Page 130 - merit 36- dec 2021
P. 130

‫العـدد ‪36‬‬                           ‫‪128‬‬

                                  ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬

 ‫عرب آخرون‪ ،‬حين قال أحدهم‪:‬‬          ‫هي فلسفات خرافية تبحث عن‬                ‫مرتفع في ظل متون قاهرة‪.‬‬
     ‫«وهذا ما نجده في نصوص‬            ‫طريق ولا تعرف كيف تصل‬               ‫كانت فلسفات ما بعد الحداثة‬
    ‫ما بعد الحداثة التي اعتمدت‬                                          ‫مؤش ًرا قو ًّيا على تصدع الذهنية‬
                                    ‫إليه‪ ،‬تتحدث عن الهامش وهي‬           ‫الجرمانية على مستوى الهامش‬
   ‫على فلسفة الحضور والغياب‬            ‫تقصد المتن‪ ،‬ولكنها لا تملك‬         ‫وفلسفاته‪ ،‬وبحث هذا الهامش‬
 ‫وتهميش المركز وإبراز الهامش‬                                            ‫عن مقاربات جزئية لـ»التكيف»‬
 ‫واتخذ بعض الكتاب من أسلوب‬           ‫تص ُّو ًرا أو مقاربة لتتناول بها‬    ‫والتعايش ورفع الصوت ولكن‬
                                      ‫هذا المتن‪ ،‬لأنها لم تجرؤ على‬
   ‫قلب الأدوار ومغايرة الأفعال‬         ‫أن تنظر في الفكر الأوروبي‬             ‫في ظل يقينه من ثبات المتن‬
      ‫والأقوال والأحداث ليجعل‬         ‫وفي كلياته تحدي ًدا‪ ،‬بعي ًدا عن‬     ‫على حاله وتطرفه‪ ،‬لكنها كانت‬

