Page 56 - Jj
P. 56

‫العـدد ‪35‬‬   ‫‪54‬‬

                                                     ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

    ‫بأن هناك إضاءة صناعية‪ ،‬ذلك يعني أن المخرج‬          ‫اكتشاف الزوجة للعالم الخارجي على شريط الفيلم‬
   ‫استطاع توظيف الإضاءة بالشكل الذي ساهم في‬          ‫جاء صاد ًما‪ ،‬مجتمع يرفض عمل المرأة ولا مانع لديه‬
  ‫إبراز فكرته‪ ،‬المشاهد مظلمة حينما نشعر بالظلام‪،‬‬     ‫من عمل الأطفال‪ ،‬صديق الزوج الذي بدا أنه يساندها‬
 ‫وضوء النهار طبيعي في المشاهد التي تم تصويرها‬
   ‫خلال فترة النهار‪ ،‬وإن كانت بعض المشاهد بدت‬            ‫ويقف بجانبها يصارحها بحبه ورغبته فيها منذ‬
  ‫وكأن هناك عاصفة غبارية محيطة باللقطة‪ ،‬إلا أن‬        ‫زمن وتحرشه بها‪ ،‬تكتشف المقهى الذي كان يرتاده‬
  ‫الجو العام للمكان الذي يحتل فيه المصنع المساحة‬     ‫زوجها وطاولة البلياردو التي تحدث مع أولاده يو ًما‬
‫الأكبر‪ ،‬ومداخنه تبث غبارها ليل نهار‪ ،‬فمن الطبيعي‬      ‫ما أنه سيجلب لهم مثيلتها‪ ،‬رجال يتراقصون بشكل‬
                                                       ‫عبثي على أنغام موسيقى أغنية (سواح)‪ ،‬يتناولون‬
                ‫أن تكون المشاهد الخارجية متربة‪.‬‬
  ‫يتضح على شريط الفيلم أي ًضا أن الحوار مقتضب‬             ‫البيتزا والهامبورجر والبطاطس كما المجتمعات‬
                                                         ‫الرأسمالية‪ ،‬وتأكي ًدا لحالة العبث تعود تطلب من‬
    ‫ومنقوص‪ ،‬تلك الحالة مقصودة من المخرج كون‬          ‫صديق الزوج ‪-‬الذي لا تروقها نظراته‪ -‬أن يساعدها‬
 ‫اللغة هي الوسيلة التي نستطيع أن نفهم بها بعضنا‬          ‫في الحصول على عمل بعد أن تم طردها من بيت‬
                                                       ‫مخدومتها الثرية لأنها سرقت بعض اللحم والجبن‬
   ‫البعض ونتواصل بها مع الآخرين‪ ،‬ولأنه مجتمع‬           ‫لأطفالها‪ ،‬ليقدمها لصاحب محل بيع أدوات صحية‬
  ‫فاقد للوعي نجد أن مساحات الحوار بسيطة ج ًّدا‪،‬‬
   ‫لا مناقشات ولا جمل خبرية أو استفهامية‪ ،‬ردود‬                              ‫لتعمل لديه عاملة (نظافة)‪.‬‬
‫الفعل كلها تكاد تكون بطيئة كأننا أمام مجتمع بدائي‬         ‫تكتشف نفسها وتعرف أن هذا العالم لا يعترف‬
   ‫ينقصه الكلام‪ ،‬ولا توجد بين أفراده حوارات ولا‬        ‫بالصمت ولا بالعيش في سلام واستكانة‪ ،‬لا بد أن‬
  ‫تفاهمات‪ ،‬لدرجة أننا لم نسمع للزوجة أي رد على‬        ‫ترفض فكرة الزوج الدجاجة‪ ،‬لا يوحد في هذا العالم‬
‫زوجها إلا ربما مرة واحدة (حاضر أو ماشي)‪ ،‬على‬               ‫من يستطيع أن يحولنا لدجاج‪ ،‬نحن من ندجن‬
