Page 12 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 12
العـدد ١٩ 10
يوليو ٢٠٢٠
والشعر والأدب .فحين نتساءل
-بعد الفراغ من قراءة مؤلفاته-
عما كانت تحدثنا جميع كتبه،
فإننا نشعر باستحالة الإجابة،
ويرجع روجي لابورت ذلك
إلى أنه «لا يوجد جواب عن هذا
السؤال .هناك كلام يتكلم ،ولكنه
لا يقول شيئًا ،إنه لا يبين وإنما
يشير ،وهكذا بواسطة هذا الكلام
نفسه ينكشف المجهول ولا يبقى
مجهولا»)9(.
لقد كانت وراء نزعة بلانشو
لبعثرة مفاهيم الأنواع والتمجيد
الواضح للكتابة روافد مركبة، هيجل ستيفان مالارميه تزفيتان تودوروف
صاغت موقفه من الأدب نفسه،
فهناك الرافد الأساسي لتفكير الفوقية ،وعالم الأبطال ،ولغة الكتب التأسيسية
بلانشو الذي يعود إلى مالارمي ،وحلمه بذلك الكبرى .ويرى إيمانويل ليفيناس في مقاربته لفكر
الكتاب الذي يحمل كل معاني الفرادة والانفتاح بلانشو ،أن موقفه من الأدب استعادة لتأملاته
والتعدد والتشذر والمناوأة لكل سلطة مسبقة، المتواصلة لمالارمي وكافكا ،أي موقف ال ّسلب تجاه
تصور علاقة اللغة بالأدب ،والأشياء بالكتابة ،يقول
إنه كتاب يدخل في صراع مع اللغة ويروم إنشاء
تصور جذري مضاد لفكرة إمكانية «المعنى ليفيناس« :الكتابة معناها العودة إلى اللغة التي
ترتكز على استبعاد الأشياء عن الكلمات ،وإيجاد
النهائي» ،متسل ًحا في تلك المناوأة أو المراوغة بهوس صدى الكينونة .إن كينونة الأشياء ليست مسماة في
الكتابة ولعبة ال ّسواد والبياض ،والظهور والخفاء، العمل .بل إنها تقال فيه ،إنها تلتقي بغياب الأشياء
منحا ًزا للعبة المزدوجة بين الضرورة والحظ؛ أي
التي هي الكلمات)7(.
وفق مبدأ دميقريطس «كل شيء في الكون هو تمارس كتابة موريس بلانشو خلخلتها للتقاليد
نتيجة الضرورة والحظ» ،هذا المبدأ الذي لم يكن والقواعد التصنيفية بافتتانها باللغة ،وتمردها على
بدونه لملارمي أن يطرح قصيدته الفريدة «رمية اللغة التواصلية وانحيازها إلى لغة تخلق تجربتها
النرد» ،أو «رمية نرد أب ًدا لا تبطل الزهر»( ،)10تلك الخاصة ،معتمدة على عبارات صافية وغامضة في
الرمية التي تؤذن بوجود الكتابة المنذورة على
الدوام لتنوع القراءة وتعدد مدارج إنتاج المعاني
آن ،تذوب فيها الحدود« ،يرتبط فعل الكتابة بغياب والدلالات.
العمل ،ولكنها مستثمرة في عمل بوصفه كتا ًبا،
يقف بلانشو أمام عبارة مالارمي «هذه اللعبة جنون الكتابة -تلك لعبة الجنون -علاقة الكتابة؛
المجنونة للكتابة» جاع ًل منها فاتحة لشهية الكتابة
لا توجد بين الكتابة وإنتاج الكتاب ،ولكن (هناك
عن الكتابة ،وإعلا ًنا عن مجيء «الكتابة» ،التي
تتشكل في مفارقة شعرية جذرية ،مع «غياب علاقة) عبر إنتاج الكتاب بين فعل الكتابة وغياب
الكتاب» ،والحلم بمجيئه في يوم ما ،فدلالة غياب العمل»)8(.
الكتاب دالة على غياب الكتاب «الكلي» المرتهن ولا تقف حدود تلك اللغة عند الكتابة الأدبية ،بل
بمعرفة كلية يشدد عليها التواصل مع مقدسات؛ تتجاوزها إلى مقاربات بلانشو النقدية والنظرية،
فالغياب معادل هنا لغياب «اللوغوس» ،وكل أشكال وكأنها مغامرة صامتة حول الأشياء والعالم