Page 93 - merit mag 36- dec 2021
P. 93
91 إبداع ومبدعون
قصــة
أوقف ُت القلم مغتا ًظا .يا إلهي ماذا أفعل مع هذا
الإنسان! لكنَّي أنا المخطئ ،أجل ،أنا الذي ضاعفت
جرعة المديح والتقدير أكثر من اللازم ،سأحاول
مر ًة أخرى .وضعته أمام الباب مرة ثالثة ،واندفع
بنفس القو ِة فوضع ُت بيده ورقة الاستقالة ،ووقف
أمام المدير في ثق ٍة يقدم استقالته .سأله عن سبب
الاستقالة ،فقال في ثقة:
-جاءتني فرصة عم ٍل أفضل.
ارتفع صوت المدير:
-إذا كان هذا قرار َك فنحن طب ًعا لا نريد أن نقف
أمام طموحك يا «س» ،هاك استقالتك.
-شك ًرا يا سيدي.
وأسرع خا ِر ًجا .وقف ُت أتأمل المشهد القادم في ثقة،
وأمنّي نفسي بأنني استطع ُت أخي ًرا أن أغير تج ُه َم
هذا الإنسان ،وأن أخلق له من المصير ما يبدل
شعوره الذاتي .وعندما نزل أول سل ٍم رح ُت أتأمل
آثار بسم ٍة صغير ٍة تنبت على شفتيه فابتسم ُت.
ولكنني رأيتها سرعان ما تنمحي في عنف ،ورأيت
عبسته تزداد ،وسحاب ًة قاتم ًة تغطي جميع وجهه.
وجلس على السل ِم واض ًعا يده على خده ،صائ ًحا
كالنائ ِح:
-كم أنت أنان ٌّي حقير! ألا ترى سوى نفسك؟! ها
أنت قد حقق َت ما تطمح إليه طوي ًل واستقلت من
عملك الذي لا تحب ،ونلت حريتك المزعومة .لكن
ألم تفكر للحظ ٍة أنك قد تمضي شه ًرا بل شهو ًرا
لا تجد عم ًل يجزيك قدر ما كنت تأخ ُذ هنا من
الأجر أو حتى أقل قلي ًل؟! ألم تفكر للحظ ٍة من الذي
سيصر ُف على إخو ِتك الصغار؟! أأبوك الطاعن في
السن أم أمك قعيدة المنزل؟! ثم قل لي ،هل أنت
متأك ٌد أنك سوف تجد عم ًل تستريح فيه كما
تزعم؟! كيف تترك عملك الذي اعتدت عليه و َخ ُبر َت ُه
وعرف َت تفاصيله ،لكي تبحث عن عم ٍل لا تدرى
كنهه وتدعي أن ستكون فيه راحتك واستقلالك؟
ويحك ماذا فعل َت بنفسك!!
ثم وضع يديه على عينيه وأجهش بالبكاء .رح ُت
أتأمله طوي ًل وأنا أكاد أمو ُت عجبًا وأضر ُب ك ًفا
بكف! ثم وضع ُت قلمي أخي ًرا.