Page 19 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 19
الرواية ،بامتياز ،رواية أنثوية، هذا وتمهد المؤلفة لسردها بمجموعة
من العتبات النصية الدالة ،فض ًل
فكاتبتها أنثى ،وبطلتها
أنثى ،والقمر أنثى ،ومنظورها عن عنوان الرواية الدال ،الذي
أنثوي ،ينتصر للمرأة ،وحقوقها توقفنا عنده ت ًّوا ،حيث نجد أربعة
نصوص مقتبسة من عدد من
وحريتها عبر التاريخ .ولذا فبنية
الكتاب ،منها مقولة للروائي ميلان
الرواية من الناحية السردية كونديرا يقول فيها:
والبنيوية فيها الكثير من «الروائي ليس مؤر ًخا ولا نبيبًا،
إنه مستكشف للوجود» ،وتكمن
التعقيد ،مما يجعلها قابلة أهمية هذا النص في أنه يكشف عن
منظور المؤلفة للتاريخ وعلاقته
للتأويل المتعدد لفك شفراتها
بالسرد .وتمثل أهمية خاصة
وشبكة رموزها الصفحة الاستهلالية التي تسبق
النص الروائي ،والتي تشير إلى
أن النص الحالي يعتمد أسا ًسا على
بنية شفاهية ،فهو مجموعة من
المرويات الشفاهية التي تناقلها عدد
الشفاه أخبارها التي أسردها لكم ،كما وردتني من الرواة في فترة محددة تضيء
عن أمي عن جدتي ..الخ» ،وهذا ما سيتأكد لنا حياة البطلة .ونجد ضب ًطا افتراضيًّا لسلسة الرواة
من خلال تأمل «النوافذ» الملحقة بالفصول ،والتي والإسناد وإيلاء أهمية خاصة للسرد الأولي الذي
تومئ إلى طبيعة البنية السردية .ويمكن أن نكتشف
ملامح السرد الشفاهي والحكائي بوضوح من كانت تقدمه الحاجة زعفران ،وهي خادمة البطلة
خلال طريقة السرد والحكي والتقطيع ،فض ًل عن ومربيتها في طفولتها ،لكننا نلاحظ وفرة في عدد
الحركات والإشارات المصاحبة عادة للسرود أو الرواة ،وخاصة النساء اللائي يشاركن في صياغة
المرويات الشفاهية .وليس معنى هذا أن الرواية، البنية السردية النهائية ،مما يجعل الرواية متعددة
بكاملها ،هي نص شفاهي متواتر ،فهي تظل في
النهاية ن ًّصا كتابيًّا حديثًا ،لكنه بشكل عام ينطوي الأصوات .ومن الملاحظ أن هذه العتبة النصية
الاستهلالية مكتوبة بلغة تراثية وتقليدية ،وتختلف
على جذر شفاهي وحكائي وتداولي.
وللتاكيد على الطبيعة الشفاهية للسرد نجد أن جميع جذر ًّيا عن أسلوب الرواية الحديث ،وكأنها ورقة
مستلة من كتاب تراثي .وتع ّرف هذه العتبة بشكل
الأبواب أو «المنازل» فيها مقدمات تشير إلى تاريخ موجز ،على طريقة كتب الأقدمين في كتابة التراجم،
السرد ومكانه وأسماء الرواة المتعددين .ويخيل لي
بشخصية البطلة من خلال القول« :جمعت امرأ ٌة
أن هذا التعدد الصوتي في السرد الشفاهي يمنح العل َم الواس َع الغزير والجمال الفتان الرهيب في
القرن التاسع عشر الميلادي وتنقلت بين بلاد
الرواية سر ًدا مبأ ًرا وبنية درامية ،بعيدة إلى حد فارس والعراق ،فتداولت الشفاه أخبارها التي
كبير عن تدخل المؤلف أو الراوي الضمني ،إلا في أسردها لكم ،كما وردتني عن أمي عن جدتي
استثناءات محددة يبرز فيها دور الراوي الضمني مسعودة خاتون ،عن ..الخ» .إلى بقية سلسلة
الذي يضيء مراحل تاريخية وسياسية داخل المتن الإسناد التي تنتهي بالمربية الحاجة زعفران».
(ص)7
ونكتشف أن الراوي الأخير هنا هو فرد من الأسرة أو في الهوامش ،كما هو الحال في السرد التاريخي
العميق للمرحلة( ،ص )27والذي يشير إلى وجود التي تناقلت المرويات من خلال عبارة «فتداولت