Page 13 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 13

‫منذ الرومانسيين مروًرا بهيغل ظهرت‬

‫قدرة كل كتاب على امتلاك الكتابة‬

‫والقراءة اللتين لا تتحققان إلا فيه‪..‬‬

‫يتأكد المطلق لاح ًقا لدى الرومانسيين‬

‫(نوفاليس) ثم بصورة أكثر صرامة لدى‬

‫هيغل‪ ،‬وبصورة أكثر جذرية ‪-‬ولكن‬

‫بطريقة مغايرة‪ -‬مع مالارمي بوصفه‬

‫(أي المطلق) كًّل أو علاقة (المعرفة‬                   ‫فريدريك نيتشه‬

‫المطلقة أو العمل) الذي سيتحقق‬                           ‫الحضور للمعني أو المدلول في‬
                                                     ‫مستواه الأدنى‪ ،‬فمع المفهوم الذي‬
‫فيها‪ :‬إما الوعي‪ ،‬العائد إلى نفسه بعد‬

‫تخارج عن نفسه في جميع أشكالها‪،‬‬                        ‫يحفره مالارمي للكتابة أصبح‬
                                                     ‫الحديث مهيأً عن «غياب العمل»‪،‬‬
‫وإما في اللغة المغلقة على نفسها‬
                                                     ‫بمعناه القائم على الانفلات من أي‬

‫لتأكد خوصيتها وتبددها‬                                ‫تحديد‪ .‬يقول بلانشو‪« :‬حدث هذا‬
                                                      ‫مع مالارمي‪ ،‬فمعه أصبح العمل‬
                                                     ‫مدر ًكا لذاته‪ ،‬ومن ثم يستحوذ على‬

                                                     ‫ذاته‪ ،‬بوصفه شيئًا يتزامن مع غياب‬

  ‫خام وآخر مباشر‪ ،‬ولذلك حين يعلق بلانشو على‬                          ‫العمل‪ ،‬إذ ينحرف في الوقت نفسه‬
 ‫مالاميه يتبني التمييز نفسه‪ ،‬فهناك الكلام المفيد أو‬   ‫عن تزامنه مع نفسه‪ ،‬ويجعل من نفسه مستحي ًل‪،‬‬

   ‫الأداة التي تنقل مباشرة‪ ،‬وفي مقابله هناك كلام‬          ‫إنها حركة منعزلة يختفي فيها العمل في غياب‬
  ‫القصيدة والأدب‪ ،‬حيث لا يعود الكلام وسيلة بل‬        ‫العمل‪ ،‬وكلما غاب العمل عن طريق هذا الهرب فإنه‬

                  ‫يسعى إلى أن يتحقق في تجربة‪.‬‬                             ‫يكون اختفى على الدوام»‪)11(.‬‬
 ‫غير خاف في رفض بلانشو للأجناس والإعلاء من‬             ‫فمنذ الرومانسيين مرورا بهيغل ظهرت قدرة كل‬
  ‫فرادة النص‪ ،‬عود لمبدأ مثالي‪ ،‬ومنطق الرومانسي‬       ‫كتاب على امتلاك الكتابة والقراءة اللتين لا تتحققان‬
‫في آن‪ ،‬حول استطيقا الفن والأدب‪ ،‬فمنظوره يطامن‬
                                                          ‫إلا فيه «يتأكد المطلق لاح ًقا لدى الرومانسيين‬
   ‫على أفكارهم الشائعة حول قيام الكلام الشعري‬           ‫(نوفاليس) ثم بصورة أكثر صرامة لدى هيغل‪،‬‬
‫بذاته‪ ،‬وأن ماهية الشعر تكمن في البحث عن أصله‪،‬‬        ‫وبصورة أكثر جذرية ‪-‬ولكن بطريقة مغايرة‪ -‬مع‬
                                                     ‫مالارمي بوصفه (أي المطلق) ك ًّل أو علاقة (المعرفة‬
‫وهي المعاني التي كرسها دون مواربة بلانشو في‬
                                                     ‫المطلقة أو العمل) الذي سيتحقق فيها‪ :‬إما الوعي‪،‬‬
‫كتابيه‪ :‬الفضاء الأدبي والكتاب الآتي‪ .‬ووفق منظور‬
                                                     ‫العائد إلى نفسه بعد تخارج عن نفسه في جميع‬
‫هيغلي يؤكد بلانشو على خسارة الفن «مقدرته‬
                                                     ‫أشكالها‪ ،‬وإما في اللغة المغلقة على نفسها لتأكد‬
‫على حمل المطلق‪ ،‬على أن يكون سي ًدا‪ ،‬ولكن كأن‬
                                                     ‫خوصيتها وتبددها»‪)12(.‬‬

‫ويتبني بلانشو تمييز مالارمي بين حالتين للكلام خسارته هذه الوظيفة الخارجية قد عوضت بوظيفة‬
   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18