Page 27 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 27
25 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الاحتلال الألماني ُيس ِّكن ضباطه في مساكن المدنيين. المقاومة بال ّصمت
وأي اعتراض ُيقابل بالقتل.
ال ّرواية صدرت عام 1942تحت اسم مؤلف
ال ّضابط الذي احت ّل الغرفة الكبيرة في منزل العم مستعار فيركور كمنشور سري ،والاسم الذي
وابنة أخيه ،وسيم ،رقيق ومهذب ،وإن كان به عرج اختاره المؤلف لنفسه هو اسم مقاطعة فرن ّسية
«فيركور» كانت إحدى قلاع المقاومة الفرنسيّة إ ّبان
خفيف في إحدى ساقيه .وإن كانت ث ّمة ملاحظة الحرب العالميّة الثانية .تعتبر الرواية -إ ْن شئنا
مه ّمة في شخصية ال ّضابط الألماني الذي تنطبق الدقة حتى مع عدد صفحاتها القليل (جاءت في 40
عليه مواصفات الشخصيّة الإشكالية بمفهوم صفحة) -أشبه بمنافيستو المقاومة.
لوسيان جولد مان ،فهو ضابط إ ّل أ ّنه مثقف صدرت ترجمة الرواية إلى العربية عام ،1968
وموسيقي ومرهف الح ّس ،وكأن المؤلف يريد أن في سلسلة روايات الهلال ،بتوقيع وحيد النقاش،
يوصل رسالة بأهمية هذه المك ِّونات الفكر ّية في و ُضمت في كتاب واحد مع رواية الكاتب الفلسطيني
تحفيز الوعي واستثارته لمقاومة تأثير الأيديولوجيا أميل حبيبي «سداسيّة الأ ّيام ال ِّستة» وصدرت
المضادة ،فرغم الأبواق العالية وهيمنة صوت ترجمة ثانية لها عام ،2006ضمن مطبوعات
الفوهرر وأيديولوجيته المح ِّر َضة ض ّد الآخر ،إ ّل أ ّن الكتاب للجميع ،التي تصدرها دار المدى للثقافة
الفكر والأدب والفنون (وهي أدوات القوى الناعمة
لأي أمة) كانوا بمثابة الحاجز (أو حائط الص ّد) والنشر في دمشق ،بتوقيع رشيد التريكي.
لمنع ذوبان شخصيته /روحه في َم ِعيّة الديكتاتور، أحداث الرواية -ال َمحدودة -تدور أ ّبان الغزو الألماني
والتكلُّم بصوته ولسانه كما سيحدث مع أخيه
لفرنسا عام ،1941في بيت فرنسي صغير ،يعيش
الشاعر. فيه رجل عجوز ُيدخن غليونه بصورة ُمستمرة ،مع
وهناك قائل يقول ولكن الأخ أو الصديق هو شاعر
أي ًضا ،بل يصفه الضابط في أحد مونولوجاته بأنه ابنة أخيه ،الفتاة ال ّصامتة ،والتي ُتما ِر ُس في َد َأ ٍب
َأعمال الحياكة والتطريز .الرواية ُمج ّردة من كل
كان «حسا ًسا ورومانسيًّا» ،ث ّم رأه في باريس الزوائد التي تعيق حركة ال ّسرد ،بما في ذلك أسماء
-عندما ذه َب لقضاء إجازته كي يستمتع بباريس شخصيات الرواية الثلاث ،باسثتناء اسم ال ّضابط
الألماني «فرن فون إبرناك» ،أما شخصيتا الع ّم
التي عشقها -كان واح ًدا ِم ّمن َس ِخروا منه ،إ ْذ العجوز وابنة أخيه ،فهما ُغ ْفل ،بلا أسماء في رمزية
انخرط ،في الصفوف وصار هتلر ًّيا أكثر من دالة على أنهما يحيلان على كل أبناء
المقاومة الفرنسيّة
هتلر ،لغته الدم ،وقلبه يملأه الحقد وهو ال ّشاعر
المرهف الح ّس من قبل ،في تب ّدل فج ُيثير الكثير من للنازي .وبينما
هما في حياتهما
التساؤلات! ال ّرتيبة -أي الع ّم
هنا يلعب المؤلف -عبر هذه الشخصيّة -على مفهوم العجوز وابنة الأخ-
المثقف الحقيقي لا ال ّشكليّ (التابع أو المُد ّجن) المثقف يقتحم هذه الحياة
البسيطة الهادئة،
غير القابل لأن يكون ِت ْر ًسا ُتحركه أجهزة الدولة جنديان ألمانيان
الأيديولوجيّة -بتعبير ألتوسير -أو حتى يكون أداة يبحثان عن مق ّر
لضابطهما ،حيث
للقمع والقهر تستخدمها ال ُّس ْلطة المهيمنة في عقاب كانت العادة
أعدائها ،وف ًقا لنظام المؤسسة العقابيّة عند فوكو. أثناء الحرب أن
ُمثق ٌف عليه أ ْن «يقول الحق في مواجهة ال ُّسلطة» على
نحو ما يذهب إدوارد سعيد ( )2003 -1935في
تعريفه للمثقف ،وهذا ما تح ّقق في صورة ال ّضابط
على عكس أخيه .فالأخ كان شاع ًرا ورومانسيًّا،
وهذه ليست أدوات تحميه من السقوط في فخ
الدعاية والأيديولوجيات الكاذبة (المفخخة) ،فهو