Page 126 - merit 36- dec 2021
P. 126

‫العـدد ‪36‬‬                            ‫‪124‬‬

                                  ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬

     ‫الجرماني في أوربا كعنصر‬            ‫إلى مرحلة العبث والعدمية‪،‬‬          ‫بها‪ ،‬مما جعل ترامب يستعيد‬
‫أساسي محرك تجاهلوا الوقوف‬               ‫واستدعائها فكرة التطرف‬                 ‫النعرة العنصرية الأصلية‬
                                   ‫العنصري الجرماني مع «المكون‬                 ‫لسمات الذهنية الجرمانية‬
   ‫عليه كمحرك رئيسي واهتموا‬       ‫الأنجلو ساكسوني» لتجد لفسها‬                    ‫ويكشف خواء النموذج‬
   ‫بالتفاصيل الفرعية‪ ،‬وأن قناع‬     ‫هد ًفا‪ ،‬ولو كان هد ًفا سلبيًّا يقوم‬
                                         ‫على العدوان والعنصرية‪.‬‬             ‫الحضاري الأوروبي وأزمته‬
      ‫المادية الشيوعية ونقيضها‬          ‫ففي حين يحاول «الماديون‬                                 ‫الحالية‪.‬‬
     ‫الليبرالي ليسا سوى مجرد‬        ‫الشيوعيون» اختصار السردية‬
  ‫أقنعة مرحلية ظهرت في الموجة‬                                                 ‫فقد كان انتصار «الاختيار‬
‫الحضارية الأوروبية الثالثة‪ ،‬لكن‬            ‫الأوروبية في التفاصيل‬             ‫الحدي» لليبرالية المادية على‬
   ‫الأصل في السردية التاريخية‬          ‫الاقتصادية وبنية التراتبات‬            ‫«الاختيار الحدي» المضاد له‬
  ‫وحراكها لم يكن سوى صعود‬             ‫الاجتماعية (الطبقية بالمفهوم‬
‫جماعة ذات هوية ثقافية مغايرة‪،‬‬          ‫الشيوعي)‪ ،‬تخبرنا السردية‬               ‫في الليبرالية المادية‪ ،‬مجرد‬
      ‫مدفوعة بالحس الإنساني‬             ‫الأوروبية أن تطرف وميل‬             ‫نهاية للثنائية المركزية للذهنية‬
  ‫الطبيعي نحو التمدد والتوسع‬          ‫«الذهنية الجرمانية» للعدوان‬           ‫الجرمانية‪ ،‬ولكن لم يكن أب ًدا‬
‫وبشكل متطرف ومتشدد لغياب‬            ‫والصراع على النفوذ والتطرف‬             ‫«نهاية» التاريخ‪ ،‬لأن الظاهرة‬
    ‫«المرونة الحضارية»‪ ،‬بسبب‬                                             ‫البشرية في حاجة الآن للتجاوز‬
     ‫خروج الجرمان متأخ ًرا من‬            ‫كـ»ثقافة عليا» كامنة كان‬
   ‫حياة الرعي والغابة والبدائية‬         ‫حاض ًرا بشدة عبر التاريخ‬             ‫لتصحيح مسارها‪ ،‬وتجاوز‬
     ‫والغرائزية‪ ،‬وميلهم للحرب‬     ‫الأوروبي الحديث فيما بعد عصر‬           ‫الاختيار الحدي للمادية نفسها‪،‬‬
                                  ‫النهضة أو الحداثة‪ ،‬وأن تعميمات‬         ‫واستعادة التوازن بمنح الجانب‬
            ‫والصراع والعدوان‪.‬‬         ‫«الاختيار الحدي» المادي عن‬          ‫«القيمي» و»المثالي» دوره الذي‬
    ‫وهنا يمكن القول إنه لصالح‬     ‫قدرته على العمل كعصاة سحرية‬             ‫يستحقه‪ ،‬بعي ًدا عن التطرف في‬
  ‫التفسيرات العمالية والتمايزات‬       ‫وكتاب سماوي جديد ليست‬              ‫الفكر المادي البحت بين العمالية‬
                                  ‫سوى بروباجندا سياسية‪ ،‬سواء‬
         ‫الاقتصادية التي تنتمي‬        ‫من «الماديين الشيوعيين» أو‬                              ‫أو الملاك!‬
   ‫لتفسيرات «المادية الشيوعية»‬                                          ‫فقد كان التمايز العمالي (الطبقي)‬
‫كاختيار حدي‪ ،‬تم إهمال عناصر‬                  ‫«الماديين الليبراليين»‪.‬‬
‫الهوية الثقافية الجرامانية نفسها‬         ‫فالحقيقة تخالف السردية‬            ‫مجرد لحظة عابرة في التاريخ‬
 ‫التي تميل للصراع والبحث عن‬        ‫«المادية الشيوعية» التي يطرحها‬       ‫وتطور التقنيات والمنجز البشري‬
    ‫النفوذ بسماتها الثقافية التي‬      ‫أنصارها‪ ،‬بل يمكن القول إن‬
   ‫تفتقد لـ»المرونة الحضارية»‪،‬‬      ‫التراتبات الاجتماعية في أوروبا‬           ‫المتراكم‪ ،‬وأن التمايز العمالي‬
‫وهي السمات التي أثقلت أوروبا‬       ‫كانت بنية هامشية وتابعة لنمط‬           ‫كرتبة واسعة في المجتمع ارتبط‬
                                     ‫رئيس آخر‪ ،‬وهو أن التراتبات‬          ‫بعصر الصناعات كثيفة العمالة‪،‬‬
      ‫حرو ًبا في العصر الحديث‪.‬‬        ‫الاجتماعية كانت تابعة لبنية‬
   ‫فالتاريخ يخبرنا بوضوح أن‬           ‫«مستودع الهوية» الجرماني‬              ‫لكنه انتهى بلا رجعة الآن في‬
  ‫فترة عصر النهضة (من القرن‬       ‫وتمدده في أوروبا كمتن ومحرك‬             ‫العقد الثالث من القرن الحادي‬
   ‫‪ 14‬إلى ‪)17‬؛ شهدت حرو ًبا لا‬      ‫رئيسي لرسم تاريخ التمدد في‬
                                        ‫أوروبا وبنيته الاجتماعية‪.‬‬            ‫والعشرين‪ ،‬وأن على أوروبا‬
     ‫هوادة فيها بدافع السيطرة‬         ‫فلم تكن توصيفات «الماديين‬              ‫أن تبحث عن فلسفة جديدة‬
    ‫والنعرات القومية‪ /‬القبائلية‬          ‫الشيوعيين» سوى رصد‬                 ‫لها تخرجها من نطاق عدمية‬
                                         ‫لتفاصيل انتشار العنصر‬            ‫الاختيار المادي سواء الشيوعي‬
      ‫داخل «الذهنية الجرمانية»‬                                              ‫أو الماركسي‪ ،‬وهذا أي ًضا هو‬
                        ‫نفسها‪.‬‬                                          ‫واحد من أبرز تصدعات «الذهنية‬
                                                                          ‫الجرمانية» وسقوط سردياتها‬
 ‫وأن الفترة التي يمكن تسميتها‬                                             ‫الشيوعية في العدم مع مرحلية‬
‫بالحداثة من الثامن عشر وحتى‬                                              ‫الفرز أو التمايز العمالي الطبقي‪،‬‬

                                                                               ‫ووصول المادية الليبرالية‬
   121   122   123   124   125   126   127   128   129   130   131