 ‫الشخصية مفتوحة الأثر شكلية‬             ‫الطرق الأوروبية التقليدية‬           ‫مؤش ًرا ها ًّما على أن الخطوة‬
‫الأبعاد غير متوافقة مع جوهرها‬          ‫التي ارتبطت بفترة الحداثة‬          ‫القادمة ستصبح تطور سلوك‬
‫لتكون خيالية وآلية تعتمد فلسفة‬         ‫ومتلازماتها الثقافية‪ ،‬أي لم‬      ‫المتون الجرمانية الحاكمة لتصل‬
‫المغايرة»(‪ ،)23‬فالعجز عن مواجهة‬   ‫تنظر مباشرة في الجذور الثقافية‬       ‫للتطرف والتشدد الكامن مباشرة‬
                                  ‫للفكر الأوروبي‪ /‬الغربي لتبصر‬           ‫وتكشف عن رطانتها بوضوح‪،‬‬
    ‫المتن الجرماني وأفكاره التي‬    ‫«الذهنية الجرمانية»‪ ،‬وتبحث في‬          ‫وهو ما كان يحدث في مرحلة‬
  ‫تحولت إلى مقدس جعل ما بعد‬          ‫اختيار فلسفة مباشرة تنادي‬         ‫ترامب وما بعده وصعود المكون‬
   ‫الحداثة تتحول إلى فعل خيالي‬    ‫فيه بتجاوز «الذهنية الجرمانية»‬         ‫«الأنجلو ساكسوني» بحثًا عن‬
  ‫أو خرافي‪ ،‬لعجزها عن مواجهة‬           ‫وتفكيكها‪ ،‬وتجاوز «المسألة‬
  ‫«الذهنية الجرمانية» وتراتباتها‬   ‫الأوروبية» والمتلازمات الثقافية‬          ‫ذروة لتطرفه ينطفئ بعدها‬
   ‫الثقافية والاجتماعية مباشرة‪.‬‬                                           ‫كعادة الأنماط السائدة قبل أن‬
                                                ‫التي ارتبطت بها‪.‬‬
    ‫بل وأكبر تطبيق على فرضية‬            ‫لأن ما بعد الحداثة نفسها‬                                ‫ترحل‪.‬‬
 ‫الدراسة بأن ما بعد الحداثة هي‬        ‫هي جزء من تسلسل عام أو‬               ‫وهذه الفرضية التي نطرحها‬
                                        ‫طبقة ضمن طبقات المسألة‬          ‫هنا اعتبار ما بعد الحداثة مجرد‬
   ‫فلسفة للهامش في ظل العجز‬            ‫الأوروبية‪ ،‬ولم تملك الجرأة‬          ‫فلسفة للهامش في ظل اليأس‬
‫عن مواجهة المتن‪ ،‬كعرض لتأزم‬             ‫لتعترف صراحة بمواجهة‬
                                      ‫نفسها بذلك‪ ،‬ولم تكن بالقوة‬              ‫من تغير المتن واليقين من‬
   ‫«الذهنية الجرمانية» وعجزها‬        ‫ولا الشجاعة لذلك‪ ،‬وبد ًل من‬        ‫جمود فلسفاته‪ ،‬التفت لها بعض‬
 ‫عن مواجهة متلازماتها الثقافية‬        ‫ذلك طورت فلسفات الهامش‬             ‫الباحثين العرب‪ ،‬فيقول في ذلك‬
  ‫التي تحجرت وأنتجت «المسألة‬            ‫العدمية والعبثية والفردية‬        ‫أحد الباحاثين العرب‪« :‬ولذلك‪،‬‬
  ‫الأوربية» الراهنة‪ ،‬هذا التطبيق‬      ‫والذاتية والتفكيكية الجزئية‪،‬‬
 ‫هو «الدراسات الثقافية» نفسها‬     ‫لأنها لم تتمكن من مقاربة الفكرة‬             ‫فإن دفاع ما بعد الحداثة‬
                                    ‫المركزية عند الذات الأوروبية‪/‬‬            ‫عن الهامش جعلها تتقمص‬
       ‫التي ظهرت وترعرعت في‬       ‫الغربية التي تتمركز في «الذهنية‬      ‫خصائصه‪ ،‬إذ انقلب على أهميتها‪،‬‬
  ‫بريطانيا الجرمانية أو الأنجلو‬      ‫الجرمانية»‪ ،‬ودورها كراسب‬            ‫فأصبحت هامشية لا تغير من‬
                                    ‫ثقافي فاعل ومركزي ورئيسي‬               ‫الواقع شيئًا‪ .‬وككل هامشي‪،‬‬
                   ‫ساكسونية‪.‬‬        ‫في الموجة الحضارية الأوروبية‬         ‫أصبحت ما بعد الحداثة تتمنى‬
   ‫وفي هذه الصلة بين الفلسفي‬                                             ‫أن يتحقق الوئام فجأة‪ ،‬فتسود‬
    ‫والثقافي الجرماني الكامن في‬                    ‫الثالثة الحالية‪.‬‬    ‫العدالة‪ ،‬وتختفي الطبقية الهرمية‪،‬‬
   ‫العلاقة بين خضوع الهوامش‬             ‫وملمح الربط بين الهامش‬          ‫ويختلط المركز بالهامش‪ ،‬وتلغى‬
                                     ‫والخيال والعبث في فلسفة ما‬
        ‫وتمردها العبثي‪ ،‬في ظل‬          ‫بعد الحداثة رصده باحثون‬                ‫الفوارق من غير تحيز أو‬
      ‫سيطرة المتون والعجز عن‬                                                                 ‫غاية»(‪.)22‬‬
  ‫مواجهتها‪ ،‬يقول أحد الباحثين‬
     ‫العرب‪« :‬إن التاريخ المرتبط‬                                           ‫أي أن فلسفات ما بعد الحداثة‬
   ‫بالثقافة يتوسع ليشمل معظم‬
 ‫التأسيسات البنيوية أو الرمزية‬
   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135