Page 18 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 18

‫العـدد ‪١٩‬‬   ‫‪16‬‬

                                                     ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

      ‫وحريتها عبر التاريخ‪ .‬ولذا فبنية الرواية من‬       ‫ويدل العنوان «منازل ح ‪ »17‬بوصفه عتبة نصية‬
 ‫الناحية السردية والبنيوية فيها الكثير من التعقيد‪،‬‬    ‫على حالة التناظر هذه لأنه يجمع بين إحدى منازل‬

     ‫مما يجعلها قابلة للتأويل المتعدد لفك شفراتها‬       ‫القمر الفلكية وتسلسل البطلة‪ ،‬بوصفها داعية في‬
                                ‫وشبكة رموزها‪.‬‬           ‫حركتها الدينية تلك‪ ،‬كما سنأتي على ذلك لاح ًقا‪.‬‬

   ‫والرواية تتشكل من ناحية البناء والتمفصل من‬              ‫ولذا فقد قسمت الروائية روايتها من الناحية‬
  ‫تسعة فصول أو منازل‪ ،‬وكل منزل بدوره يتفرع‬           ‫السردية والبنيوية إلى مجموعة من منازل أو أطوار‬

      ‫إلى «أبواب» و»نوافذ»‪ ،‬وهي في الغالب تحمل‬          ‫تناظر سيرة حياة البطلة بد ًءا من منزل «المحاق»‬
    ‫تبويباتها الخاصة الداخلية الخاصة بكل فصل‪.‬‬          ‫وانتها ًء بمنزل «العرجون القديم»‪ ،‬مرو ًرا بالمنازل‬

      ‫وفض ًل عن ذلك فكل من هذه الفصول تكون‬                ‫الأخرى‪ :‬منزل الهلال المتزايد‪ ،‬ومنزل التربيع‬
‫مسبوقة بفصل تمهيدي «معنون» قد ينطوي بدوره‬                 ‫الأول‪ ،‬منزل الأحد المتزايد‪ ،‬منزل البدر‪ ،‬منزل‬
                                                     ‫الأحدب المتناقص‪ ،‬ومنزل التربيع التاريخي‪ ،‬ومنزل‬
   ‫على تبويبات داخلية‪ .‬ويعد هذا الاستهلال بمثابة‬        ‫الهلال المتناقص‪ ،‬حيث كانت حياة البطلة تتناظر‬
    ‫تمهيد للأحداث التي تتلوه‪ ،‬وليس هذا فقط‪ ،‬بل‬
    ‫تعمد المؤلفة‪ ،‬في الغالب‪ ،‬إلى كتابة «ترويسة» في‬                ‫صعو ًدا‪ ،‬أو كسو ًفا‪ ،‬مع منازل القمر‪.‬‬
   ‫بداية بعض الفصول أو الفقرات‪ ،‬ربما توحي أو‬              ‫أما «ح ‪ »17‬فهو يرمز إلى تسلسل البطلة «قمر‬
    ‫تومئ لجوهر الأحداث التي سيكشف عنها هذا‬                 ‫الزمان» في الحركة الدينية‪ .‬ومن المعروف أن‬
                                                         ‫الحركة قد اختارت لها ثمانية عشر مندو ًبا‪ ،‬من‬
            ‫النص أو ذاك‪ ،‬ومنها على سبيل المثال‪:‬‬        ‫أوائل دعاتها والمؤمنين برسالتها‪ ،‬أرسلتهم كدعاة‬
     ‫«رستم‪ :‬منذ أن دخلت القصر وأنا في دهشة»‪.‬‬          ‫ناشطين إلى مختلف الأرجاء‪ ،‬وهم يمثلون حروف‬
                                                         ‫الحي‪ ،‬والحي‪ ،‬حسب تقاليد تلك الطائفة‪ ،‬إحدى‬
                                       ‫(ص‪)19‬‬
       ‫«زعفران‪ :‬أي شيطان غ ّرني فاطلعت طفلة»‪.‬‬               ‫الصفات الإلهية في الحساب الأبجدي‪ ،‬يكون‬
                                                          ‫مجموع الحاء والياء ‪ ،18‬وكانت «قمر الزمان»‬
                                      ‫(ص‪)23‬‬            ‫تشغل الرقم ‪ 17‬في سلسلة الدعاة الذين يرمز لهم‬
‫«شجرة التوت‪ :‬لنترقب ما ستنسخه تلك الإنسية»‪.‬‬           ‫بالحرف (ح)‪ ،‬أي الحي‪ ،‬وهذا يفسر دلالة العنوان‬
                                                     ‫بوصفه عتبة نصية‪ ،‬وهو ما أكدته البطلة في حديثها‬
                                      ‫(ص‪)45‬‬               ‫لتلاميذها‪ ،‬بعد إيمانها بدعوة رجل من شيراز‬
       ‫«الأم‪ :‬عطر لا يزول بالاستحمام»‪( .‬ص‪)48‬‬          ‫بوصفه المخلّص الذي سوف ينقذ البشرية‪ ،‬والذي‬
       ‫ويمكن أن نكتشف أن هذه «الترويسات» أو‬
‫العنوانات الفرعية تومئ إلى الراوي الذي سيضطلع‬                  ‫منحها هذه الرتبة بين الدعاة (ص‪.)148‬‬
 ‫بمهمة سرد هذا الفصل أو ذاك فض ًل عن استباق‬          ‫وبذا تتحول حياة البطلة وسيرتها وأطوار تجربتها‬

