Page 20 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 20

‫العـدد ‪١٩‬‬   ‫‪18‬‬

                                                    ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

  ‫أن الساردة ليست روائية محترفة‪ ،‬لكنها تمارس‬        ‫را ٍو خارجي‪« :‬شدتني الحكاية التي روتها أمي نق ًل‬
       ‫الكتابة السردية لتوثق هذه السيرة تحدي ًدا‪.‬‬     ‫عن النسوان‪ ،‬فأنا أهوى سرد الحكايات التاريخية‬
                                                    ‫المهمشة‪ ،‬وبدأت البحث عن مصادر عنها في المكتبة»‪.‬‬
‫ويمكن القول بثقة إن الرواية هي في الجوهر رواية‬
      ‫شخصية‪ ،‬لأنها تتمحور حول حياة شخصية‬                                                   ‫(ص‪)53‬‬
                                                    ‫ومع أن الرواية هي نتاج عدد من الروايات الشفهية‬
 ‫مركزية واحدة‪ .‬وبمعنى آخر أنها لون من السيرة‬
   ‫أو الترجمة البيوغرافية ‪ Biography‬التي يكتبها‬       ‫المتواترة‪ ،‬إلا أننا نلمح بين حين وآخر ظل الراوي‬
                                                       ‫المركزي أو الذات الثانية للمؤلف‪ ،‬والذي هو آخر‬
 ‫شخص أو أكثر عن شخصية محددة أخرى‪ ،‬وهي‬                 ‫العنقود في سلسلة الرواة‪ ،‬وكنا قد لمسنا حضوره‬
‫تختلف جذر ًّيا عن الرواية السيرية الأوتوبيوغرافية‬      ‫في العتبة النصية الأولى‪ ،‬كما أعلنت آخر سلسلة‬
                                                     ‫الرواة وهي أيضا امراة‪« :‬فتداولت الشفاه أخبارها‬
     ‫‪ Autobiography‬التي تتسم بوضوح الملامح‬            ‫التي أسردها لكم كما وردتني عن أمي عن جدتي‬
    ‫الذاتية في السرد‪ ،‬بسبب أن الراوي يتحدث عن‬
‫سيرته الذاتية ويع ّرضها أحيا ًنا للخروج من الجنس‬        ‫مسعودة‪ »..‬إلى آخر سلسلة الإسناد‪ .‬ويبدو أن‬
  ‫الروائي إلى جنس آخر هو كتابة المذكرات والسير‬         ‫المؤلفة قد اختارت «النوافذ» التي اختتمت بها كل‬

                                        ‫الذاتية‪.‬‬          ‫«منزل» أو فصل لإعطاء ملامح عن شخصية‬
‫ويبدو لنا واض ًحا أن المؤلفة كانت مفتونة ومنبهرة‬    ‫الراوي الضمني أو الذات الثانية للمؤلف وتشكيلات‬

     ‫إلى درجة كبيرة بذلك الكم الهائل من المرويات‬         ‫السرد‪ .‬ففي «النافذة» التي اختتمت بها «المنزل‬
      ‫والنصوص والأفلام والمسرحيات التي تدور‬              ‫الاول» والموسوم بـ»منزل المحاق» نكتشف أن‬
 ‫حول البطلة في العصر الحديث‪ ،‬والتي جعلت منها‬           ‫الراوية أو الساردة امراة مثقفة ومتابعة لما يطبع‬
‫شخصية أسطورية نادرة‪ ،‬ربما تذكرنا بالفيلسوفة‬              ‫من مؤلفات‪ ،‬من خلال إشارتها إلى أحد الكتب‬
      ‫المصرية «هيباتيا» التي تعرضت هي الأخرى‬
   ‫إلى القتل بسبب معتقداتها التي تعارض الكنيسة‬             ‫الخاصة بالتفسير‪ ،‬إذ تقول وهي تفصح عن‬
   ‫الرسمية‪ ،‬وقد تذكرنا بشخصية جان دارك التي‬               ‫شخصيتها بوصفها راوية للحكاية‪« :‬شدتني‬
‫حمكت عليها المحاكم الكنسية بالحرق‪ ،‬لانها خرجت‬            ‫الحكاية التي روتها أمي نق ًل عن النسوة‪ ،‬فأنا‬
                                                       ‫أهوى سرد الحكايات التاريخية المهمشة‪ ،‬وبدأت‬
              ‫عن منظور الكنيسة الرسمي آنذاك‪.‬‬              ‫البحث عن مصادر منها في المكتبة»‪( .‬ص‪)33‬‬
      ‫وتتضح محاولة أسطرة شخصية البطلة منذ‬              ‫وهنا إشارة مهمة إلى أن ما ترويه يقع تحت باب‬
    ‫البداية‪ ،‬عندما كانت مازالت في طفولتها المبكرة‪،‬‬       ‫«الحكايات التاريخية المهمشة»‪ ،‬أي أنها لا تقع‬
‫قبل أن تبلغ سن الرشد‪ .‬فعندما كانت في الخامسة‪،‬‬        ‫ضمن باب الحكايات الرسمية المعتمدة في التاريخ‪،‬‬
      ‫وبعد زيارتها لأحد المراقد الدينية كانت تحلم‬      ‫وهي إشارة مهمة في هذا المنحى الجديد في كتابة‬
    ‫بنجوم المزار واعترضت على أمها بجرأة «أنا لا‬     ‫السرد التاريخي عبر البحث عن المهمشين‪ ،‬والمهمل‪،‬‬
  ‫أحلم‪ ،‬إنما أرى ما لا ترين»‪( .‬ص‪ )13‬وقالت عنها‬           ‫والابتعاد عن التاريخ الرسمي ومحاولة كتابة‬
‫أمها «لابنتي خمسون لسا ًنا إذا تحدثت»‪( .‬ص‪)49‬‬          ‫تاريخ بديل‪ ،‬وهو ما يجعل الرواية تنتمي رؤيو ًّيا‬
   ‫وقال عنها والدها مرة وهي مازالت في الخامسة‬        ‫إلى سرد ما بعد الحداثة‪ .‬وفي «نافذة» المنزل الثاني‬
                                                        ‫تتحدث الراوية عن الإعياء الذي أصابها بسبب‬
                ‫إنها «مغامرة وجسورة»‪( .‬ص ‪)7‬‬
   ‫ونجد داخل المتن الروائي إشارات متفرقة تدعم‬                                       ‫الكتابة السردية‪:‬‬
                                                         ‫«ما إن أوصدت باب «منزل الهلال المتزايد» في‬
     ‫هذا المنظور الميثولوجي الذي يميل إلى أسطرة‬         ‫الرواية حتى داهمني التعب والإعياء»‪( .‬ص‪)48‬‬
      ‫الشخصية‪ ،‬منها ما قالته البطلة لشقيقها عبد‬        ‫وأشارت الساردة إلى أنها أقنعت نفسها بأن ذلك‬
  ‫الوهاب من كلام‪ ،‬لا يمكن أن يصدر عن طفلة في‬        ‫من صدى لدرس قديم في السرد‪ ،‬رغم أنها لم تتعلم‬
 ‫الخامسة من عمرها «إنما أفكر بتحولات مخلوقات‬            ‫السرد من أحد‪( .‬ص‪ )78‬وهي إشارة مهمة إلى‬
    ‫الله‪ ،‬جميعها تمر بمراحل‪ ،‬فالفراشة تنبعث من‬
 ‫الشرنقة‪ ،‬والقمر ينتقل بين المنازل (والقمر قدرناه‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25