Page 7 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 7
افتتاحية 5
متع ِّددة بتع ُّدد الرواة ،وأن الأمر الواحد حول الفكر الإسلامي يبدأ دائ ًما من
تتباين زوايا النظر إليه ،كمثال موضوع نقطة متَّفق عليها ،ولا يمكن أن ينزل
تحتها ،فقد كان جدال القدامى حول
(لغو الحديث) الذي فسره المفسرون
بطرق كثيرة ،فلو كان الأمر محسو ًما الفلسفة والفلاسفة –مث ًل ،كما عند
لوجدنا القرآن كتاب أوامر ونوا ٍه فقط، الغزالي وابن رشد -هو جدال حول
افعل هذا ولا تفعل ذاك ،لكنه ليس كذلك، المعلوم ،ينحصر في جواز أن يذهب
فيه قصص ومواعظ وبلاغة وأحكام المسلم إلى هذه المنطقة أو لا يذهب ،ومع
وألفاظ ليست مفهومة ،وسير الأولين، ذلك لم يسلم البعض من تكفير الغزالي
قدي ًما ،ولا من تكفير المح َدثين بعضهم
وهو ما أوجد الاختلاف في التفسير بع ًضا ،كما حدث مع نصر حامد أبو
والتأويل ،وهو –ذاته -ما يستدعي زيد على سبيل المثال ،مع أنه لم ينكر
الدرس والتمحيص والنقاش والجدال أص ًل من الأصول ،وإنما اشتغل على
والنقد ،لأن الأشياء تحيا بالدرس وإعادة
التأويل ،وتموت بالحفظ والتلقين ،وقول التأويل الذي اشتغل عليه القدماء
المتقدمين والمتأخرين إن القرآن صالح وذهبوا في استنتاجاتهم مذاهب شتى!
لكل زمان ومكان ،معناه –عق ًل -اختلاف
طرق تأويله من مكان إلى مكان ،ومن كما أن مبحث «التفكير النقدي في
الإسلام» يحيل الباحثين جمي ًعا إلى
زمان إلى زمان. مصادر وموضوعات واحدة ،وهم
النقد في الفكر الإسلامي فقير بالقياس معذورون بالطبع لأن الأمثلة ليست
إلى مفهوم النقد بشكله الواسع والحر، كثيرة بحيث يختار ك ٌّل ما يشاء ،هذه
ملاحظة أولى ،والثانية أن التاريخ
وهي –في ظني -آفة لا ب َّد للمسلمين الإسلامي وأساتذة الفقه والعقيدة
أن يتخلصوا منها بفتح آفاق التأويل، انحازوا دائ ًما إلى الجانب المتش ِّدد،
لأن الخوف من النقاش وإعمال العقل جانب أبو حامد الغزالي ضد ابن رشد،
الغزالي الذي يقول إن أفكار الفلاسفة
يمنع المجتهدين المسلمين من الجهر متهافتة ومنت َحلة وتصل حد الكفر،
بما يفكرون فيه خو ًفا على حرياتهم بينما انحاز الفكر الإنساني لنقيضه،
وأرزاقهم وحيواتهم نفسها ،والنتيجة لأفكار ابن رشد الذي ك َّفره المتش ِّددون
أننا مسجونون في حيز ضيق من التفكير وأحرقوا كتبه ،وهكذا على مر التاريخ
لا يصمد إن وضع على محك الدراسة، يكون المفكر الذي ُيعمل عقله في التراث
وأنا أتح َّدث هنا عن اجتهادات الأولين
التي تدخل في باب الاجتهاد البشري، في مرمى سهامهم!
فلا يعقل أن نغلق باب الاجتهاد منذ ألف أتصور أن مسألة النهي عن (التنازع)
عام ،ونك ِّفر المجتهدين ،ونقرر بإصرار
أن نعيش على إنتاج بشر ماتوا منذ ألف لا يقصد بها تحريم النقاش وتقليب
عام تغيرت خلالها الحياة مئات المرات، الأفكار ،وأن كل الأمور محسومة
وأصبح ما يتحدثون عنه في الكتب غير « َف ُر ُّدو ُه إِ َل ال َّلِ َوال َّر ُسو ِل” ،فواقع
موجود في الواقع ،ونظرة واحدة في
مباحث مثل الجهاد والنكاح ورضاع التراث الإسلامي في الحديث والتفسير
والسيرة ..إلخ يبين لنا أن الروايات