Page 90 - merit mag 36- dec 2021
P. 90
العـدد 36 88
ديسمبر ٢٠٢1
سمعة الراحل الطيب .لو ذهبت إلى الشيوخ، كان يضحك ويتجول في الشقة بسرعة غريبة ،وأنا
فسيطعنون قلبي بالنبوءات المخيفة عن اقتراب متعب في فراشي..
أجلي .لو حكيت لأحد فسيتهمني بالجنون ،وقد
يطلب مني أن يرافقني ليرى ،وأدرك أنه لن يرى، -لن أعفيك اليوم ،مهما كانت درجة حرارتك.
فقد عبرنا أمام أصحاب ،وناس بلا عدد ،وما رأى قبضته كقبضة العماليق ،وجدتني محمو ًل عليها.
أحدهم أي شيء .ذات ظهيرة ،وقفت أمام قبره ،بعد هبطت معه بأرجل مرتعشة من السقف إلى أسفل،
أن انتهى عزاء أحد متوفي البلدة ،مصو ًبا إصبعي دون أن نلجأ إلى السلالم .كأننا هواء ،بل إن الهواء
السبابة إلى الباب: نفسه لا يستطيع فعل ذلك .صرنا أكثر شفافية
-ماذا تريد مني يا ابن الـ..؟! وخفة من الهواء ،ثم عاد لنا جسدانا في الشارع،
ألم الداخل فوق ما ُيحتمل .هل أتهم متو ًف بتدبير
مؤامرة لي؟! إذا كنت أطلب منه س ًّرا ،فلم لا يكون فكنا نرتدي بذلات سوداء ،وأحذية لامعة ،وفي
الصبر ملاذي؟! المشكلة أنه تأخر لشهر كامل دون طريقنا إلى حفل.
أن أراه ،والأغرب أنني انتظرته بشغف ،ثم تلاه
شهر آخر ،واستولت عليَّ المشاغل ،فنسيت جرائمنا، -قم أنزل سكينة الكهرباء ،ثم أل ِق النار على ال ُفرش
وقلت :جزء بلا تفسير من حياة كاملة بلا تفسير. والستائر!
لماذا أتعذب بالجزء رغم أنني لا أ ُمسك بالكل أص ًل
في قبضة عقلي؟! ثم رأيته فجأة أثناء سفري لي ًل -لا يمكن أن أفعل ذلك.
بالقطار ،كان الصوت الرتيب للهدير والقعقعة أحسست سن خنجر في جنبي.
يقبضان على رأسي ،فيتركاني معل ًقا بين النوم
والسهاد .تجلت عيناي على مرآة. -أطع ،ولا تلوعني.
-أتفوز باللذة ،وتدفعني للجريمة؟!
-اتبعني. -أحتفظ لك بسر خطير .ليس هناك من لذة في
هيئته كانت تدل على واحد متعجل لمهمة .قفزنا من
الباب عندما هدأت سرعة القطار قبل المحطة بأمتار. الحياة أكبر من الحصول عليه.
عبرنا فتحة في سور ،دخلنا إلى شوارع وممرات، قلت لنفسي :ليس جوهرة من حجر كريم
سيمنحني إياها ،ولا أموال .هو يعرف أنني
وانزلقنا إلى جحور غريبة تضيق كلما تقدمنا ،ثم سأسأله في يوم ما ع ّما رآه بعد موته ،أنا الشغوف
وجدتني في ساحة .من الضباب ظهرت فتاة .من بالتنقيب عن كنه الحياة والموت ،والخائف من رحيل
الواضح أنها كانت معنا في كل خطواتنا؛ إذ وجدتها أبدي بلا عودة .هذا التميز الذي سأحتفظ به ،دو ًنا
تمشط شعرها بأصابعها ،وتشيل عنه خيوط عناكب عن البشر أجمعين ،حين أحصل منه على السر.
قابلناها في الممرات .فعلت مثلها ،لأجد يدي ملطخة حلمت أي ًضا بزجاجة أخرى من الخمر التي ما
ذقت أشهى منها .رميت النار على الستائر ،فأ َّجت
بدماء مع إحساس فجائي بألم هائل في جنبي. النار في القاعة ،ورأيتني أقفز من الشباك قبل أن
صرخت: يخنقني الدخان ،فهويت إلى أسفل بسرعة مجنونة،
-أنا أموت! وصرخت فز ًعا.
لا تخف! أنا معك .ها ها ها .اتبعني واصمت!
هدأ الألم مرة واحدة ،لكن الدم لم يختف ،والفتاة ()6
صارت تمشي بموازاتي وهي تحدق إل َّي بشفقة،
وربما بإعجاب .أنا متعب .أعرفها .رأيتها من قبل! صار «أحمد عثمان» بعد موته نه ًما للجنس،
معاق ًرا للشراب ،مراف ًقا لبنات ،وأبناء الليل ،ولم
-ألم نتقابل من قبل؟ تكن هذه عاداته أثناء حياته القصيرة ،بل أشك
-ألتقي بك هنا كل يوم ،لكنك تنساني. أنه اقترب أص ًل من الشراب ،أو رافق إحداهن في
يتكرر الأمر كل دقيقة .نعبر ممرات ،وكهو ًفا، ُعمر الفضيلة القصير الذي عاشه تار ًكا جميع آله
ومحبيه على جمر الوجع الذي لا يخف.
لو ُبحت بلقاءاتنا هذه ،فستتهمني العائلة بتشويه