Page 24 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 24

‫العـدد ‪١٩‬‬   ‫‪22‬‬

                                                                                                                          ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

‫ممدوح فّراج الّنابي‬

‫وال ّصمت ُيطلق ضحكته ال َّساخرة‪..‬‬
‫النوم مع العدو والمقاومة الصامتة‬
‫في رواية «صمت البحر» للفرنسي فيركور‬

‫الرواية بكل بساطة ‪-‬ودون تخمة أو بدانة سردية وثرثرة لا طائل منها‪-‬‬
‫تقول‪ :‬إذا كنت تستطيع أن تحتل بالقوة ما هو مادي‪ ،‬فإنك مهما امتلكت من‬
‫آليات وعتاد لن تمتلك أو ‪-‬حتى‪ -‬تهزم ال ُّروح‪ .‬فال ُّروح هي العدو اللّدود لك ّل‬
‫الديكتاتوريات والغزاة‪ .‬فال ُروح لن تموت‪ ،‬هي أشبه بأسطورة الانبعاث (أو‬
‫طائر الفينق) التي تولد من رفاة الماضي‪ ،‬و ُتخلق أش ّد قو ًة وبأ ًسا مما سبق‪.‬‬

‫و‪-‬رسلمض َىكاا َلنله ُي َعحنِّده ُاث‪َ -‬حت ِدريوثًايَل ْو“ َأ َعَّن َّداُهلناَّ ْلبِ َعَّيا ّدصل َلأ ْىحا َللصاه ُهع”ليفهي‬  ‫«عندما تفشل الآلة العسكرية في احتلال‬
   ‫إشارة لقلة كلامه‪ ،‬فهدى النبي كان ال ّصمت كما‬                                                                                          ‫الُّروح»‬
  ‫روى عنه « َع ْن ِس َما ٍك َقا َل‪ُ :‬ق ْل ُت لِ َجا ِب ِر ْب ِن َس ُم َر َة‪:‬‬
     ‫َأ ُك ْن َت ُت َجالِ ُس َر ُسو َل الله صلى الله عليه وسلم‬                                                               ‫لا جدال على الأهمية القصوى لل ّصمت كقيمة في‬
 ‫َقا َل‪َ « :‬ن َع ْم‪َ ،‬و َكا َن َط ِوي َل ال َّص ْم ِت‪َ ،‬قلِي َل ال َّض ِح ِك‪.»..‬‬                                               ‫حياتنا‪ ،‬فكما يقول «توماس كارليل» (‪-1795‬‬
 ‫وغيرها كثير من أحاديث ومواقف تدعو إلى حفظ‬                                                                                    ‫‪ )1881‬إ ّن «ال ّصم َت أكث ُر فصاح ًة من الكلمات»‪.‬‬
                                       ‫اللّسان‪.‬‬
    ‫كما تباينت مواقف الفلاسفة من قيمة الصمت‪،‬‬                                                                               ‫وفي الأمثال العربيّة تعلو‪ُ /‬ت َث َّمن قيمة ال ّصمت على‬
                                                                                                                          ‫الكلام فـ»إذا كان الكلام من فضة فإن ال ّصمت من‬
 ‫فسقراط ُيعلي من قيمة الكلام فيقول‪« :‬تحدث لكي‬
‫أراك»‪ ،‬وبالمثل أفلاطون في محاوراته ُيعلي من شأن‬                                                                             ‫ذهب»‪ ،‬وهو الأمر الذي يتك ّرر في الأمثال العالميّة‬
 ‫الحوار والبوح لتقويم المفاهيم وتثقيف العقول‪ ،‬في‬                                                                              ‫على نحو ُمختلِف‪ ،‬وإن كان ُيوحي بنفس المعنى‬
‫حين تجعل الفلسفة البوذية والجينية «من الصمت‬                                                                                ‫ف ُيقال «الف ُم المُطبق لا يدخلُه الذبا ُب»‪ .‬وفي الحديث‬
‫رياضة للذهن ومصفاة للنفس ونافذة للتأمل»‪ .‬أما‬                                                                               ‫ال ّشريف‪ ،‬ث ّمة إلحاح على الالتزام بفضيلة ال ّصمت‪،‬‬
                                                                                                                              ‫ف ُخ َّص ال ّصمت بأكثر من ثمانية وستين حديثًا‪،‬‬
  ‫في الفلسفة المعاصرة فالفيلسوف الألماني «مارتن‬                                                                            ‫ومن ال ّرائج منها‪َ « :‬من صمت نجا»‪ ،‬و»فليقل خي ًرا‬
    ‫هيدجر» (‪ )1976 -1889‬يشير إلى حديث الأنا‬                                                                                ‫أو ليصمت»‪ ،‬و»إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه»‬
  ‫للذات الصامتة وكلام الأنا مع الآخر للتعبير عن‬
  ‫وجود الأنا الحرة الواعية (فالوعي وليد الصمت‬                                                                                                                        ‫إلخ‪.‬‬
                                                                                                                             ‫وجاء في أوصاف ال ّرسول الكريم صلى الله عليه‬
 ‫والتأمل والكلام وليد الحرية والقدرة على البوح)‪.‬‬                                                                              ‫وسلم أ ّنه كان صمو ًتا‪ ،‬حتى أن ال ّسيدة عائشة‬
   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29