Page 61 - Pp
P. 61
شعرها نازلة على الوجه والرقبة ،كانت بقدمين حافيتين ،وقد
أبرز ما عليها من ثياب سوداء جمال بياض وجهها ،نور على نور.
رفعت القارئة صوتها عندما أتت في حديثها للموقف التاريخي
الحزين وقد سقط فيه بعض آل البيت قتلى بسيوف أعداء الله
والدين الحنيف من المشركين والكفار ،فصاحت النسوة المتأثرات
من اللوعة والحرقة والأسى والضيم ،كل صرخة هي آهة طويلة
لكنها عالية ،فصاح هادي معهن كما لم تصح أية من اللاتي صحن
(يبوووه) ،خرجت منه رفيعة من َّغمة ،طويلة وممتدة وسلسة وما
مسكها قيد ،وصلت الصرخة ربما إلى الجار السادس ،فقالت
المرأة التي بجواره والتي هي أمه :على مهلك يا أم حسن ،على
مهلك يا أم حسينة ،قد تتقطع أوتارك الصوتية بصيحة مثل هذه،
وأنا أخاف على أوتارك الصوتية ،لا تك ِّرري مثلها أرجوك لأجل
حسن وحسينة ،لأجل شبابك وحسنك وجمالك ،لأجل راعي
بيتك ،لا تك ِّرري مثلها.
**
بعد يومين أو ثلاثة سألته أمه عن عباءتها التي وضعتها في
درج الخزانة ،قالت :أشعر كما لو أن هناك أحد ما لبس عباءتي،
فأنا أشم فيها رائحة شخص ما لبسها وتع َّرق كثي ًرا ،أنا متأكدة
أني وضعتها في الدرج نظيفة ومكو َّية ،ألا تعلم يا هادي من
أخرجها من خزانتي؟
كان هادي حينها منشغ ًل بتلميع حذائه بلونيه الأسود
والأبيض ،قال:
-يا أمي ،ما أنا بساحر لأعرف من فتح خزانتك وعبث
بمحتوياتها! صحيح أني أملك حاسة سادسة وأعرف من خلال
61