Page 49 - Jj
P. 49

‫‪47‬‬                  ‫إبداع ومبدعون‬

                    ‫رؤى نقدية‬

‫فبالرغم من أن إطالة مشاهد القبح والبشاعة قد‬                        ‫ومثل هذا الفيلم قد يصيبه بالشلل‪ ،‬وهناك من‬
                                                                 ‫يفضل مشاهدة ممثلين محترفين يؤدون مشاهد‬
‫تفسر باستهدافها لاستفزاز مشاعر المشاهد لأقصى‬                    ‫إبهارية ويلعبون مباريات تمثيلية ساخنة يشترك‬
                                                             ‫فيها الحوار الملتهب مع دموع العين وقسمات الوجه‬
‫مدى‪ ،‬فإن الإطالة في مشاهد أخرى لم تضف للفيلم‬                 ‫وتعبيراته ومكياجه وباقي عناصر المشهد لخلق الجو‬
                                                                ‫الدرامي الفني الممتع بالنسبة له‪ ،‬بينما شخصيات‬
‫إلا الرتابة والملل‪ ،‬وكان يمكن التخلي عنها بسهولة‬             ‫هذا الفيلم كئيبة بائسة معتمة‪ ،‬كما أن حواره مبتسر‬
    ‫لجعله أقل طو ًل وإرها ًقا لأعصاب المتفرج‪.‬‬                 ‫ومختزل بشكل متعمد‪ ،‬وذلك ‪-‬طب ًقا للمخرج‪ -‬لكي‬
‫وقد بدأ الفيلم بما يمكن أن يعد خل ًل منطقيًّا‪ ،‬إذ نرى‬         ‫يفسح المجال للتركيز على أمور أخرى‪ ،‬وهناك أي ًضا‬
‫أسرة تعيش أقصى درجات الفاقة التي لا نستطيع‬                      ‫من لا يطيق أفلام المهرجانات من الأساس ويراها‬
                                                               ‫سخيفة ومملة وينقصها عنصر الإثارة والتشويق‬
‫الادعاء أنها غير موجودة بمصر‪ ،‬فنرى الزوج يعطي‬                  ‫اللازمين لنجاح أي عمل فني‪ ،‬وهناك من سيسألك‬
‫الزوجة قلي ًل من المال ويخبرها أنه لشراء الباذنجان‬              ‫في صراحة محرجة‪ :‬متى كانت آخر مرة شاهدت‬
                                                                 ‫فيها أحد هذه الأفلام؟ لأنه يعلم أنك مثله تفضل‬
‫الذي سيكون غذاءهم الوحيد طوال يومين‪ ،‬ولكن ما‬                    ‫أفلام هوليوود‪ ،‬وهناك من سيكره الفيلم لأسباب‬

‫إن يك ِّون المشاهد هذه الصورة الذهنية البائسة حتى‬                 ‫طبقية تتعلق بالقرف والتقزز من مشاهد الفقر‬
‫يصدمه المخرج بمشهد مختلف كثي ًرا عن سابقه‪،‬‬                         ‫وحياة الفقراء‪ ..‬إلخ‪ ،‬ولكن على العكس من كل‬
 ‫تجد فيه نفس هذا الزوج يقيم احتفا ًل بمناسبة‬                     ‫هؤلاء فهناك أي ًضا من يق ِّدرون مثل هذه الأفلام‬
                                                                ‫حق التقدير‪ ،‬ومن لديهم القدرة على الغوص ربما‬
‫عيد ميلاد أحد أبنائه‪ ،‬يدعو فيه الأهل والأصحاب‬                 ‫إلى طبقات أخرى أو أبعاد أعمق داخل أحداث العمل‬
                                                                 ‫الفني‪ ،‬ليستطيعوا رؤية كيف تم نحت كل مشهد‬
‫متَّسا ِسحًقاًرامع‬  ‫الحلويات‪ ،‬كما يستأجر‬     ‫للرقص وتناول‬     ‫بعناية لكي يرسل هذه الفكرة أو يعطي ذلك المعنى‪،‬‬
                    ‫وخلافه‪ ،‬وهو ما لم يب ُد‬  ‫لتسلية الأطفال‬  ‫وهناك أي ًضا من يرون بدورهم أن كل ما يراه هؤلاء‬
                                                                ‫الأخيرين هو محض هراء وأوهام‪ ،‬وهكذا دواليك‪.‬‬
                    ‫حالة الفقر المدقع السابقة‪.‬‬                    ‫وكل ما سبق ذكره بالمناسبة هي آراء مشروعة‬
                                                              ‫تما ًما ومرحب بها تحت سماء الفن‪ ،‬لأن الفن يتسع‬
    ‫وبرغم أن فكرة الفيلم الرئيسية تتمحور حول‬                 ‫للجميع طالما اتفقوا على حتمية اقترانه الأبدي بحرية‬