  ‫حين نجد لها جم ًل مسموعة حينما خرجت للعالم‬             ‫أنفسنا بالصمت والسكوت وعدم الصراخ‪ ،‬تقدم‬
‫الخارجي وأصبحت تتفاعل مع المحيطين بها‪ ،‬الحوار‬        ‫الطعام للدجاجة من تحت الباب لترفض كونه زوجها‬
 ‫كان معب ًرا عن مدى تطور شخصية الزوجة‪ ،‬فيصل‬             ‫ولا بد من إطعامه على فراش الزوجية ليعود إليها‬
                                                     ‫كما فهمت من المشعوذ‪ ،‬تتحول نظرتها لتلك الدجاجة‬
     ‫لذروته مع نهاية الشريط وهي تصرخ في وجه‬             ‫وسط نفس حالة الجمود التي تعتريها‪ ،‬وتقرر أن‬
       ‫زوجها الراقد على الفراش مري ًضا بلا حراك‪.‬‬      ‫تطعمه كدجاجة وأن تذهب لقسم الشرطة وتبلغ عن‬
                                                     ‫فقدان زوجها ليجدوه مغيبًا هار ًبا مشر ًدا لا يعرفون‬
    ‫للحديث عن الأداء التمثيلي لطاقم العمل يجب أن‬           ‫اسمه‪ ،‬وسط نفايات بشرية لا يتكلم‪ ،‬كومة من‬
      ‫نتطرق إلى فهم تجربة المخرج (عمر الزهيري)‬       ‫النفايات تستلمها منهم في مشهد عبثي آخر ليسلموه‬
     ‫عن طريق استعادة تجارب المخرج (كريستوف‬              ‫لها خارج نقطة الشرطة ويتركوه لها على الأرض‬
   ‫كيشلوفيسكي) ‪-‬الذي بالمصادفة احتفل مهرجان‬
    ‫الجونة في دورته الخامسة بمرور ‪ ٢٥‬عا ًما على‬                                     ‫كومة لا قيمة لها‪.‬‬
      ‫وفاته‪ ،-‬حيث أخرج عام ‪ ١٩٧٩‬فيلمه الروائي‬            ‫تعود بزوجها للمنزل وتقوم بعلاجه وتصرخ في‬
   ‫الطويل الأول (العمال) باستخدام عمال حقيقيين‬         ‫وجهه ليتحدث‪ ،‬وتثور عليه وتضربه على وجهه في‬
 ‫من المصنع الذي عبر عن إضرابهم في فيلمه‪ ،‬وأعاد‬         ‫صفعات متتالية لينطق بالحقيقة‪ ،‬وبالطبع لا ينطق‪،‬‬
‫التجربة عام ‪ ١٩٨١‬في فيلمه (الندبة) حيث صور فيه‬       ‫لتتركه داخل غرفة الزوجية وتغلق شباك منزلها من‬
  ‫إضراب واعتراض سكان مدينة صغيرة في بولندا‬              ‫التلوث في الخارج وتذبح الدجاجة‪ ،‬وتقوم باعداد‬
‫على إنشاء مصنع ملوث للبيئة في بلدتهم‪ ،‬بالتالي فإن‬     ‫الطعام لأولادها بعدما دفعت ما عليها من ديون من‬
 ‫تجربة (عمر الزهيري) في الاستعانة بأشخاص من‬
‫العامة غير مشهورين في مجال التمثيل لم تكن فكرة‬                                                ‫عملها‪.‬‬
   ‫وليدة في الأفلام الروائية الطويلة‪ ،‬وهذا الاختيار‬     ‫الإضاءة على شريط الفيلم تعتبر من الأدوات التي‬
      ‫يطلق عليه (‪ )Grass Root‬أو كما نقول (ملح‬        ‫استخدمها المخرج بشكل رائع‪ ،‬حين لا يشعر المتفرج‬
   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61