Page 52 - Jj
P. 52
العـدد 35 50
نوفمبر ٢٠٢1
المسكين القادر على كسب تعاطف الناس ،إذ عمرو أديب تشارلي تشابلن
اجتمعت فيها البساطة ورقة الحال وكذلك التهميش
نموذج دميانة نصار
الثقافي والاجتماعي والديني ،كل هذا بالإضافة
للتباين الملحوظ بين طلتها البسيطة في المهرجان ما لفت انتباهي ح ًّقا -بخلاف الفيلم -فهي تلك
وبين الطلات المعتادة المعتمدة أسا ًسا على البهرجة الحفاوة التي استقبل بها كثيرون السيدة دميانة
والإبهار ،وكله ساهم في خلق صورة الأندردوج نصار التي أدت دور الزوجة المطحونة ،وهي لا
التي يهواها البشر ويتعاطفون معها تعاط ًفا تلقائيًّا،
وأحيا ًنا هستير ًّيا ،وهو ما يمكن تعزيته لعدة أسباب ترجع كلها في رأيي لأسباب فنية تما ًما ،كون
منها ما هو غير منطقي ومنها ما يمكن استيعابه قدرات السيدة دميانة التمثيلية لم تختبر فعليًّا من
تما ًما ،مثل التعاطف البشري الطبيعي مع المظلوم
والرغبة الملحة في إماطة الظلم وفي إقامة العدل ..إلخ. خلال مشاهد هذا الفيلم ،بل لم تكن دميانة -في
ولكن ربما على رأس تلك الأسباب المنطقية كون هذا أغلب الأحيان -أكثر من أداة طيِّعة في يد المخرج
النموذج يشكل إلها ًما وداف ًعا شخصيًّا للسير إلى بلا شيء تضيفه بالذات ،كما بدت حداثة عهدها
الأمام بالنسبة لهؤلاء البشر ،مما يدفعهم للتماهي بالتمثيل واضح ًة في أدائها شبه المرتبك لبعض
معه وتمني نجاحه ،إذ إن نجاح الأندردوج يمنحهم المشاهد ،ولذلك أرى أن تلك الحفاوة الكبيرة قد
الأمل في أنهم ،مثل دميانة ومثل كل مستضعف تعود لأسباب تتعلق أكثر بسيكلوجيتنا كبشر عن
يصر الحظ دو ًما على معاندته ،يمكن أن تبتسم لهم القدرات التمثيلية لأبطال الفيلم ،إذ تمثل دميانة
الحياة يو ًما ،لكي يخرجوا أخي ًرا من وسط الركام نموذ ًجا محبَّبًا ج ًّدا لدى قطاع كبير من البشر من
كل الثقافات والخلفيات ،ألا وهو نموذج «الأندردوج»
وليصبحوا أبطا ًل ومشاهير. ،Underdogالذي خلده الفنان العظيم تشارلي
تشابلن في بداية مشواره الفني بشخصية الصعلوك
خاتمة المستضعف المهمش أو ،The Trampولا شك أن
دميانة ،التي كانت تؤدي في فيلم ريش دو ًرا ليس
وأخي ًرا نعود لمسألة رسالة الفن التي يعتقد البعض ببعيد عن دورها في الواقع ،هي أي ًضا هذا الصعلوك
أنها لا تخرج عن الاحتفاء بالجمال وإبراز الإيجابيات
وإصلاح المجتمع وتجميل الواقع ،بينما رسالة الفن،
إن كانت له رسالة ،ليست أب ًدا في الخطب الحماسية
الموجهة أو الإبراز الفج لجمال الأشخاص والماديات،
بل في أن يكون هو نفسه جمي ًل ،وأن يكون ممت ًعا
ومتقنًا وصاد ًقا ومتفر ًدا ومعب ًرا عن مشاعر حقيقية،
أو -باختصار شديد -أن يكون فنًّا ،وهو ما حاول
فيلم ريش عمله جاه ًدا فنجح أحيا ًنا وجانبه التوفيق
أحيا ًنا أخرى ،ولكن تظل حسنته الكبرى أنه ألقى
حج ًرا في بحيرة الفن المصري الراكدة ،وأعطى
أهل مهرجان الجونة ورواده ومحبيه مادة خصبة
للتفكير والتأمل بعي ًدا عن احتفاليات الافتتاح والجدل
العقيم حول فساتين الفنانات وما شابه من صغائر
الأمور