Page 127 - merit 36- dec 2021
P. 127

‫‪125‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

‫والحركة والوجود طالما لم تمس‬        ‫تكون الذات العربية بمفصليتها‬          ‫ما قبل الحرب العالمية الأولى‬
   ‫المسلمات والمتلازمات الثقافية‬   ‫الثقافية الكامنة مع ثوراتها التي‬        ‫في القرن العشرين‪ ،‬شهدت‬
           ‫الكبرى الخاصة بها‪.‬‬      ‫ظهرت في العقد الثاني هي أبرز‬             ‫حرو ًبا أكثر فظاعة‪ ،‬عندما‬
  ‫من ثم أدركت فلسفات الهامش‬        ‫المرشحين له‪ ،‬رغم كل محاولات‬        ‫وصلت هذه الحروب لذروتها في‬
       ‫في ما بعد الحداثة الهيمنة‬                                       ‫خضم مشروع الحداثة الخاص‬
    ‫الداخلية وسماتها الجرمانية‪،‬‬      ‫التفكيك التي تعرضت لها تلك‬       ‫بالذهنية الجرمانية عن «الاختيار‬
                                         ‫الثورات داخليًّا وخارجيًّا‪.‬‬      ‫الحدي» للمادية‪ /‬العلمانية‪/‬‬
‫واتبعت طريقة للحياة والتفلسف‬                                             ‫العقلانية‪ ،‬أي تقريبًا في الفترة‬
  ‫تقوم على التمرد البحت في ظل‬         ‫‪ -2‬ما بعد الحداثة والذهنية‬      ‫من القرن ‪ 18‬و‪ 19‬وحتى ما قبل‬
                                       ‫الجرمانية‪ :‬فلسفات الهامش‬
‫العجز عن مواجهة المتون الثقافية‬                                                 ‫الحرب العالمية الأولى‪.‬‬
‫الحاكمة داخل الثقافة الجرمانية‪،‬‬                      ‫وجمود المتن‬          ‫وذلك قبل أن تصل للصدمة‬
                                       ‫على مستوى الفلسفة الكلية‬             ‫الكبرى التي انتجت الأزمة‬
  ‫مع حضور توقع مستقبلي بأن‬           ‫للحضارة الأوروبية‪ /‬الغربية‬         ‫ومشروع ما بعد الحداثة أو ما‬
 ‫تصدع «المشترك المجتمعي» بين‬       ‫في موجتها الثالثة الحالية؛ هناك‬      ‫بعد «الذهنية الجرمانية»‪ ،‬لكنها‬
                                   ‫تفسير ثقافي مضمر يعيد تأويل‬             ‫كانت محاولة للالتفاف على‬
    ‫المتون الجرمانية وهوامشها؛‬     ‫مسار الفلسفات العليا في الحالة‬       ‫مواجهة النفس بعجز المشروع‬
    ‫قد يؤدي على احتمالية ترقب‬     ‫الأوروبية والغربية برمتها؛ يقول‬           ‫والاختيار الحدي نفسه‪ ،‬لا‬
    ‫حدوث لحظة كبرى للإعلان‬          ‫هذا التفسير بتصدع «المشترك‬         ‫محاولة التعايش معه من خلال‬
  ‫عن هذا التصدع والتأكيد عليه‬      ‫المجتمعي» بين المتون الجرمانية‬        ‫مقاربات فلسفية الهدف منها‬
‫كلحظة مفصلية أوروبية‪ /‬غربية‬       ‫الحاكمة وفلسفاتها‪ ،‬وبين النخب‬         ‫ارتداء الذات الأوروبية قناعات‬
  ‫جديدة‪ ،‬لأن تعايش التناقضات‬      ‫الثقافية خارج السلطة وفلسفاتها‬       ‫تشبه القناعات الأيدلويجية لكن‬
  ‫بين فلسفات الهوامش والمتون‬                                             ‫بشكل الهدف منه بناء قدرتها‬
    ‫الجرمانية ربما وصل لنهاية‬              ‫ومعها القواعد الشعبية‬
    ‫قدرته الاجتماعية والإنسانية‬   ‫والجماهيرية الجرمانية الرافضة‬                 ‫على التعايش والحياة‪.‬‬
                                                                       ‫فيمكن القول إن ما بعد الحداثة‬
                        ‫عمو ًما‪.‬‬     ‫للمتلازمات الثقافية التاريخية‬
        ‫كما حدث في استقطابات‬           ‫للذهنية الجرمانية والمسألة‬         ‫كانت محاولة لخلق فلسفات‬
       ‫المجتمع الأمريكي في عهد‬                         ‫الأوروبية‪.‬‬          ‫ومقاربات للهروب من أزمة‬
     ‫ترامب‪ ،‬والتي لا تزال كامنة‬          ‫وهذا التفسير يقدم قراءة‬          ‫الانسداد‪ ،‬عبر الالتفاف حول‬
      ‫وتعمل تحت السطح‪ ،‬فآلية‬                                          ‫فكرة إفلاس «الذهنية الجرمانية»‬
    ‫«إدارة التناقضات» والحفاظ‬       ‫لفلسفات ما بعد الحداثة إجما ًل‬    ‫إنسانيًّا‪ ،‬كانت المسألة الأوروبية‬
      ‫على سكونها داخل المجتمع‬      ‫بوصفها رد فعل لهيمنة الذهنية‬           ‫في ما بعد الحداثة تحاول أن‬
     ‫الأمريكي وصلت لمستويات‬                                             ‫تبتكر فلسفات للتعايش في ظل‬
      ‫بادية من العجز والتصدع‪،‬‬           ‫الجرمانية‪ ،‬ومجرد تمثلات‬          ‫سيادة النمط الأوروبي‪ ،‬لكنها‬
        ‫بين المسارات الأكاديمية‬       ‫لفكرة الحياة في ظل خضوع‬              ‫لم تفكر في الفلسفة الأبسط‬
        ‫التي تحتشد بالمهاجرين‪،‬‬      ‫الهامش الفوضوي لمتن عصي‬                 ‫والأنسب‪ ،‬أنه حانت لحظة‬
 ‫ومجتمعات الأمريكيين أصحاب‬                                                 ‫ظهور نمط إنساني وفلسفة‬
   ‫الأصول الأفريقية واللاتينية‪،‬‬          ‫على المواجهة المباشرة‪ ،‬أو‬    ‫أخرى تتجاوز المسألة الأوروبية‬
     ‫والتوجهات السينمائية التي‬       ‫الاستجابة الناعمة المنطقية أو‬       ‫تما ًما‪ ،‬إلى ما بعدها في مرحلة‬
 ‫تنتصر للآخر‪ ،‬كل هذا من جهة‪،‬‬                                                ‫انتقالية‪ ،‬وصو ًل إلى أفولها‬
    ‫وبين السياسات والفلسفات‬            ‫العقلية‪ ،‬وأن المتون الثقافية‬    ‫وظهور بديل إنساني آخر‪ ،‬ربما‬
     ‫العليا العنصرية التي تحكم‬         ‫الجرمانية لا تمارس هيمنة‬
  ‫المتون الأمريكية تجاه الخارج‪،‬‬      ‫متطرفة على الثقافات الأخرى‬
                                    ‫فقط‪ ،‬بل تمارس هيمنة داخلية‬
                                   ‫على هوامشها‪ ،‬من خلال معادلة‬
                                    ‫اجتماعية واضحة؛ فهي تسمح‬
                                    ‫لتلك الهوامش المختلفة بالحياة‬
   122   123   124   125   126   127   128   129   130   131   132