Page 101 - merit 36- dec 2021
P. 101

‫نون النسوة ‪9 9‬‬                                            ‫مقاسها هي‪ ،‬عن طريق بصيرة رومانسية تلوذ‬
                                                        ‫بالخيال لتجعل منه مادتها الخام الذي عن طريقه‬
     ‫المكان الموحش إلى جنات‪ ..‬وبعد هذا الإعلان أو‬       ‫تنتقي وتنظر ثم تعيد النظر‪ ،‬وبعدها تخلق وتنفخ‬
      ‫اللافتة المطولة التي تحدد فيها الشعرية آليات‬      ‫الروح فيما خلقته‪ ..‬تبدأ الشاعرة ديوانها «أصابع‬
   ‫عملها‪ ،‬تبدأ في القصيدة الأولى «قداس الماء»‪ ،‬وفي‬     ‫مقضومة في حقيبة» بإعلان شعري يحدد منهجها‬
      ‫الجملة الشعرية الأولى منها «بينما لا أزال في‬
   ‫سريري رأيتني في وسط النيل بالضبط»‪ -‬الأخذ‬                        ‫ورسالتها وطريقها وطريقتها فتقول‪:‬‬
   ‫بأيدينا نحو التخييل وغمسنا فيه حتى نستوعبه‬                               ‫«هذا حج ٌر في طريق العثرة‬
    ‫بدي ًل كام ًل عن هذا العالم‪ ..‬إنها ترسم كونها في‬
    ‫صفحاتها‪ ،‬في قصيدتها بالذات‪« :‬تداعبني بلاغة‬                            ‫ترتطم به امرأة تركل المسافة‬
 ‫الصفحة البيضاء‪ ،»..‬ثم يزداد يقين القدرة الأنثوية‬                       ‫تسحب سقف العالم في حجرها‬
 ‫التي تستعيد عنفوانها المتجدد على الدوام‪ ،‬يقينها في‬
                                                                                      ‫لا تكترث سوى‬
          ‫إرادتها الحرة التي سترى دو ًما ما تريد‪:‬‬                         ‫للسناجب ُت ِع ُّد مؤونة الشتاء»‬
                        ‫«كانت السماء قريبة والله‬        ‫حيث نلتقي هنا بالبطل المهيمن الذي هو امرأة‪ ،‬لا‬
                                                       ‫َتعت ُّد كثي ًرا بالالتقاء المباشر مع العالم‪ ،‬بل تستبدله‬
  ‫قريبة بما يكفي لأد َّس وراء زرقتها أسماء عشاقي‬         ‫بسحب هذا العالم إليها ومراقبته على مهل‪ ،‬ومن‬
                                       ‫القدامى»‬          ‫َث َّم إعادة تفكيكه ثم صياغته من جديد عن طريق‬
                                                      ‫رفده بالخيال الجامح الذي ينتقل بحرية بين الزمان‬
 ‫ليتم اكتمال رؤيتها الأنثوية الخاصة‪ ،‬فبعد أن تمت‬                 ‫والمكان والأساطير والحكايات وال ِشعر‪:‬‬
   ‫إزاحة الكون خارج البيت‪ ،‬كانت عملية استعادته‪،‬‬
    ‫بعد إعادة صياغته‪ ،‬تتم عن طريق الفن وال ِشعر‬                              ‫«للمرة التسعين بعد الألف‬
                                                               ‫تمشط شعرها في اليوم ثلا ًثا وثلاثين مرة‬
‫بالذات‪ ،‬حتى ظهر أن الكون في حقيقته‪ ،‬وأن الفن في‬
   ‫سره الأسمى‪ ،‬هو الحبيب والحبيب فقط‪ ..‬ليصير‬                                          ‫كل مرة بقصيدة‬
  ‫الكون كله رجل وامرأة‪ ،‬حران في الزمن‪ ،‬تحملهما‬                  ‫وترقص حتى يذوي الليل لما يجن التعب‬

 ‫الأساطير وتحلق‪ ،‬ويخترقان الزمان والمكان بإرادة‬                            ‫أو تعود ذات الرداء الأحمر»‬
 ‫عشقهما الموار‪ ،‬وأجنحتهما النشطة دو ًما‪ ،‬الذين هم‬         ‫إنها امرأة تقاوم حاجتها للبشر باستدعاء أجمل‬
                                                         ‫ما فيهم‪ ،‬وتنتصر على الوحدة بالفن الذي يحول‬
       ‫وسائل هذا الخيال الذي لا تحد قدرته قدرة‪:‬‬
    ‫«تعا َل فمن الجائز أن ُنع َتق من خراب العالم تلك‬

                                           ‫المرة‬
               ‫كجناح ْين فتيين ولا يعوزنا فضاء»‬
     ‫إذ أن فضاءنا وكوننا ‪-‬والأمر هكذا‪ -‬هو نحن‬
 ‫ونحن فقط‪ ..‬وتستمر بنا الحكاية حتى تزداد قوتنا‬
  ‫وتتمدد قدراتنا فنكشف الآلهة‬
   ‫وزيفها ونستبدلهم‪ ،‬بنا نحن‪،‬‬
‫بجبروت عشقنا الأبدي‪ ،‬فنتحول‬
 ‫من بش ٍر إلى آلهة‪ ،‬نتنفس ع َظم ًة‬
‫وحكم ًة ويشرق الضياء من رفة‬

                       ‫عيوننا‪:‬‬
 ‫«أجثو في كنف «رع» بينا يلفني‬

             ‫بذراعيه منفلتًا من‬
               ‫عرشه السماوي‬

 ‫أغمض عين ّي وأرفع رأسي نحو‬
                 ‫وردته اللاهبة‬

 ‫فتشهق الحكمة لاهج ًة من آبار‬
                        ‫المسام‬
   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106