                             ‫سردي لما سيحدث‪.‬‬             ‫إلى أسطورة قمرية ليلية‪ .‬والقمر في المثيولوجيا‬
   ‫ويمكن للقارئ غير المتخصص أن لا يشغل باله‬                 ‫الشعبية الكلاسيكية يمثل مع الشمس ثنائية‬

     ‫بهذه التقسيمات والتفريعات وأن يقرأ الرواية‬        ‫مركزية‪ ،‬وتع ّد بعض ميثولوجيات الشعوب القمر‬
       ‫بوصفها ن ًّصا منسا ًبا متراب ًطا‪ ،‬ذلك أن هذه‬       ‫رم ًزا للأنوثة‪ ،‬والشمس رم ًزا للذكورة‪ ،‬وهناك‬
                                                           ‫ميثولوجيات أخرى ترى العكس‪ ،‬وواضح أن‬
   ‫التناظرات بين منازل القمر ومراحل حياة البطلة‬            ‫الرواية ترى في القمر رم ًزا أنثو ًيا يناظر حياة‬
      ‫ليست متناظرة دائ ًما‪ ،‬وإلا ما تبرير أن تكون‬          ‫بطلتها المركزية الأنثى التي تحمل اسم القمر‬
                                                                               ‫تحدي ًدا‪« :‬قمر الزمان»‪.‬‬
 ‫ولادتها مقترنة بمنزل «المحاق»‪ ،‬حيث يغيب القمر‬           ‫ويمكن القول إن الرواية‪ ،‬بامتياز‪ ،‬رواية أنثوية‪،‬‬
     ‫كليًّا؟ وبشكل عام يمكن القول إن هذا التاريخ‬              ‫فكاتبتها أنثى‪ ،‬وبطلتها أنثى‪ ،‬والقمر أنثى‪،‬‬
                                                             ‫ومنظورها أنثوي‪ ،‬ينتصر للمرأة‪ ،‬وحقوقها‬
‫افتراضي وتخييلي وسردي‪ ،‬وليس شر ًطا أن يكون‬
   ‫مطاب ًقا للتاريخ الرسمي‪ ،‬أي بكلمة أخرى‪ ،‬أن ما‬
    ‫فعلته الروائية هو جزء من اللعبة السردية التي‬
   ‫تهدف إلى المغايرة والتنويع والخروج عن الأطر‬
          ‫المألوفة في التمفصل الروائي والسردي‪.‬‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23