .ابتسمت لأراوغ ،وأُلين عريكة العائد من برقت عيناه بألق المفاجأة مثلما برقت عيناي ،لكن
موته ،وأنا لا أعرف نواياه بعد .استجابت كفي بوميض الرعب.
اليمنى لكفه الممدودة؛ كي لا أجرح شعوره .ثم عادتنا كل عام في يوم وقفة عيد الفطر ،نجمع
بعضنا بع ًضا في العائلة؛ لنزور راحليها في المقابر
حدقت في وجهه ،وأفلت من لساني الكلام: من بعد العصر إلى وقت الغروب .كنا سنمر عليه
-لقد جئت إلى هنا أص ًل لزيارتك. في مقبرته أو ًل هذا العام ،باعتباره أحدث المتوفين،
لكنه سبقني بمجيئه المفاجئ أمامي الآن ،وهو
في وقفتي تلك ،كنت أذكر يوم شيعناه إلى مثواه يسعى على قدميه مبته ًجا ومتأل ًقا .لم يكن َث َّم نور
الأخير منذ عام .هو الآن أمامي بشحمه ،ولحمه، واضح للشمس خارج البوابة .كان ضوء اللمبات
وحياة تمرح برشاقة في جسده ووجهه الذي ازدان البيضاء الصغيرة المعلقة على قضيب الحديد الذي
جما ًل وخفة لم أعهدهما فيه حيًّا .صم ُّت مبته ًل إلى يمر طوليًّا أسفل المظلة الحديدية المطلية بالأبيض
الغيب أن يمنحني معجزة تنشلني من هذا الموقف، من باطنها ،والأخضر من ظهرها ،وأعمدة متوازية
مثلما وضعتني فيه دون تمهيد ملائم .قلبي يخفق وراءها أشجار العليق ،والجهنمية ،واليوكا ،والورد
خو ًفا ،ويدي تتفشى فيها برودة ،تكاد تشلها عن
الحركة ،وهي في راحته.
-أتعرف أنني كنت أحبك ،وأأتمنك على أسراري؛