Page 86 - merit mag 36- dec 2021
P. 86
العـدد 36 84
ديسمبر ٢٠٢1
بقوة في عين ّي القلقتين. لذا اخترتك لترافقني في جولتي الجديدة؟
-هذا عهدنا وقد أخذناه .اتفقنا؟! أي سر باح لي به من قبل؟! لا أذكر .يتحدث بهدوء
لم أجب بـ :نعم ،أو لا؛ لأنه ذاب من أمامي في
وثقة؛ كونه يعرف أنني وحدي ،ولا أحد يروح
غمضة عين. ويجيء الآن؛ ليعبر البوابة ،فيرانا.
لأمتص ثقل اللحظة رددت:
()3
-تعرف أنني حزنت لفقدك أيما حزن ،كانت
كيف يمكن الإفلات من رؤيته؟ أصعب أيام حياتي.
هذا سؤال اليوم ،والأمس ،وأول أمس .بل هذا
سؤال أشهر مضت كنت أراه فيها في نومي ضاح ًكا ضحكة ساخرة رماها في وجهي .منيت نفسي أن
مستبش ًرا في المحطات ،والغرف ،وطاولات العشاء. يسمعنا أحد؛ لينقذني من ورطتي .صوب سبابته
لقاءات خفيفة تجدد الذكرى ،و ُتس ِّكن القلب قلي ًل.
أمام قبره وقفت ،بينما كنا نمضي من جنازة .في نحو صدري:
-دموعك تخصك وحدك ،مثلما تخص دموع
سري أتمتمُ :ترى أي شيء تخبئه لي؟! الآخرين أنفسهم .يكفيني موتي وقتها .ألا تفهم؟!
أسرعت في الخروج من البوابة ناد ًما .ألم داخلي. كأنه يطعنني بكلمة :ألا تحس؟! شيء من الخجل
أهمس لنفسي :أي جنون هذا الذي أفعله الآن وأنا
تسلل إلى قلبي .استسلمت.
فى جنازة آخر؟! كيف أتهم ميتًا بمؤامرة؟! تحولت هيئته فجأة في لحظات من البهاء إلى الذبول؛
مر أسبوعان .لا أسهر إلى عمق الليل .أمضي في فالانقراض إلى هيكل عظمي عا ٍر ،واق ٍف على قدمين،
شوارع مضاءة ،وبين أصحاب وناس كثيرين .كاد بعد أن تلاشت ملابسه ذرات رماد في الهواء .ربما
الموضوع يتلاشى ،في مشاغل الحياة وضغوطها
الهائلة تبدد قلقي ،حتى رأيته ورائي فجأة ذات كانت هذه إشارة لمقدم معجزة .فرحت لخلاصي،
ورأيته يتبخر من أمامي ،وأظلمت الدنيا.
ظهيرة ،وأنا أدفع قدمي اليمنى فوق الحاجز
الخشبي الصغير في مدخل جامعنا .إنها صلاة ()2
جمعة .على منبر خشبي منمق ،يقف شيخ الجامع
بجبة وقفطان غامقين .يتحشرج صوته بالوعيد. جاء اللقاء الثاني معه سري ًعا ومباغتًا ،قبل أن أفسر
لقائي الأول به .كان قد مر يومان على اللقاء الأول.
صحت: رأيته أمامي مسا ًء وأنا أفتح باب الشقة .هل يجرني
-من؟! أنت؟!
إلى فخ؟ مفزو ًعا صحت فيه:
رد غاضبًا: -أنت؟!
-أكلما رأيتني ُبخت في وجهي وأحرجتني؟!
مبتس ًما رمى ُطعم صنارته ،فانكمشت متحر ًجا
-آسف .لم أقصد. ومضطر ًبا.
صمت.
-نعم .أنا بشحمي ولحمي .ألا ترحب بي في
-ان ِه صلاتك ،واتبعني. شقتك؟
واض ًعا رقبتي بين ركبتي في الصفوف الأخيرة
جلست .تفتك الهواجس بيَ ِ .ل لم يرنا أحد من لم أتزحزح إلى الداخل وأنا أرد:
الناس؟! هل أستطيع الهرب منه بينما يترصدني -أه ًل وسه ًل .أي خدمة؟!
دون أن أراه؟! وهل صار «أحمد عثمان» مستهت ًرا
إزاء فروضه الدينية بعد موته ،وقد كان يحضنا -أه ًل ومرحبًا بك رفيقي الجديد.
-رفيقك إلى أين؟!
عليها دون أن يم ّل من ابتساماتنا؟!
تكاد ضحكة صغيرة تفلت من شفتي المضطربتين؛ لم أتذكر في هذه اللحظات أنه مات من قبل ،لكنني
تذكرت خوفي في اللقاء السابق ،وهذا الاكتئاب الذي
أمسك برقبتي ليومين كاملين ،حتى انتبهت إلى
ضغطة قوية من يده على كفي ،وهو يودعني محد ًقا