Page 51 - Jj
P. 51
49 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
وعن التباس مفهوم ما يسمى بـ»رسالة الفن» في احنا بنحارب الفقر وبنقضي عليه ولسه حنطلع
أذهان الكثيرين منا ،بل وحتى ممن ينتمون للحقل أفلام بتتكلم عن الفقر؟».
الفني نفسه .فلقد أظهرت اعتراضات شريف منير
والآخرين على فيلم ريش ،والتي من المدهش أنها لا ثم ألقى منير قنبلته الكبرى التي عبرت بطلاقة عن
تختلف كثي ًرا عن اعتراضات الكثيرين من مستخدمي تشوش مفهومه عن الفن ،فقال :أنا عايز بس من
السوشيال ميديا من غير الفنانين أو المثقفين ،هذا
الكم الهائل من نظريات المؤامرة البلهاء التي يموج المخرج يطلع يقوللي أنا عملت الفيلم ده علشان واحد
اتنين تلاتة! مما اضطر أديب -وهو ليس أفضل
بها العقل المصري ،فالكثيرون يعزون السبب في من يتحدث دفا ًعا عن الفن -لأن يوضح له أن ما
حصول الفيلم على جائزتي مهرجان كالجري وكان، يقوله لا يمت للفن بصلة ،إذ إن الفن لا يشرح بل
ليس لما رآه فيه النقاد من جوانب فنية وتقنية ،بل تظل العهدة على المتلقي أن يتذوقه أو لا يتذوقه ،وأن
لأمر غريب عجيب وغير مفهوم أو مبرر بالمرة ،ولكن تذوق العمل الفني السينمائي لا يختلف كثيًرا عن
تذوق تمثال أو لوحة فنية أو مقطوعة موسيقية،
يمكن تلخيصة بالرغبة الدفينة لدى جهات بعينها لأن التذوق أمر شخصي بدرجة كبيرة -ويحسب
في تشويه سمعة مصر تحدي ًدا ،وكأن هذه القوى
الخبيثة قد تكبدت عناء أن تسحر عقول نقاد هذه لأديب إدراكه لتلك البديهيات الفنية التي لا يبدو أن
المهرجانات بالتنويم المغناطيسي مث ًل ،أو أن ترشي محدثه “الفنان” يعلم عنها شيئًا! -فكان رد منير
لجان تحكيمها لكي يمنحوا الجوائز لفيلم ريش فقط
نكاية بمصر وتشوي ًها لسمعتها ،وكأن مصر تشكل أن الأمر يختلف ،إذ إن الأعمال الفنية مثل اللوحات
تهدي ًدا وخط ًرا جسي ًما على العالم ،ولذلك يتكالب والصور وأعمال النحت أو حتى
الموسيقى ،لا تحمل رسالة! بينما
عليها الجميع لا يريدون إلا تدميرها وإفشالها. لا بد للعمل التمثيلي الذي ُبذل فيه
ك َما كشف حديث منير أي ًضا عن هذا اللبس الشديد مجهود كبير من سيناريو وحوار
وتصوير وإخراج ..إلخ ،أن يحمل
لدى قطاع كبير من الشعب المصري حول مفهوم
«رسالة الفن» ،والشعب في الحقيقة ليس إلا ضحية رسالة! وأردف أنه يصر أن
للإعلام الموجه وللأفلام والمسلسلات الدعائية التي يعرف ما هي رسالة هذا الفيلم؟!
ربي عليها ونشأ ،مثل مسلسل رأفت الهجان وغيره
والتي ر َّسخت في وعيه الجمعي أن للفن رسالة لا والحقيقة أن من حق شريف
محالة ،وأن هذه الرسالة هي -على ما يبدو -دعم منير وغيره ألا يعجبوا بالفيلم
وأن ينتقدوه وأن يهاجموه وأن
الدولة والوطن عن طريق إبراز كل ما هو جميل ينسحبوا كذلك من العرض،
وإيجابي وبراق ،وإخفاء كل ما من شأنه تعكير ولكن ليس من حقهم توزيع
صفو الصورة الرائعة ،حتى وإن تطلَّب الأمر دسه
الاتهامات البلهاء بتشويه
تحت البساط والتعامي عنه. سمعة مصر ولا التلميحات
ولأنهم يؤمنون أن «رسالة الفن» المزعومة ما هي بالعمالة وما شابه ،والحقيقة
إلا إظهار الجمال والأناقة والتألق والشموخ ،فهم أي ًضا أن هذه المحادثة العبثية
-بطبيعة الحال -يميلون للأعمال الفنية التي يتم بين شريف منير وعمرو
تصويرها في فلل التجمع ومولاته لتظهر هذا الجانب أديب ،وكذلك اتهام أي عمل
«الإيجابي» من مصر ،إذ على العمل الفني بالنسبة فني بتشويه سمعة مصر
أو أي دولة أخرى ،تكشفان
لهم أن يعمل ضمن خطة أو مجموعة توجيهات
تهدف إلى تجميل الواقع وبروزته قبل تقديمه للناس بشدة عن عمق الفجوة
الحضارية بين من يفترض
ليتجرعونه كقرص الدواء. أن يكونوا نخبتنا ومثقفينا
وبين العالم أجمع،