Page 57 - Jj
P. 57
55 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
لا يتبقى إلا أن نتحدث عن كاميرا الزهيري وعفوية الأرض) ،والمقصود الاستعانة بأشخاص يعانون
اللقطات التي -بالطبع -كانت مقصودة للتعبير عن من نفس الحالة العامة التي يتحدث عنها الفيلم ،ولا
حالة العبث العامة المسيطرة على الفيلم ،ولحظات نقصد بالتحديد حالة الفقر وإنما حالة التهميش،
الصمت التي تكررت وسط لقطات بعيدة ،ليجعلنا وإحساسهم بأنهم مجرد (ريش) وسط مجتمع جاف
نتعرف على مكونات الصورة ونفكر فيما تحتويها
من عناصر ،علاوة على بطء متعمد في المونتاج لتأكيد لا يعرف المشاعر .ومن هنا ولتقييم أداء الممثلين
الجو العام للفيلم ،ورتابة الحياة التي ينغمس فيها علينا أن نذكر أنه غير مطلوب منهم الإجادة التامة،
فالمخرج هنا لا يقدم لنا وجو ًها جديدة أو اكتشافات
أبطال (ريش). تمثيلية ومواهب لا نعرفها ،إنما الاستعانة بطاقم من
زوايا الكاميرا الذي استخدمها المخرج لم تكن عميقة، الأشخاص العاديين يساهم في التلقائية المطلوبة كفعل
كانت بسيطة ج ًّدا ومباشرة للحدث الذي يدور داخل ورد فعل .وهذا النوع من الاختيار عمو ًما في الأفلام
الكادر ،بعض اللقطات القريبة بدت وكأنها مفتعلة، يرسخ فكرة أن هذا الفيلم هو وجهة نظر المخرج
ولكنها هدفت إلى إظهار التناقض أكثر من إظهار بشكل كامل ،بدون إبداء رأي الممثل ولا إضفاء لمساته
القبح ،الزوج في بداية الفيلم وفي لقطة قريبة يهتم
الشخصية على الأداء ،وبالتالي ربما نجد تلقائية مع
بمسح قدمه من الغبار قبل ارتداء الجوارب ،الزوجة تلعثم بعض المشاركين في نطق كلماتهم ،وإن كانت
تلمع حذاءه المتهالك ،لقطة قريبة في نهاية الفيلم وهي تبدو طبيعية ،ولكنها جاءت أي ًضا معبرة عن حالة
الصمت والخرس المجتمعي وضعف لغة الحوار فيما
ترفع صوت التليفزيون القديم للدرجة القصوى
وكأنها لا تستطيع أن تصرخ وتريد أن يصرخ بينهم.
عالمها نيابة عنها ،لقطات لتكسير البيض بحوض
مطبخها بعدما نصحها الدجال ألا يأكلون دجا ًجا أو آخر أيام المدينة
بي ًضا ليستطيعوا استعادة الزوج ،لقطات دم يسال
داخل مطبخ مخدومتها وهم يذبحون لتجهيز وليمة،
وكأنهم يبذلون دماءهم في سبيل الحصول على لقمة
العيش ،ولقطة قريبة لتوضيح ما تحتويه شنطة
سيارة صديق الزوج وعبثية محتواها ،تعبي ًرا عن
عبث ما يدور بداخله من أفكار وقذارة ما في جوفه
من نوايا.
ينتهي الفيلم ولا تنتهي تجربة (عمر الزهيري) ،فهي
تجربة تستحق الإشادة ،ولا بد من الالتفات اليها،
لا بد من البحث عن الأبطال :دميانة نصار وسامي
بسيوني ومحمد عبد الهادي في تجارب أخرى،
ولا بد من الاهتمام بتجربة مسرح الشوارع التي
اختار المخرج أبطال فيلمه من أعضائها ،ولا بد من
الاهتمام بتعليمهم فن التمثيل والإلقاء ليستكملوا
مشوارهم الفني ،والبحث في شوارع مصر ومدنها
وريفها عن دميانة أخرى وسامي آخر ومحمد آخر،
ربما استطاع الفن أن يعيد الوعي لشوارعنا ومدننا
وقرانا.
فيلم (ريش) صرخة صامتة على شاشة السينما،
وعلى قدر خفتها لم نستطع احتمال ثقلها