Page 89 - merit mag 36- dec 2021
P. 89
87 إبداع ومبدعون
قصــة
-احمد ربك أنني لم أسمل عينيك اللتين كنت
تراقبنا بهما كمجنون .أنت منحط ،ولكنك مطيع.
نظرت لباب الحانة الذي كان موار ًبا :دخلنا
خافضين رؤوسنا ،فأظلمت الدنيا.
()5
كأنما هو لقاء حميمي مرتقب في صالة شقتي.
موتى العائلة يعانقون أحياءها .زجاجات المياه
الغازية كانت تكركر في الأفواه .قطع الشيكولاطة
تنحشر بين الأسنان البيضاء اللامعة ،بينما تترامى
الضحكات .تبرق العيون بالمحبة إثر كل كلمة تقال،
أو إثر كل وعد ُيتخذ .تتشابك الأصابع كل لحظة،
وتفرقع الكفوف المتضامة إثر نكتة جديدة .كأنهم
يبرمون صفقات لم تسعفهم الحياة لإنجازها ،أو
يباركون زيجات لم يحضرها أغلبهم.
طريح الفراش كنت .أفتح عيني كل حين ،وأحاول
الوقوف؛ لأستكنه حقيقة الأمر .كانت الصالة
مضاءة بلمبات ملونة تنعكس على خرزات الفساتين،
ووجه الجواكت اللامعة .لم تكن هذه ملابسهم
أثناء الحياة .إنهم مجموعة من صغار الحرفيين،
والموظفين ،وربات البيوت اللاتي تنجبن أطفا ًل
وتطلقهن في الشوارع ،والحواري دون أن يأبهن،
لا هم ،ولا آباؤهم ،بحاجاتهم .كأنهم بملابسهم
المهندمة تلك في حفلة تنكرية ،أو يمارسون دو ًرا في
فيلم ،والغريب أن ملابس كل منهم كانت لائقة بهم،
وبطريقتهم اللينة في الكلام .كأنهم خلقوا هكذا ،وما
كانت حياتهم الدنيا سوى حفلة تنكرية.
قوتي كانت مضعضعة ،بين التعب ،والألم ،والرغبة
في المعرفة ،وفي الهروب .حين رأوني بهتت الضحكة
على شفاههم ،ثم تلاشت ،والكلمة في إثرها .أما
الأجساد التي كانت تتحرك في كل اتجاه بسلاسة
فقد تضامت في جسد وحيد ،صار يتشكل أمام
عيني ،حتى استوى «أحمد عثمان» بهيئته الأخيرة
التي رأيته عليها قبل الحادث .هل كنت أهذي إذن
برؤاهم؟! كان هزي ًل في حياته بيننا ،لكنه كان
ممتلئًا بالحياة ،وبالفرح .كان قد اتفق وحبيبته على
الخطبة في أقرب وقت ،ثم سافر في زيارة ،ودهمنا
الخبر بعد ساعتين.