‫فقرة الساحر الذي استبدل دجاجة بالزوج؛ ثم‬                                               ‫التعبير وحق الاختلاف‪.‬‬
                                                                     ‫أما أنا فقد تركني الفيلم في حيرة من أمري‪،‬‬
‫اختفى الزوج بالفعل وظلت الدجاجة مكانه‪ ،‬وهو ما‬                     ‫فبالرغم من أنني لست ممن يستسخفون أفلام‬
                                                                ‫المهرجانات بشكل عام‪ ،‬وإن كنت أستوعب أسباب‬
‫حمل البعض على وصف الفيلم بكونه فنتازيا‪ ،‬فإن‬                      ‫اعتراض الكثيرين عليها‪ ،‬فإني لا أستطيع الزعم‬
                                                                   ‫بأني استمتعت برؤية فيلم ريش‪ ،‬أو على الأقل‬
‫تنفيذ هذا المشهد قد تم بلا أي درجة من الحبكة أو‬                  ‫ليس بقدر استمتاع أعضاء لجنتي مهرجان كان‬
                                                                 ‫وكالجري الذين منحوه جائزتين مهمتين‪ ،‬فلد َّي‬
‫الإتقان‪ ،‬وهو ما قد يكون مقصو ًدا‪ ،‬فقد تعمد المخرج‬              ‫بعض التحفظات الأساسية على الفيلم‪ ،‬منها ما هو‬
‫‪-‬في اعتقادي‪ -‬أن يوضح للمشاهد أن هذا الساحر‬                   ‫تقني من ركاكة بالأداء ومن اختزال للحوار يقال إنه‬
                                                              ‫مقصود‪ ،‬ومنها تعمد إطالة معظم المشاهد بلا هدف‬
‫ليس حقيقيًّا ولا يستطيع الإتيان إلا ببضعة حيل‬                 ‫واضح وبشكل يتحدى قدرات المتابع على الاحتمال‪،‬‬
‫ركيكة ساذجة‪ ،‬ومن المستحيل أن يكون قد ح َّول‬
‫الزوج إلى دجاجة أو غيره‪ ،‬ولكن بسبب الاستغراق‬

‫في الجهل والخرافة فقد صدق الجميع أن الزوج‬

‫قد تم استبداله بالدجاجة وظلوا يعاملونها على أنها‬

‫الزوج‪ ،‬بينما قد يكون الزوج هو من دبر المشهد كله‬

‫بمساعدة الساحر ليهرب من تلك الحياة البائسة‪،‬‬

‫خاصة أن الزوج قد ظهر مرة أخرى في مرحلة‬

‫لاحقة بنهاية الفيلم‪ ،‬ولو صح هذا التفسير لخرج‬

‫بالفيلم تما ًما من دائرة الفنتازيا وعاد به إلى أرض‬
                          ‫الواقع القح بامتياز‪.‬‬

‫الفيلم أي ًضا مفعم بالرمزيات والرسائل المشفرة التي‬
 ‫ُو ِّفق بعضها كثي ًرا‪ ،‬وخاصة بالاستفادة من زوايا‬
‫التصوير وخفوت الإضاءة‪ ،‬في نقل مدى ديستوبية‬

‫الصورة إلى أذهان المشاهدين‪ ،‬مثل مشهد دخان‬
   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54